مسيحيو الفسطاط في القرون الثلاثة الأولى للإسلام: تَشكّلُ مجتمع جديد
تأليف: أودري دريدي / ترجمة: مصطفى الفقي
“أول كنيسة بُنيت بفسطاط مصر… الكنيسة التي خلف القنطرة أيام مسلمة بن مخلد (667-682)، فأنكر الجند ذلك وقالوا له: أتقرّ لهم أن يبنوا الكنائس؟ حتى كاد أن يقع بينهم وبينه شرّ، فاحتجّ عليهم مسلمة يومئذ فقال: إنها ليست في قيروانكم، وإنما هي خارجة في أرضهم، فسكتوا عند ذلك” ابن عبد الحكم، 1922، ص132.
لا يمكن اعتبار هذا الخبر الذي أورده ابن عبد الحكم، مؤرخ العصور الوسطى (المتوفى 871)، خبرًا مرسلًا، بل هو نموذج مُمثِّل لحالة مسيحيي الفسطاط في العقود الأولى من هيمنة المسلمين. فبعد مرور أكثر من خمسة وعشرين عامًا على تأسيس العاصمة الجديدة في العام 641، ما زال المسلمون والمسيحيون يعيش بعضهم بعيدًا عن بعض داخل الفسطاط وخارجها. بعبارة أخرى، على الأقل حتى هذه الفترة، كانت الفسطاط مصرًا إسلاميًّا –بكل معنى الكلمة- قاصرًا على الجنود العرب الذين شكلوا قوام الجُند (الحامية العسكرية) في مصر. ومع ذلك، لم يكن هذا الفصل دينيًّا في جوهره. بل كان تمييزًا بين الغزاة الفاتحين والخاضعين لهم، بين العرب والمصريين. في الواقع، وكما وصف ابن عبد الحكم في كتابه (ابن عبد الحكم 1922، ص129)، استقر جنود مسيحيون أتوا من مناطق أخرى في العالم الإسلامي ممن كانوا في جيش عمرو بن العاص، فاتح مصر، في حيّ معين من الفسطاط.
(المصدر: مركز نماء للبحوث والدراسات)