مقالاتمقالات مختارة

مسيرات حق العودة.. أي مقابل لشهدائها؟

مسيرات حق العودة.. أي مقابل لشهدائها؟

بقلم أمير سعيد

إذ يرى منظمو مسيرات حق العودة في فلسطين أن الوقت ملائم جداً لإطلاقها لإفشال مخططات دولية وإقليمية لوأد حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وأنها ربما هي إحدى أهم المحاولات الأخيرة قبل عقد الصفقات وتجاوز حقوق اللاجئين؛ فإن الظرف قد لا يكون مناسباً لذلك في نظر المعارضين، وقد يتسبب بسفك دماء أبرياء كثيرين خلال المسيرة وما يستتبعها.

ومع كل يوم جمعة تطلق فيه مسيرة احتجاجية على حدود غزة مع فلسطين المحتلة 48 يعود التساؤل من جديد عن جدوى هذه المسيرات التي يدفع فيها الفلسطينيون ثمناً باهظاً من دماء أبنائهم وبناتهم الأبرار، ما بين شهداء وجرحي بالعشرات كل أسبوع لإحياء قضية اللجوء، وعدم إخفائها تحت طاولات التفاوض أو بالأحرى الاستسلام والتدجين الشعبي.

سؤال الجدوى يستتبعه سؤال لا يقل عنه أهمية، وهو عن جدوى ترك حق العودة، وحقوق أخرى كثيرة تغرق في بحور النسيان من دون أي فعالية؛ فيما يخطو الغرب والشرق باتجاه تركيع الأمة تماماً.. إنه سؤال صعب حقيقة لم تجد “النخبة” إجابة له حتى الآن!

الأمر محير فعلاً، فثمة أصوات فلسطينية جريئة وشجاعة، تقول: أقلوا علينا من تحليلاتكم وفتاويكم السياسية الترفية؛ فليس في الجعبة الكثير، ولا مجال رحباً للمناورة، وأبواب كثيرة قد سدت، وإذا كنتم لا تملكون بديلاً معقولاً أو طريقاً أخرى مختصرة موصلة؛ فدعونا واجتهادنا وخبراتنا المتراكمة، ألا تلحظون أن الشباب الثائر وأهالي الشهداء هم أكثر من يرفض أفكاركم الخانعة؟ وثمة أخرى ترى في أن المسيرات الأولى ربما قد أحدثت اختراقاً في جدار الصفقة الأصم، وأن هذا التكرار إنما هو مجرد نزيف دم يقدم بلا طائل كبير، حيث إن العالم الذي يُتوجه إليه بالتذكير والتشديد على حق العودة، والعدو الذي يناكف لأجل التأكيد عليه لا يأبه بشهداء دون العشرة وهو من استباح لنفسه القبول بمجازر حمص وحلب والموصل.. وهلم جرا، ولم يردعه ارتقاء مئات الآلاف من السوريين والعراقيين في طريق مشاريعه الاحتلالية والتركيعية.

والناس في الواقع دوماً مترددون في خط تقديري طويل ما بين مبالغة في التحرك حد التهور والاندفاع، والسكون حد الخضوع والاستسلام، وإن كانوا في العادة قريبين من الحد الثاني، مائلين إلى دعته واستكانته. وقلما ما يصار إلى موقف وسطي عاقل يأخذ الحاجة إلى تغيير الواقع المر في فلسطين وما شابهها في اعتباره، ولا يندفع متجاهلاً عواقب الأمور. فالتظاهر أحياناً يندب إليه، حين تكون مظان تحقيقه لأهداف معقولة – مهما كانت مرحلية أو جزئية – كبيرة، ويتعين تجنبه حين يجلب مصائب وخسائر كثيرة، والأمر يحتاج إلى عين بصيرة وعقل راجح لا يستجيب للعاطفة المهيجة أو المثبطة، وهذا ينسحب بطبيعة الحال على مظاهرات العودة، التي بدأت مبهرة ومؤثرة، رغم فداحة خسائرها، ولكن تراجع الاهتمام الإعلامي والتأثير السياسي لها لاحقاً، فأضحت في حاجة إلى مراجعة وإعادة نظر، بهدف تقدير الموقف، وتقييم الأثر والنتيجة.

الفلسطينيون ذوو همة عالية لا تكاد تتكرر نظائرها بسهولة في العالم، ومنسوب تضحياتهم دوماً عالٍ ومرتفع، وحماستهم لا تهدها السنون، ولذا لم يبالِ الفلسطينيون يوماً بأعداد شهدائهم على فداحة خسارتهم، وجسيم فقدانهم؛ فالعبرة لديهم ليست بالأرواح المبذولة – على علو قيمتها – وإنما بجدوى ما يفعلونه ودوره في تحريك القضية والسعي نحو إيجاد حلول لقضية الاحتلال الصهيوني لديارهم ومحاولة التخفيف من قبضته ونيل بعض حقوقهم المشروعة. وشجعان كهؤلاء ليسوا بحاجة لمن يطامن من حماستهم أو يحد من شجاعتهم وجسارتهم، لكنهم بحاجة إلى تقويم وقراءة مستمرة للوضعين الإقليمي والدولي المتغيرين كل ساعة على نحو فريد. ولا نظن أن ذلك مما يغيب عن حكمائهم وما أكثرهم.

(المصدر: موقع المنهل)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى