بقلم أ.د.أحمد بن عبد الله الضويحي
أولاً : معناها في اللغة
النوازل – في اللغة – جمع نازلة، وهي : المصيبة الشديدة من شدائد الدهر تنزل بالناس[1]، وأصلها من الفعل “نزل” بمعنى : هبط ووقع.
قال ابن فارس (ت395هـ) :- “النون والزاء واللام كلمة صحيحة تدل على هبوط شيء ووقوعه، ونزل عن دابته، ونزل المطر من السماء نزولاً، والنازلة: الشديدة من شدائد الدهر تنزل”أ-هـ[2].
ثانياً : معناها في الاصطلاح .
تطلق النوازل في عرف حملة الشرع على ثلاثة أمور :
1 – المصائب والشدائد التي تنزل بالأمة فيشرع لها القنوت[3].
قال الإمام الشافعي (ت204هـ) : “ولا قنوت في شيء من الصلوات إلا الصبح إلا أن تنزل نازلة فيقنت في الصلوات كلهن إن شاء الإمام”أ-هـ[4].
2 – المسائل والوقائع التي تحتاج إلى النظر والاجتهاد لاستنباط حكمها، سواء كانت متكررة، أو نادرة الحدوث، وسواء كانت قديمة أو جديدة.
يقول الإمام الشافعي (ت204هـ) : – “كل حكم لله أو لرسوله وجدت عليه دلالة فيه أو في غيره من أحكام الله أو رسوله بأنه حكم به لمعنى من المعاني، فنزلت نازلة ليس فيها نص حكم: حكم فيها حكم النازلة المحكوم فيها إذا كانت في معناها”أ-هـ[5]. وعبارة الشافعي هذه تدل على أن هذا المصطلح يطلق على كل مسألة أو واقعة، وذلك لأنه عبر به مرة عن المسألة المحكوم فيها، ومرة أخرى عن المسألة الجديدة التي يراد استنباط حكمها. ونظيره قول ابن حزم (ت456هـ) – في ثنايا كلامه عن إبطال القياس-: “لكن حسبنا أننا نقطع بأن الله تعالى بين لنا كل ما يقع من أحكام الدين إلى يوم القيامة فكيف ونحن نأتيكم بنص واحد فيه كل نازلة وقعت أو تقع إلى يوم القيامة…”أ-هـ[6].
3 – الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد.
يقول الإمام مالك (ت177هـ) :-“أدركت هذا البلد وما عندهم إلا الكتاب والسنة فإذا نزلت نازلة جمع الأمير لها من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه أنفذه”أ-هـ[7]. ويقول الشافعي (ت204هـ) :- “وليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها”أ-هـ[8]. ولابن حزم (456هـ) عبارة قريبة من هذه[9]. ويقول – وهو يتحدث عن قياس الشبه- : “وذلك أن تنزل نازلة تحتمل أن تقاس فيوجد لها في الأصلين شبه” أ-هـ[10]. ويقول ابن عبدالبر (ت463هـ) – وهو يتحدث عن المنهج الواجب اتباعه في استنباط حكم النوازل – : “وفيه دليل على أن الإمام والحاكم إذا نزلت به نازلة لا أصل لها في الكتاب ولا في السنة كان عليه أن يجمع العلماء وذوي الرأي ويشاورهم”أهـ[11]. وقال ابن القيم (ت751هـ) – وهو يتحدث عن مشروعية تقليد العامي للعالم-: “وقد علم الله سبحانه أن الحوادث والنوازل كل وقت نازلة بالخلق، فهل فرض على كل منهم فرض عين أن يأخذ حكم نازلته من الأدلة الشرعية بشروطها ولوازمها؟…”أ-هـ[12]. وهذه المعاني وإن كانت جميعها متداولة على ألسنة علماء الشريعة، إلا أن المعنى الثالث هو الأكثر شيوعاً على ألسنة الأصوليين، وهو الذي يتبادر إلى الذهن عند إطلاق هذا المصطلح([13])، وعليه تدور أغلب تعريفات الباحثين المعاصرين[14].
العلاقة بين المعاني الاصطلاحية والمعنى اللغوي :
سبق القول بأن النازلة في اللغة هي المصيبة الشديدة من مصائب الدهر تنزل بالناس، ومن تأمـل المعـنى الاصطلاحي أدرك وجه العلاقة بينه وبين المعنى اللغوي، فإن وقع الحوادث والوقائع الجديدة على المجتهد كوقع الشدائد على عامة الناس من حيث كونها مفاجئة له، وتتطلب منه أن يبذل وسعه ويستفرغ طاقته لاستنباط حكمها، لكونها لم يسبق فيها نص أو اجتهاد.
ثالثاً : الألفاظ ذات الصلة بهذا المصطلح
إن المتأمل في كتب علماء الشريعة يجد أنهم قد يعبرون عن النوازل بأسماء ومصطلحات أخرى، ومن أشهرها ما يأتي :
1 – الحوادث، وهو مصطلح شائع وبخاصة على ألسنة الأصوليين والفقهاء[15]. يقول الأزهري (ت370هـ) :- “الحدث من أحداث الدهر شبه النازلة”أ-هـ[16]. قال الجصاص (ت370هـ) – وهو يبين أحكام قوله تعالى : {لعلمه الذين يستنبطونه منهم}[17]– : “وفي هذه الآية دلالة على وجوب القياس واجتهاد الرأي في أحكام الحوادث”أ-هـ[18]. وقال الشيرازي (ت476هـ) :- “وقد كان يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم في الحوادث بالاجتهاد”أ-هـ[19]. وقال العدوي : “قوله : والحوادث : أي وفي أحكام الحوادث أي النوازل “أ-هـ[20]. قال السرخسي (ت490هـ) :- “وفي تسميته حادثة إشارة إلى أنه لا نص فيها، فإن ما فيه النص يكون أصلاً معهوداً”أ-هـ[21].
