إعداد العياشي جابو
يتزايد عدد المسلمين بشكل مستمر في المملكة المتحدة، إذ يناهز عددهم حاليا ثلاثة ملايين نسمة. وتتوقع بعض التقديرات إلى أن هذا العدد سيتضاعف على مدى العقود المقبلة.
ونتيجة تأثير العادات والتقاليد الثقافية لبلدان المسلمين البريطانيين الأصلية، والخلط والتداخل بين العادات والأفهام للدين تنشأ خلافات بين الأسر والعائلات، وتقع تجاوزات وسلوكيات باسم الثقافة والدين لا تتدخل السلطات البريطانية لتسويتها مباشرة خوفا من أن ينظر لخطوتها كنوع من فرض نمط معين من الحياة وطمس لثقافتهم وعاداتهم.
كما يعجز أئمة مئات المساجد في بريطانيا أحيانا كثيرة عن تقديم حلول شافية لهذه التجاوزات، ولأشخاص تعرضوا لاعتداءات بسبب ذلك الخلط كجرائم الشرف والزواج الإجباري.
هذه المشاكل دفعت قاري عاصم وهو إمام مسجد مكة في ليدز للتفكير في إنشاء مجلس وطني يكون أشبه وأقرب في تصوره لمجلس إفتاء عام، يصدر توجيهات وآراء وفتاوى دينية تكون تقدمية -وفق تعبير عاصم- تدمج الإسلام في سياق الحياة ببريطانيا، ويتماشى مع القرن 21.
مجلس إفتاء وتوجيه
ويوضح عاصم للجزيرة نت أن المجلس الذي يقترحه يتألف من علماء دين متخصصين في مجالات متعددة، يكون بمثابة سلطة مرجعية للمسلمين البريطانيين في تفسير ديني يتماشى مع قيم المجتمع البريطاني ويحل لهم بعض مشاكلهم اليومية، خاصة أنهم فخورون بانتمائهم لهويتهم الدينية الإسلامية وهويتهم البريطانية في الوقت نفسه.
ويضيف الشاب عاصم (39 عاما) أن المسلمين في بريطانيا يبحثون عن صوت ذي مصداقية يستطيع التحدث عن مواضيع مختلفة مثل الإرهاب والإسلاموفوبيا والتبرع بأعضاء الإنسان وغيرها من القضايا.
ورغم أنه لم يتحدد بعدُ تاريخ تأسيس المجلس ولا أعضائه، وتأكيد عاصم أنه سيكون مستقلا عن الحكومة البريطانية وتأثيراتها، فإن بعض المراقبين يتساءلون عن حقيقة استقلالية المجلس، وهل سينجح في تحقيق أهدافه أم أن له أهدافا خفية.
أنس التكريتي: إفراغ أي مؤسسة من محتوى رسالتها الإسلامية المتكاملة تجاه الجاليات المسلمة مصيرها الفشل (الجزيرة) |
عاصم استطاع أن يجد له أنصارا في مدينة ليدز شمالي بريطانيا، ويحرّك همم الشباب في المسجد الذي يؤمه، كما استطاع أن يكوّن شبكة علاقات واسعة في المجال التجاري من خلال عمله محاميا. وحصل أيضا على وسام من الملكة قبل نحو خمس سنوات. لكن حديثه عن فكرة استقلالية المجلس الذي يسعى لإنشائه لم تلق موافقة من مسلمين بريطانيين وهيئات إسلامية بريطانية.
مخاوف وتوجسات
وفيما رفض مجلس المسلمين في بريطانيا، أكبر مؤسسة إسلامية بريطانية تنضوي تحتها نحو 700 منظمة ومؤسسة إسلامية التعليق للجزيرة نت عن مشروع عاصم لأنه مشروع غير واضح المعالم، رأى الدكتور أنس التكريتي رئيس مؤسسة قرطبة أن للمشروع الجديد بعدا سياسيا وآخر أمنيا.
ويتمثل البعد السياسي- حسب التكريتي- في ضرب وتكسير مجلس المسلمين في بريطانيا بطريقة غير مباشرة، لأنه يعارض الحكومة البريطانية في قضايا سياسية معادية للمسلمين مثل الحرب على العراق وأفغانستان وغيرهما.
أما البعد الأمني، فيتوقع التكريتي أن يكون المجلس المراد تشكيله أداة طيعة للحكومة البريطانية، يوافق على الإجراءات الأمنية التي تتخذها الحكومة ضد المسلمين بدعوى محاربة الإرهاب، ولا يحرك ساكنا تجاه سياساتها ويهتم بقضايا الحلال والحرام والعبادات ليس إلا.
ويقول عاصم إن المجلس الجديد لن يتعارض مع الهيئات المسلمة الموجودة حاليا في بريطانيا، ولن يكون بديلا لنشاطاتها في أوساط الجالية المسلمة، بل سيكون مؤسسة جديدة تنير عقول الشباب المسلم وتساعده على مواجهة التحديات المختلفة ضمن إطار وسياق المجتمع البريطاني.
لكن رئيس مؤسسة قرطبة يؤكد أن إفراغ أي مؤسسة من محتوى ومضمون رسالتها الإسلامية المتكاملة تجاه الجاليات المسلمة ببريطانيا وعلاقاتها بالعالم الإسلامي بالاعتماد على دعم حكومة معينة سيؤدي للإساءة إلى قضايا المسلمين وأمتهم وسيكون الفشل مصيره.
(المصدر: الجزيرة)