مقالاتمقالات مختارة

مسلسل “أم هارون” الرمضاني.. “تطبيع” أم سرد واقع تاريخ اليهود بالخليج؟

مسلسل “أم هارون” الرمضاني.. “تطبيع” أم سرد واقع تاريخ اليهود بالخليج؟

بقلم يوسف أحمد

يصعب تصور أن تشترك شركة “الفهد” (التابعة للفنانة حياة الفهد) وشركة “جرناس” (التابعة للإماراتي أحمد الجسمي) في إنتاج مسلسل رمضاني لصالح مجموعة “MBC” السعودية، يتناول حياة يهود الخليج، وفي أعقاب سلسلة زيارة صهيونية للمنطقة وتبادل لقاءات علنية، دون أن يكون وراء هذا التوقيت شيء ما.

ويصعب تصور أن يجري تأليف وإنتاج المسلسل في أعقاب طرح “صفقة القرن” وفشلها وتأجيلها المستمر، وهي التي تستهدف التطبيع العربي الصهيوني، خصوصاً مع دول الخليج.

كما يصعب أيضاً تصور أنه لا توجد علاقة بين المسلسل، والمبادرة التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية، في 6 أكتوبر 2019، وتضمنت بنودها الاتفاق بين “تل أبيب” ودول الخليج على “التطبيع” الرسمي و”عدم الاقتتال”، وعدم تمويل دول الخليج منظمات تعتبرها “إسرائيل” معادية لها، في إشارة للمقاومة الفلسطينية!

صحيح، كما يقول المدافعون عن المسلسل، أن هذا العمل يسلط الضوء على حقبة تاريخية كانت موجودة بالفعل في ماضي الكويت والخليج، وأن مهاجمة مثل هذه الأعمال إنما تعتبر محاولات لإخفاء الحقائق وطمس التاريخ.

ولكن من غير المعقول أنه من بين كل المآسي في تاريخنا، لم تجد قناة “MBC” موضوعاً لمسلسل رمضاني سوى “مأساة” يهود الكويت والخليج، كما صورتها وسائل إعلام صهيونية وعربية، ومن غير المعقول أن يجري تجاهل معاناة أهل غزة، والقدس وأهلها ومحاولات تهويد الأقصى، ويتم إنتاج مسلسل للدفاع عن “مظالم” اليهود في الخليج، لا مظالم من يحتلهم الصهاينة.

الأكثر خطورة في مسلسل “أم هارون” أنه يسعى للتطبيع من الجانب الاجتماعي، ويستفيد من تأثيرات دراما رمضان في تحقيق تعاطف مع “إسرائيل” ضمناً في صورة “أم هارون”.

كما أنه يجعل التطبيع تجربة تحتمل الإيجابية والسلبية، وأنها يمكن أن تكون حالة عادية إذا كان موقفنا منها محايداً، ما يجعل المسلسل يبدو كأداة درامية موظفه سياسياً لتسوق للتطبيع الشعبي من بوابة الدراما للتغطية على ممارسات سياسية قادمة، تحول الاحتلال من “قضية” إلى “مسألة خلافية”.

لهذا، قال رأفت مرة، المسؤول الإعلامي بحركة “حماس”: إن المسلسل يحاول البناء على حيثية بسيطة ليحقق من خلفها أهدافاً سياسية، ويهدف لتزوير التاريخ وإدخال المجتمع الخليجي تدريجياً في إطار التطبيع مع الاحتلال الصهيوني في وقت يلهث بعض الحكام لبناء علاقات وثيقة مع نتنياهو لحماية عروشهم.

قصة مسلسل “أم هارون”

يحكي المسلسل قصة سيدة يهودية عاشت في منطقة الخليج (البحرين) خلال الأربعينيات من القرن الماضي، وهي من أصول تركية تنقلت بين إيران والعراق قبل أن يستقر بها المطاف في البحرين لتعمل لسنوات طويلة في التمريض وتوليد النساء.

هذه السيدة اليهودية تؤدي الممثلة الكويتية حياة الفهد دورها، ويحاول المسلسل ضمناً الإشارة إلى الظلم الذي وقع على يهود الخليج بتحميلهم وزر إنشاء الدولة الإسرائيلية، وقوبل دورها في المسلسل بهجوم على مواقع التواصل، حيث اعتبره معارضون محاولة للتطبيع مع “إسرائيل”، والتأثير على مواقف الشعب الكويتي من القضية الفلسطينية.

