بقلم عبد الحكيم مرة – هافانا.
يعاني مسلمو كوبا ما تعانيه الأقليات المسلمة في أي بلد آخر، إلا أن معاناتهم تتضاعف نتيجة تواجدهم في مجتمع تختلف مفاهيمه عن المفاهيم التي يعتقدونها؛ فهم ما زالوا رسمياً تحت الحكم الشيوعي، وهذا يكفي لاستنباط الكثير من المشكلات التي يعانون منها.
بداية.. تختلف التقديرات لأعداد المسلمين في كوبا؛ فبينما يقدر البعض عددهم بألف مسلم ومسلمة، يقدرهم آخرون بعشرة آلاف، إلا أن الرقم الأقرب لعددهم – كما صرحت مصادر منهم – يزيد قليلاً على 4 آلاف، ولا يشمل هذا العدد المسلمين الوافدين من طلاب ودبلوماسيين وغيرهم، ويتركز العدد الأكبر من مسلمي كوبا في العاصمة هافانا.
التحديات والعوائق
من أبرز المشكلات الأساسية التي يعاني منها مسلمو كوبا عدم وجود مسجد جامع لهم، مع ما يحمله وجود المسجد من رمزية، وتقتصر إقامة الصلوات وخاصة صلاة الجمعة على عدد محدود جداً من الشقق السكنية التي يخصصها أصحابها للصلاة في أوقات معينة.
ومن المشكلات المهمة أيضاً التي يعانون منها عدم وجود كتب ومصادر تعليمية دينية بلغتهم المحلية، وكذلك يشكون من عدم وجود العلماء والأئمة والدعاة، وأحد أحلام مسلمي كوبا حالياً وجود مراكز ومدارس إسلامية، وكذلك مصادر غذاء “حلال”، وحتى وجود مقبرة خاصة بالمسلمين المحليين.
حلول ذاتية
لحل هذه المشكلات يلجأ مسلمو كوبا إلى طريقين:
الأول: يتمثل في الاعتماد على الإمكانات الذاتية.
الثاني: اللجوء إلى الخارج وطلب المساعدات.
وفيما يتعلق بالحل الأول فإن الإمكانات الذاتية لمسلمي كوبا محدودة جداً جداً، وبالكاد يجد الكوبيون عموماً قوت يومهم، إذ ما زالوا يعانون من نتائج الحصار الأمريكي على بلادهم، وتضاعفت مآسي الكوبيين بعد انهيار الاتحاد السوفييتي (عام 1991م) الذي كان يشكل داعماً اقتصادياً لهم في وجه الحصار الأمريكي؛ لذلك فإن إمكانات مسلمي كوبا المادية الذاتية معدومة، وبناء مسجد أو شراء مبنى وتحويله لمركز عبادة في ظل هذه الظروف يعتبر من المستحيلات.
أما ما يتعلق بمصادر العلم الشرعي، فالحال ليست أفضل بكثير، فهناك إمام واحد يُعد أكثر مسلمي كوبا علماً، يقوم بين الحين والآخر بزيارات لدول إسلامية، ويتلقى دورات تعليمية تعد هي رصيده المعرفي، حيث يعمل على نقل ما يتعلمه للمسلمين المحليين.
وبالنسبة للكتب الدينية الإسلامية، فإن عددها لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وهي كتيبات تعريفية أكثر منها كتب بالمعنى الحرفي للكلمة، ويبدو أن بعض الطلبة المسلمين الدارسين في كوبا قد أتوا بها معهم من الخارج.
من جهة ثانية، يقوم بعض المسلمين في كوبا بتنزيل مواد دينية بلغتهم من الشبكة العنكبوتية، (الإنترنت) ونسخها وتبادلها بين بعضهم بعضاً، مع ما يحمله ذلك من أخطار؛ حيث إن الشبكة تحمل كل ما هب ودب، والفراغ الروحي والرغبة في المعرفة تدفعان البعض إلى الإقبال على كل معلومة.
ولما كانت معرفة مسلمي كوبا بالدين الإسلامي شبه معدومة؛ فإن إمكانية تمحيص الغث من السمين والصالح من الطالح ضعيفة، لذلك يخشى البعض منهم أن ينجرف على غير رغبة منه في تيار يدَّعي الدين، والدين منه براء، ورغم توافر شبكات الإنترنت فإنها ما زالت تحت مراقبة الحكومة، وأسعار الاشتراك فيها مرتفعة التكاليف جداً؛ فثمن بطاقة الاشتراك لمدة ساعة يبلغ 6 دولارات.
على صعيد المساعدات الخارجية، يخشى مسلمو كوبا الاتصال بموظفي سفارات دول إسلامية وطلب المساعدة خوفاً من اتهامهم بالتجسس لجهات في الخارج أو الاتصال بأشخاص أجانب، ويحذر مسلمو كوبا حتى من الاتصال بطلبة أجانب من طلاب الدول الإسلامية الدارسين في الجامعات الكوبية للسبب ذاته، ويُذكر في هذا الصدد أن مسلمي كوبا من الوافدين يصلون الجمعة في مكان يعرف بالمنزل العربي، فيما تمنع الحكومة المسلمين المحليين من الصلاة فيه لمنع احتكاكهم بالمسلمين الوافدين.
ومسلمو كوبا لا يسافرون للخارج شأن الآخرين؛ لذلك فإمكانية طلب المساعدة كذلك تبقى محدودة.
من جهتها، تخشى الدول الإسلامية تقديم مساعدات علنية لمسلمي كوبا حفاظاً على العلاقات مع الحكومة الكوبية، ومنعا من اتهامها بالتدخل في شؤون كوبا الداخلية.
حلول خارجية منقوصة
المشكلة الوحيدة التي تعمل بعض سفارات الدول الإسلامية على حلها هي قضية بناء مسجد في العاصمة هافانا، فقد تقدمت رابطة العالم الإسلامي عام 2002م بطلب لبناء مسجد، إلا أن الحكومة الكوبية أرجأت البحث في ذاك الموضوع حينها، وقريباً تقدمت سفارات عدد من الدول الإسلامية بطلبات بناء مسجد، وقد وافقت الحكومة الكوبية على تلك الطلبات، وتم تخصيص قطعة أرض للمشروع، ولكن حتى الآن لم يتم البدء بالبناء؛ نظراً للخلافات بين سفارات الدول التي تنوي تمويل المشروع وهي بالأساس سفارات دول عربية.
وأخيراً دخلت تركيا على الخط مبدية رغبتها في بنائه، إلا أنه أمام الإشكالات السياسية حول ضرورة تبعية المشروع لسفارة ما أعلنت تركيا عن إمكانية بناء مسجد خارج هافانا، ووجدت الحكومة الكوبية نفسها في حرج لتكليف جهة ما بالمشروع، وبانتظار حل هذه الإشكالية يجد مسلمو كوبا أنفسهم الخاسر الأكبر، هذا في حال سمح لهم مستقبلاً بالصلاة فيه.
في هذه الظروف ينظر مسلمو كوبا بعين الأسى، حينما يجدون أن النصارى الكوبيين زارهم ثلاثة من باباوات الفاتيكان في العقدين الأخيرين، في حين لا يسأل أحد عن المسلمين هناك، وكذلك فإن أحدث مبنيين في هافانا هما مبنى الكنيسة البابتيستية، ومبنى الكنيسة الأرثوذكسية، وهم محرومون من مكان خاص يصلون فيه، كما أن آلاف المنصرين يجولون كوبا للدعوة لمبادئهم، فيما هم لا يجدون حتى من يذكرهم بدعائه من إخوانهم المسلمين.
مسلمو كوبا يستغيثون بإخوانهم المسلمين لمساعدتهم بكل ما يستطيعون من أجل أن يحيوا حياتهم وفق الشريعة، فإن لم يستطيعوا فلا أقل من أن يدعوا الله أن تخصص لهم حكومتهم مقبرة يدفنون فيها وفق مبادئ الشريعة.
المصدر: مجلة المجتمع.