2 – الوقائع، وهو كذلك مصطلح دارج على ألسنة حملة الشرع[22]، ومفرده واقعه. قال ابن منظور (ت711هـ): – “الواقعة الداهية، والواقعة النازلة من صروف الدهر”أ-هـ[23]. وقال الرازي (ت606هـ) – وهو يبين حكم تعلم أصول الفقه – : “تحصيل هذا العلم فرض والدليل عليه أن معرفة حكم الله تعالى في الوقائع النازلة بالمكلفين واجبة، ولا طريق إلى تحصيلها إلا بهذا العلم”أ-هـ[24]. وقال ابن كثير (ت774هـ) – وهو يتحدث عن نزول القرآن – : “إنما نزل منجماً في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث وما يحتاج إليه من الأحكام”أ-هـ[25].
3 – المسائل أو القضايا المستجدة .
قال الصنعاني (ت1182هـ) : – ” قد قام الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من التابعين وأتباعهم وأئمة الإسلام وفقهاء الأمة بالاجتهاد في المسائل المستجدة في عصورهم”أ-هـ[26]. وهذا المصطلح غالباً ما يعبر به الفقهاء المعاصرون[27].
المراجع:
[1]– انظر معجم مقاييس اللغة 986، مادة “نزل”، والقاموس المحيط 4/57-58، مادة “النزول”، ولسان العرب 11/659، مادة “نزل” ، ومختار الصحاح 1/273، مادة “نزل”.
[2]– معجم مقاييس اللغة 986.
[3]– انظر الأم 1/205، 238، والمهذب 1/82، والوسيط 2/133، وشرح فتح القدير 1/435، والبحر الرائق 2/48، وحاشية ابن عابدين 2/11، وتفسير القرطبي 4/201، والمبدع 2/13، والكافي لابن قدامة 1/147، ومجموع الفتاوى 21/155، 22/271.
[4]– الأم 1/205.
[5]– الرسالة 512.
[6]– الإحكام لابن حزم 8/490-491.
[7]– انظر تفسير القرطبي 6/332.
[8]– الرسالة 20، وأحكام القرآن 1/21، وانظر عبارة قريبة منها في الأم 7/298.
[9]– انظر المحلى 9/364، والإحكام 4/570.
[10]– الأم 7/303.
[11]– التمهيد 8/368.
[12]– أعلام الموقعين 2/205.
[13]– انظر نماذج من التعبير بهذا المصطلح عن الوقائع والحوادث الجديدة في : الفصول للجصاص 2/317، واللمع 1/124، والتبصرة 1/392، 412، وقواطع الأدلة 1/461، 2/6، 8، 302، والإحكام لابن حزم 4/570، 5/78، 6/206، 8/489، 8/499، والمعتمد 2/377، ومجموع الفتاوى 20/208، والموافقات 3/371، 4/91، ومختصر المؤمل 1/36، وأعلام الموقعين 1/84، وشرح الزرقاني 4/296.
[14]– انظر أهم هذه التعريفات في كتاب منهج استنباط أحكام النوازل 88.
[15]– انظر نماذج من التعبير عن النوازل بالحوادث في أصول الشاشي 300، وأصول السرخسي 2/91، والمعتمد 2/34، وقواطع الأدلة 1/318، 346 ،461، والإحكام للآمدي 2/283، والمحصول 6/27، وبدائع الصنائع 7/12، والفواكه الدواني 2/356، ومجموع الفتاوى 19/200، والمبسوط 16/63، والمبدع 4/147، ومغني المحتاج 4/130، والتقرير والتحبير 3/143، والمسودة 435، والبحر المحيط 6/236، وقواعد الفقه 50، 166، 269، 498.
[16]– انظر لسان العرب 2/132.
[17]– سورة النساء آية 83.
[18]– أحكام القرآن 3/183.
[19]– اللمع 134.
[20]– حاشية العدوي 2/667.
[21]– أصول السرخسي 2/139.
[22]– انظر نماذج من التعبير عن النوازل بالوقائع في البرهان 1/332، 2/500، والمحصول 1/227، والإحكام للآمدي 1/300، والموافقات 2/61، والمسودة 489، والتقرير والتحبير 3/472، وأعلام الموقعين، 1/217، وشرح فتح القدير 2/334، وكشاف القناع 1/344، ومغني المحتاج 4/210، وتفسير ابن كثير 3/319، وتخريج الفروع على الأصول 1/80.
[23]– لسان العرب 8/403.
[24]– المحصول 1/227.
[25]– تفسير ابن كثير 3/318.
[26]– إرشاد النقاد 1/11.
[27]– انظر المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل 2/919، ومنهج استنباط أحكام النوازل 93-94.
(المصدر: الملتقى الفقهي)