ودافع الكاتب البحريني محمد شمس الذي ألَّف المسلسل مع أخيه علي، عن نزول المسلسل الآن، خاصة أنه جاء بعد سلسلة زيارات ولقاءات بين مسؤولين إسرائيليين ومسؤولي دول خليجية قائلاً: إننا نريد أن نظهر التعايش بين الأديان السماوية، وأنه كان هناك وقت عاش فيه اليهود والمسيحيون والمسلمون كجيران في منطقة واحدة.

وقال شمس، في تصريحات صحفية: توقعت الهجوم علينا بعد ظهور المسلسل للنور وحدوث ضجة، ولكن هدفي هو الدعوة للتسامح، وأستغرب الهجوم على المسلسل والحكم عليه حتى قبل أن يشاهده الجمهور!

تاريخ اليهود في الكويت والخليج

كان الخليج العربي، خلال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، مقصداً لجاليات يهودية فرّت من مناطق مجاورة بسبب سوء معاملة بعض الحكام، أو من كوارث طبيعية وقعت حيث تقيم، أو رغبة منها في تحسين أحوالها المعيشية.

ويؤكد الباحث الكويتي يعقوب يوسف الإبراهيم أن تاريخ وجود اليهود في الكويت يعود إلى عام 1776، حين هاجر يهود البصرة إلى الكويت بعد أن تم احتلال المدينة من قبل مؤسسي الدولة الزندية في إيران.

وبحسب أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الكويت ومؤلف كتاب “اليهود في الخليج” د. يوسف المطيري، فقد بلغت أعداد اليهود في الكويت أثناء الحرب العالمية الأولى نحو 200 أسرة، أي بين 800 إلى ألف فرد، فيما قدرت أعدادهم في البحرين بين 600 إلى 800 فرد.

وبدأت أعداد اليهود في الكويت بالتزايد في أواخر القرن التاسع عشر، حيث توافدت العائلات اليهودية من العراق إلى الكويت؛ وذلك بسبب تعرضهم للاضطهاد من قبل الوالي العثماني داود باشا الكرجي (1816-1831م).

ويشير أحد الإحصاءات التي ذكرها المستشرق الفرنسي فيتال كينيه في أحد كتبه، إلى وجود نحو 50 يهودياً من أصل 20 ألف نسمة في الكويت في عام 1890.

وظل اليهود يشكلون أقلية في الكويت؛ إذ يقدر عددهم بما يقارب 100 عائلة، من بينهم عائلات الربين وعزرا وصمويل وحصغير وخواجة ومحلب وغيرهم، ومن بين الشخصيات الشهيرة التي تنتسب إلى هذه العوائل اليهودية الكويتية الموسيقيان الكويتيان داود الكويتي بن عزرا، وصالح الكويتي، اللذان تجاوزت شهرتهما في فترة الأربعينيات حدود الكويت إلى بعض الدول العربية المجاورة.

وأسس اليهود سوقاً كاملة سميت باسمهم “سوق اليهود”، كما أن ليهود الكويت مقبرة ما زالت موجودة ومسوّرة خلف مبنى مجمع الخليجية مقابل منطقة شرق الصناعية.

ولاحقاً مع ظهور دعوات إنشاء دولة “إسرائيل” على أرض فلسطين وتصاعد العداء العربي لليهود عموماً، بدأ اليهود يهاجرون من الكويت على ثلاث دفعات، حيث كانت موجة (الهجرة الأولى) لهم على خلفية اتخاذ الشيخ سالم المبارك الصباح إجراءات مشددة ضد تقطير وتجارة الخمر التي اشتهر بها اليهود.

وكانت موجة (الهجرة الثانية) عام 1930 مع تصاعد ظاهرة الحركة الصهيونية وبدء الحشد للهجرة إلى فلسطين، ثم الهجرة الثالثة والأخيرة عام 1947، حين أصدر أمير الكويت آنذاك الشيخ أحمد الجابر الصباح قراراً بإجلاء جميع العائلات اليهودية، على خلفية قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين.

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى