إعداد د. زياد الشامي
لا يختلف واقع المسلمين في سريلانكا كثيرا عن واقع الأقليات المسلمة في شتى دول العالم , فهم وإن كانت لهم حرية نسبية في ممارسة الشعائر الدينية ولهم قوانين مستقلة في الأحوال الشخصية , ويتمتعون بشيء من الحرية في بناء المساجد والمدارس الإسلامية الخاصة ، كما أن لهم مشاركة نسبية في الحياة السياسية فهناك ثلاثة أحزاب مستقلة باسم المسلمين , و 18 نائبا في البرلمان منهم ثمانية وزراء يحملون حقائب وزارية ، ناهيك عن وجود وزارة للشؤون الإسلامية لرعاية المساجد ………..
إلا أنهم يعانون من التضييق والمحاباة في التعامل والعنصرية المقيتة , ويتخوفون من تنامي التعصب البوذي الذي يتحول في كثير من الأحيان إلى اعتداءات وممارسات عنف ضدهم وسط صمت حكومي مريب ومشين .
آخر تلك الاعتداءات – التي يبدو أنها قد وقعت تحت سمع وبصر الحكومة البوذية الحالية – كشف عنها مدير المجلس الوطني للسلام في سريلانكا “جيهان بريرا” الذي أعرب عن انتقاده لصمت حكومة بلاده على ظاهرة تصاعد العنف الديني ضد المسلمين .
“جيهان” وفي مقاله الذي نشره موقع “منتدى شرق آسيا” الأسترالي أشار إلى أن الشهرين الماضيين شهدا أكثر من 20 هجوما ضد مصالح وأماكن للعبادة تابعة للمسلمين في سريلانكا، منوها إلى أن الهجمات الأخيرة تختلف عن تلك التي شهدتها البلاد ضد المسلمين خلال السنوات الماضية ، إذ إن الهجمات الأخيرة وقعت في أماكن متنوعة ويبدو أنها منسقة .
كثيرة هي المؤشرات التي استند إليها كاتب المقال في ريبته وشكوكه من تواطؤ الحكومة وتماهيها مع المعتدين , فقد لفت إلى أنه لم يعتقل حتى الآن أي من المهاجمين معتبرا أن فشل قوات الأمن في القبض على أولئك الذين انتهكوا القانون يعد أمرا مثيرا للحيرة .
كما أكد الكاتب أن الشرطة السريلانكية لم تقم حتى الآن بالخطوة الأولى المتمثلة في حماية المجتمع المسلم واعتقال أولئك الذين جرى توثيق مشاركتهم في الهجمات , ما دفعه للتحذير من سير الحكومة السريلانكية على نهج حكومة ميانمار التي تسعى لاستيعاب مجموعات البوذيين القوميين المتشددين داخل الحكومة من أجل الفوز بدعمهم في مواجهة التحديات السياسية من قبل أحزاب المعارضة .
يشكل المسلمون في سريلانكا وفق آخر الإحصائيات الرسمية لعام 2012م حوالي 10% من عدد السكان البالغ 20 مليونا تقريبا , بينما يشكل البوذيون حوالي 70% و لا تتجاوز نسبة الهندوس الـ 13% ….إلا أن المسلمون في سريلانكا يعتقدون أن نسبتهم تصل إلى حوالي 17% من عدد السكان , مشيرين إلى أن محاولة الحكومة التقليل من أعدادهم الحقيقية يعود لعدة أسباب أقلها التقليل من التمويل من وزارة الشؤون الدينية التي تنفق على كل أتباع دين بشكل يتناسب وأعدادهم .
يتركز تواجد المسلمين في المحافظة الشرقية إذ يشكلون ما نسبته 37,12% عموما , ففي مقاطعة “أمباري” مثلاً يشكل المسلمون 43,6% ، وفي مقاطعة “تيروكوناملاي” 42,1% ، وفي “متّاكيلافّو” 25,5% .
وعلى الرغم من فوز مرشح المعارضة “ميثريبالا سيريسنا” بمنصب رئيس البلاد في انتخابات عام 2015م بعد تغلبه على منافسه “ماهيندا راجاباكسي” الذي كان يسعى للفوز بفترة ثالثة في منصبه , وعلى الرغم من الدور الذي لعبه المسلمون والأقليات الأخرى والأحزاب الصغيرة التي استمالها “سيريسنا” إلى جانبه للفوز بمنصب الرئاسة ….إلا أن انتماءه إلى الغالبية السنهالية البوذية دفعته على ما يبدو للصمت المريب عن تجاوزات وانتهاكات العنصريين والمتعصبين البوذين ضد المسلمين .
أحد المسئولين المسلمين في الإقليم الشرقي لسريلانكا صرح بأن أوضاع المسلمين تغيّرت منذ نهاية الحرب الأهليَّة في البلاد عام 2009م , مشيرا إلى أن نظرة الحكومة للمسلمين قد تغيرت منذ هزيمتها لحركة الانفصاليين الهندوس “حركة نمور التاميل” , حيث لم تعدْ ترى المسلمين على أنهم من أصل البلاد” بل باتت تنظر إليهم على أنهم تابعون, مذكرا بأن العديد من المسلمين فقدوا -لأسباب غير مفهومة- عام 2011م وظائفهم في الجمارك والهيئات الإقليميّة”, فضلاً عن الكثير من التمييز الذي يعاني منه المسلمون في توفير الخدمات الحكومية حيث يحلّون في المرتبة الثانية, وهذا ما يمثل تحديًا بالغًا أمام مسلمي جزيرة سريلانكا حسب رأيه .
لا شك أن واقع حال المسلمين في سريلانكا قد يكون أفضل من واقع غيرهم من الأقليات في جنوب شرق آسيا التي تموج وتزخر بأحداث عنف واضطهاد وتمييز ضد المسلمين وخصوصا في ميانمار ….إلا أن ذلك لا يعني أن المسلمين فيها لا يواجهون الكثير من التحديات , لعل أهمها : المحافظة على المكتسبات السياسية والدينية والدعوية والتعليمية , والعمل على توحيد صفهم وجهود لمواجهة ارتدادات موجة العداء لدين الله الخاتم وأتباعه في شتى بقاع الأرض بشكل علني وسافر .
(المصدر: موقع الاسلام اليوم)