إعداد د. زياد الشامي
ليست محنة النزوح القسري والتهجير الممنهج بجديدة أو طارئة على مسلمي الفلبين فقد تعرضوا خلال تاريخ نضالهم الطويل ضد قوى الاحتلال والاستعمار إلى أشكال مختلفة من الاضطهاد الذي لم يتوقف لحظة منذ قرون .
لم تغير القرون والعقود التي مرت على الحرب المعلنة ضد مسلمي الــ “مورو” من شدتها و وحشيتها , بل ربما تكون اليوم أشد وأفظع وإن نالت البلاد استقلالها منذ عام 1946م و رحلت عنها جيوش الاحتلال الأجنبي البرتغالي والإسباني والأمريكي…. فقد سلّم العم سام مهمة اضطهاد المسلمين والنيل منهم ومن هويتهم الإسلامية لقادة الفلبين الذين اختارهم بعناية قبل رحيله .
كان كافيا أن تعلن مجموعة مسلحة في جزيرة مينداناو في جنوب البلاد ذات الغالبية المسلمة مبايعتها لما يسمى “داعش” وأن ترفع راياتها السوداء في بعض أجزاء الجزيرة منذ أشهر لتبرير انتهاك حقوق المسلمين في تلك الأنحاء والتنكيل بهم وتهجيرهم من أرضهم باسم “مكافحة الإرهاب” .
ومع عدم وجود أي علاقة تربط بين هذه المجموعة المسلحة وبين مسلمي مورو و جبهتهم الوطنية المسماة “الجبهة الوطنية لتحرير مورو” إلا أن سمة “الإرهاب” عمت جميع مسلمي المورو ونقمة الجيش الفلبيني وبطشه وقع على المدنيين منهم هناك .
وفي الوقت الذي بالغت فيه وسائل الإعلام المحلية والعالمية بقوة تلك المجموعة المبايعة لــ “داعش” و عمدت إلى تضخيم أخبار المناوشات الدائرة بين جيش حكومة الفلبين وبين تلك المجموعة والتي أدت إلى فرض الأحكام العرفية في جزيرة مينداناو لمدة ستين يوما ومن ثَمّ تمديدها إلى نهاية العام الحالي…… لم تجد أخبار محنة ومعاناة مسلمي الفلبين النازحين أي اهتمام من قبل وسائل الإعلام رغم مرور أشهر على نزوح مئات الآلاف من مسلمي الــ “المورو” من مسقط رأسهم و ديارهم وبيوتهم .
الخبر اليتيم الذي تناقلته وسائل الإعلام أخيرا عن محنة هؤلاء يقول : إن مئات الآلاف من مسلمي “مورو” جنوبي الفلبين ما زالوا يعيشون في مخيمات نزوح بمدينة “إليغان” (جنوب شرق) في ظروف صعبة منذ 4 أشهر بعد أن اضطروا في مايو/آيار الماضي إلى ترك منازلهم في مدينة ماراوي بجزيرة مينداناو عقب هجوم للجيش الفلبيني بدعوة ملاحقة عناصر مرتبطين بما يسمى “داعش” .
حوالى ستين مسلحا فقط لا يزالون يسيطرون على 49 هكتارا من أراضي “مراوي” حسب رواية الجيش الفلبيني الذي لم يستطع حتى الآن إخضاعهم أو طردهم من المدينة …الأمر الذي يعيد للأذهان مسرحية إطالة الحرب الدولية المتعمد ضد ما يسمى “داعش” في كل من العراق وسورية لكسب الوقت الكافي لتهجير أكبر عدد ممكن من مسلمي تلك المدن وإحداث التغيير الديمغرافي المطلوب والمخطط له .
لا يبدو أن عودة أكثر من 400 ألف من مسلمي الــ “مورو” الذين نزحوا من منازلهم بسبب الحملة العسكرية الأخيرة وشيكة , إذ لا تلوح في الأفق أي إشارات أو دلالات على قرب تلك العودة وهو ما يدفع البعض للقول : إنه نزوح بطعم التهجير الذي دأبت الحكومات المتعاقبة في الفلبين على انتهاجه ضد المسلمين هناك .
لا يلتفت المجتمع الدولي إلى معاناة هؤلاء النازحين أو يهتم بشأنهم بعد أن شردتهم الحرب الدائرة على أرضهم من ديارهم فضلا عن أن يعمل على إعادتهم إلى بيوتهم بعد انتهاء الحملة العسكرية التي لا يبدو أن لها سقفا زمنيا أو موعدا محددا لانتهائها .
اللافت في توقيت الحملة العسكرية الفلبينية ضد المناطق ذات الغالبية المسلمة هو تزامنها مع قرب موعد استكمال إجراءات اتفاق السلام الشامل بين جبهة تحرير مورو والحكومة الفلبينية والذي ينص على تحويل جزيرة ميندناو إلى منطقة تتمتع بالاستقلال الذاتي .
فقد تعهد الرئيس الفلبيني “رودريغو دوتيرتي” بالوفاء بوعده بشأن دعم قانون “بانغسامورو”، لإبرام اتفاق سلام شامل مع “جبهة تحرير مورو الإسلامية وذلك في أعقاب تسلمه نسخة من مسودة الدستور الذي من شأنه أن يجعل الكيان السياسي المقترح لبانغسامورو حقيقة واقعة.
وكانت الحكومة الفلبينية قد وقعت في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2012 مع “جبهة مورو” اتفاقًا إطاريًا لإحلال سلام دائم في جزيرة “مينداناو” ومن المتوقع أن يجري بموجب الاتفاق تغيير اسم الجزيرة إلى “بانغسامورو” وإعلانها منطقة حكم ذاتي في المناطق ذات الغالبية المسلمة , ثم دفعت “جبهة تحرير مورو الإسلامية” من أجل إقرار قانون “بانغسامورو” الأساسي لإبرام اتفاق سلام شامل عام 2014 م .
ووفقًا لخارطة الطريق الحكومية سيصوت مجلسا الشيوخ والنواب (غرفتا البرلمان) على قانون “بانغسامورو” الأساسي لجعله وثيقة قانونية بحلول يناير/ كانون ثان 2018م على أن يتم إجراء استفتاء في المنطقة في وقت لاحق للتصديق على القانون.
ومن المفترض أن تكون هناك حكومة انتقالية في جزيرة “بانغسامورو” بعد التصديق بين عامي 2019 و2022 م تجرى في ظل حكمها انتخابات لتشكيل برلمان “بانغسامورو” من قبل مواطني الجزيرة .
لا يستبعد أن تكون الأحداث الجارية الآن ذريعة للتخلص من استحقاقات نيل مسلمي الــ “مورو” الحكم الذاتي في مناطقهم الجنوبية التي يوجد فيها حوالي 10.7 ملايين مسلم ويشكلون نسبة 11% من إجمالي السكان وفق إحصاء رسمي عام 2012 م .
(المصدر: موقع المسلم)