مقالاتمقالات مختارة

مسيحيون يفسرون القرآن.. هذه أبرز ملامح تضليلهم

مسيحيون يفسرون القرآن.. هذه أبرز ملامح تضليلهم

بقلم مروة بلفقاس

حِصّة يتناقش فيهَا مسيحِيان حَولَ القُرآن، يَتقابَلان بالكراسِي ويضعان أوراقا وكتب تفسيرٍ بينهمَا ويَعرِضَان فِيهَا آياتٍ وأحاديث، عَدد حلقاتِها جَاوز المئتَان، فِي كلّ حَلقَة يتنَاولانِ آية أو حدِيث ليَتم تَحليلُه. الطّريفُ فِي الأمْر أنّ مقدّمَا البرنَامج يُوجهانِ حصتهمَا هذه لِلمُسلمِين فِي دَعوة مِنْهما إلَى النّظَر إلى القُرآن ورِسالَة محمد نَظرَة حِيادِية خَالِية مِنَ العاطفَةِ والذاتية. ليسَ هو البَرنامَج الأول الذي ينتقِدُ الإسْلَام فَقدْ كَان قبْله الكَثِير من البرامج التي خاضت في الإسلام، لكن لم أرَى تدقيقا في انتقاد القرآن كهذا. فهل تُـرك المجال لِغيرِ المُسلمين ليَخوضوا في مسائل الإسلام بينَما الكثير منا يَبْحث عَن فضَائح الفنّانين؟

بَعضُ المواضيع المُتَناولة في الحصة:

تناول المقدّمَان موَاضيعَ شَتّى فِي القُرآن والسنّة وأسبَابِ النّزول وحياة الرسُول صلى الله عليه وسلم.. ووصَل الأمر إلى تَعْبيرهِم عَن القُرآن “أن مؤلفه نسي وغفل عن ذكر أغلب الأمور”، الحَقيقة لم أشاهد جميعَ حلقاته إلّا مَا لفتني عُنوانهَا فرأيتُ تشْكيكَهم وأسئلَتهمْ حولَ بعضِ الآياتِ والأحْداث، نَذْكر مِنها: حلقة يحَاوِلانِ فيهَا إثبَاتَ أنّ الإسلَام مَا جَاء لتكرِيمِ المَرأةِ كمَا هو شائعٌ ومعروفْ، إنّمَا لتَحقيرِها وتَسليعِها، إذ لمَاذا وُجبَ الحجَاب عَلى المرأة دونًا عَن الرجُل، وهذا اعتبار من الإسلام أنّ جسْم وصَوتَ المرأةِ عورَة فالعيبَ فِيها لَا في الرّجُل. الله بِذلكَ يُعالجُ موضوعَ التحرش والإهَانة على حِسابِ الضّحية لَا عَلى حِسابِ المتحرش والدليل على أن القرآن لم يعالج أمر الزنا والتحرش حسبهم هوَ استمرار التعدي على النساء واستمرار الفواحش. بل وصل الأمر إلى أن يتهما القرآن بالتحريف وزيادة آيات أو انتِقاصٍ منهَا؟ قال تعالى: “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِين“.

في حادِثة مَوتِ الرّسول نزَل الصحابِي أبُو بَكر وقَال كَلمتَه الشهيرة “مَن كان يَعبد محمدا فإن محمدا قَد مَاتْ ومَن كَان يعبد الله فَإن الله حَي لَا يمُوتْ” ثمّ تَلا الآيَة السّابِقِ ذِكرُها، حِينَها اضْطربَ سَيدنا عُمر وفقدَ توازنه وشَعر أنّه يسمَع الآيَة لأول مرة حَالُه كَحَال المُسلمينَ ممن كَان يُخاطِبهُم أبو بكر الصديق، قِيل عَن هذه الحادثة أنْ كَيفَ لعُمر وسائر المسْلمين أنْ لا يتَذكّروا هَذه الآية؟ الوَحي انْقطع عِند وفاة الرّسول فَمِن أين لأبِي بكر بهَذه الآية؟ الاستنتاج الوحيد الذي انتَهت إليه مقدمة الحصة أنّ الآية هِي مِن تأليف هذا الصحابِي. الأمثلة لَا حَصر لهَا فِي هدَف مِنهم إلى محاولَة إيجَاد ثَغرات فِي القرآنِ وحقيقَة الرسالة المحمدية.

أعلى إنجيلهم غافلون أم لقرآننا جاهلون؟

مِن المُثير للضحِك ومِن التناقضِ لديهِم أنّهُم ينتَقدون الإسلامَ ويدْعون النّاس لتَحليلِه تَحليلًا منطقِيا بَينَما إنجيلهم مليء بالتحريفات والأخطَاءِ التي لَم يحللوها تحليلا حِياديًا. إن كَان الحِجاب مشْكلة فِي الإسلام بالنسبة لَهم وتَعدي على حُقوق المَرأة، فإنّهمْ إمّا أنهم اجتزأوا مِن القرآن مَا يفرض على المَرأة الحِجاب ولَم يَأخذوا الآيات والأحَاديث التي فَرضت غَضّ البَصر وحُسن المَلبس بِما يُلائم الإسلام، في مُعاملة المرأة قَال تَعالى: “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ“، وَقد فرض الحجابُ فِي كِتابِهم المقدس في العهدِ القدِيم: “وَرَفَعَتْ رِفْقَةُ عَيْنَيْهَا فَرَأَتْ إِسْحَاقَ فَنَزَلَتْ عَنِ الْجَمَلِ. وَقَالَتْ لِلْعَبْدِ: ‘مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الْمَاشِي فِي الْحَقْلِ لِلِقَائِنَا؟’ فَقَالَ الْعَبْدُ: هُوَ سَيِّدِي. فَأَخَذَتِ الْبُرْقُعَ وَتَغَطَّتْ” (سفر التكوين 24 :64-65).

أمّا عَن نبوة محمد فَقد كَان النقاش أكَبر حَولَه وحَول الصحابة، مع أن القرآن منزل من الله وَلوْ كَان مِن عِند غير الله لَمَا كَان بِمثلِ هذَا الأسْلوب ولَا كان بِذاتِ الدقة والبَلاغة، وبالمقارنة فَقط يمْكنُنا مُلاحظة أنّ أسلوب النّبي الأمي ولغته فِي الأحَاديث لَيْست كَلُغة وأسْلوبِ القرآن، فَكيفَ لِمؤلف مبتدِئ أنْ يغير أسْلوبه ولُغته ببساطة؟ وبالنظر لمَصادِرهم، فَقد ذَكَرت أسْفارِهم نُبوة محمد قَبْل أنْ يَأتي ففِي سَفرِ التكوينْ: “لترفع البرية ومدنها صوتها. الديار التي سكنها قيدار. لتترنم سكان سالع. من الجبال ليهتفوا.” (تك 25 : 13) تبين هذه الفقرة أن هذا النبي يأتي من نسل إسماعيل من إبراهيم عليهما السلام. وقيدار: هو الابن الثاني لإسماعيل.

تَركيزُهم عَلَى مَا جَاء في الإسْلام وانتِقادِه لِغرضِ ضَربِ مَبادئهِ وزعْزعة الإيمَان لَدَى البعْض قد يفلحُ مَع مَن أهمَل دِراسَة القرآن وصَدأ قَلبُه جَهلا، وقد لَا يَستطِيع المُشاهد الانتِباه للخَلطِ بيْن مِثالِية تَعَالِيم الإسْلام وَمِثالية المُجتمَع الذي يُوقع المُنتقِد فِي مُشكلة أخْرَى، فالإنسَان بطَبعه خَطّاء مُنذ بَدء الخَلق إلَى أنْ يَرِث الله الأرْضَ ومَن عليهَا ومَهمَا بلَغ العَبد مِن مَكارِم الأخلاقِ لَن يَصِل إلى المِثالية والكَمال لِهذا جَعلَ الله الرّحمة مِن صِفاتِه والتوبة بَابًا لعِبادهِ يَطرقُوه حِين الخطأ والمَعْصِية والغُفران جَزاء لِمن يستَحق، لكن مَا إن فَتحنا بَاب إسْلامِنا لِغيرِنا ليدْرسَه عنّا فلنْ نسْتغرب إذَا قبلنا تفسِيراتِهم وانتقداتِهم بِحجّة التسَامُح الدّيني، فهل سيأتي علينا يوم نستدرك فيه تقصيرنا ونبدأ بداية جديدة وعهدا جديدا مع القرآن، أم سيستمر التضليل ونحن قعود نتفرج؟

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى