مشروع ماكرون ضد الانعزاليين.. مثقفو فرنسا: المسلمون كبش فداء لفشل الرئيس والمشروع مناقض للقيم العلمانية
انتقد عدد من المثقفين وممثلي المنظمات غير الحكومية في فرنسا مشروع قانون للرئيس إيمانويل ماكرون يجري إعداده حاليا بشأن محاربة الأفكار الانفصالية والانعزالية واستهدافه الإسلام من خلال وصفه المسلمين بالانعزاليين.
وتحدث المثقفون لوكالة الأناضول عن أهداف ماكرون في هذه القضية، ومنها التغطية على إخفاقاته الخارجية والداخلية والسياسية، خاصة في مكافحة وباء كورونا وإنعاش الاقتصاد، مؤكدين أن أطروحاته تناقض قيم فرنسا العلمانية.
تغطية على الفشل
الناشط الفرنسي في مجال حقوق الإنسان ياسر اللواتي قال إن خطاب ماكرون في قضية الهوية كان هزيمة وفشلا كاملين.
وأضاف اللواتي أن إثارة ماكرون قضية مثل مكافحة الأفكار الانفصالية هدفها التغطية على الإخفاقات في السياسة الخارجية والداخلية، ومكافحة وباء كورونا وإنعاش الاقتصاد.
وأشار إلى أن ماكرون -الذي تراجعت شعبيته مؤخرا- وضع أجندة مصطنعة قبل الانتخابات بعام ونصف، واختار المسلمين ككبش فداء للتنصل من مسؤولياته، فمشكلة الانعزالية أو الانفصالية وفق تعبيره هي مشكلة مصطنعة وغير موجودة على أرض الواقع، ولا توجد منظمة أو جماعة أو منطقة في فرنسا لديها مطالب انفصالية.
وشدد اللواتي على أن مصطلح الانفصالي هو مصطلح كان يطلق في حقبة فرنسا الاستعمارية على الشعوب المستعمَرة، وأن الرئيس الفرنسي يهدف من خلال هذا الخطاب الذي يستهدف العرب والأفارقة والآسيويين الذين يعيشون في البلاد إلى الإصرار على دمج الأشخاص الذين يرفضون الاندماج.
تغطية على العنصرية
وأوضح اللواتي أن النخبة الفرنسية لا يمكنها قبول اندماج الأتراك والعرب والأفارقة في المجتمع، وأن تكون لهذه المجتمعات نفس الحقوق مع الفرنسيين في إطار المواطنة.
وأشار إلى أن طرح ماكرون هذا الموضوع والترويج له في وسائل الإعلام بعد المظاهرات المناهضة للعنصرية في فرنسا ما هو إلا محاولة للتغطية على العنصرية الموجودة في البلاد.
وأكد اللواتي أن اليمين المتطرف في فرنسا ارتكب العديد من الجرائم بحق الأجانب والمسلمين، وأن ماكرون لا يتطرق للخطر الرئيسي الذي يواجه فرنسا والمتمثل باليمين المتطرف.
وأوضح أن ماكرون يسعى إلى زيادة الضغط على الجمعيات الإسلامية، وقال إنه عندما تطفو قضايا التحرك في الكنائس لا يلقي الرئيس الفرنسي باللائمة على المسيحية، أو عندما ينظر إلى فظائع إسرائيل في فلسطين لم يشر ماكرون إلى وجود مشكلة في اليهودية.
المسلمون يطلبون المساواة
ومقابل ذلك، شدد اللواتي على أن المسلمين يريدون أن يعاملوا كمواطنين متساوين في فرنسا، وأن يعيشوا دون التعرض لعنف الشرطة والتمييز، ورغم مطالباتهم هذه فإن الرئيس الفرنسي يتهمهم بالانفصال.
وأشار إلى أن الدولة الفرنسية العلمانية لا تتدخل في المؤسسات البروتستانتية والكاثوليكية، ولا تتدخل في شؤون الاتحادات اليهودية، لكن ماكرون يعمل على زيادة الضغط على الجمعيات الإسلامية، وعدم السماح للمسلمين هنا برعاية شؤونهم والتعبير عن أنفسهم.
وأضاف أنه من الضروري أن تسعى الجالية المسلمة في البلاد لتعليم وتخريج أئمة وخطباء للعمل في المؤسسات الدينية، وذلك على الرغم من أن الأئمة القادمين من الخارج مجهزون تجهيزا جيدا، إلا أن العقبة الكبرى التي تواجههم هي عدم معرفتهم بفرنسا والفرنسية إلى حد ما.
كما أكد اللواتي أن الدولة الفرنسية تحاول إملاء منظمات واتحادات ومؤسسات معينة على المسلمين، وأن هذا لن يتم قبوله.
الحاجة للعمل المشترك
بدوره، قال إبراهيم ألجي نائب رئيس المجلس الإسلامي الفرنسي إن عددا من المثقفين المسلمين التقوا مع الرئيس الفرنسي مساء 30 سبتمبر/أيلول الماضي، وعبروا له عن امتعاضهم من استخدامه كلمة “انفصالي” التي لا توحي بالإيجابية.
وأضاف أنهم أبلغوا الرئيس الفرنسي بحاجة الشعب الفرنسي إلى العمل المشترك من أجل إعلاء قيم الأخوة ونبذ العنصرية.
ولفت إلى أن المجتمع التركي في فرنسا لا يواجه عموما أي مشاكل مثل التطرف، إلا أن الإدارة الفرنسية دأبت على عزل المواطنين والمقيمين، مشيرا إلى أن المجتمع التركي في فرنسا يعمل على إعداد أئمة محليين ممن يتحدثون الفرنسية والتركية.
وأضاف أن مسودة مشروع قانون محاربة الأفكار الانفصالية ستطرح عليهم في 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وأنهم سيبحثونها، وأنهم سيعملون على تناول المسودة بطريقة تصب في مصلحة المسلمين في فرنسا.
كما أشار إلى أن خطاب ماكرون نفسه متناقض مع قيم العلمانية في فرنسا، وذلك من خلال التركيز في التصريحات على موضوع الإسلام، لافتا إلى أن الهجمات الإرهابية التي ينفذها مسلمون يجب أن توصف بـ”الإرهابية” وليس بـ”الإسلامية”.
إنشاء نظام سلطوي
أما أستاذ الفقه والعلوم الإسلامية الفرنسي من أصل باكستاني شاكيل صدّيق فقال إن ماكرون يسعى لإنشاء نظام سلطوي في فرنسا.
وأضاف أن الغرض من استهداف ماكرون المسلمين في فرنسا من خلال تصريحاته هو حثهم على ألا يكونوا مختلفين عنه، فهو يريد من الجميع أن يفكر بطريقته.
وشدد صدّيق على أن الرئيس ماكرون يحاول وضع أجندة مصطنعة للتغطية على إخفاقاته، وإبقاء الفرنسيين الذين نزلوا إلى الشوارع بسبب المتاعب الاقتصادية والأزمة الوبائية داخل نطاق سلطته.
ونصح صدّيق المسلمين بالتركيز على التنوير والمبادئ في الإسلام بدلا من التركيز على القضايا الخلافية، مشيرا إلى أن خطاب ماكرون يتناقض مع مبادئ العلمانية التي تحدث عنها وعن أهميتها في كل جملة.
وختم بأن ماكرون يريد أن يتعلم المسلمون في فرنسا الدين من خلال المؤسسات التي تحددها الدولة، وأن هذا الوضع يتناقض في الواقع مع مبادئ العلمانية في فرنسا، وفصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة.