أجرى الحوار: بكر العطار
يشكل المسلمين فى روسيا نسبة كبيره من السكان حيث يزيد عدد المسلمين فى روسيا عن عشرين مليون مسلم من إجمالي عدد السكان،(140 مليون)، ويواجه المسلمين تحديات صعبة بسبب تعمد الإعلام تشويه صورة الإسلام والمسلمين مع رغبة روسيا في إعادة سيطرتها على البلاد المجاوره التي كانت تحت راية الإتحاد السوفيتى.
واقتصادياً هي من أكبر منتجي النفط والغاز، وأيضاً الكثير من الخامات الطبيعية. ولكنها تعاني من نظام سياسي واقتصادي غير مستقر، ورغم ذلك فهي دولة تلعب دور كبير في السياسة الدولية، وسكّانها متعددي الأعراق، ولكن القومية الأكبر هي الروسية، ويليها التتار وهم مسلمون، وأكثر من مائة إثنية مختلفة اللغات والديانات.
ويلعب الاعلام الروسي دورا هاما فهو “يشوه صورة المسلمين باستمرار، ويحرض ضدهم ويتهمهم بشكل غير مباشر وأحيانا مباشرة بالوقوف وراء العمليات الإرهابية والتطرف”. مرجعاً أهم أسباب ذلك إلى سيطرة الإسرائيليين عليه.
بهذه الكلمات ألقى الضوء الشيخ الداعية د.وسام البردويل، رئيس اتحاد المنظمات الاسلامية في روسيا وبيلاروسيا، ومستشار العلاقات الدولية لمفتي روسيا، على أبرز التحديات التي تواجه مسلمو روسيا والذي يزيد عددهم عن عشرين مليون نسمة من تعداد سكان البلاد البالغ نحو 140 مليون نسمة.
وكان ذلك فى حواره الذى أجراه موقع “الأقليات المسلمة” والذى شارك فيه موقع، “الأمة”،” بأسئلة شملت أكثر من جانب، (الإسلامى، والإقتصادى، والتربوى)، تحت إشراف، الكاتب الصحفى، “هانى صلاح”، المهتم بشئون الأقليات المسلمة فى العالم، للوقوف على القضايا الإسلامية وواقع الأقليات المسلمة بالتعاون مع، “الأمة”.
وإلى الحوار..
ـ نود إلقاء الضوء على الخريطة العرقية والجغرافية لمناطق تواجد المسلمون في روسيا.
**مسلمو روسيا لا يقل عددهم عن عشرين مليون نسمة، وهم سكان أصليون وغير مهاجرين، وينتمون لقوميات متعددة، منها التركي، ومنها القوقازي، وهم موزعون في كل محافظات ومدن روسيا، ولكن توجد بعض الجمهوريات ذات الحكم الذاتي والتي أغلب سكانها من المسلمين، مثل جمهورية “تتارستان”، و”باشكيرتوستان”، و”الشيشان”، و”الداغستان”، و”انجوشيتيا”، و”القاباردين”، و”البلقار”، و”الكاراتشاي”، و”الشركس”، و”اديغيا”.
ـ الخريطة الدينية للمسلمين: سنة أم شيعة.
**الأغلبية العظمى من مسلمي روسيا هم من السنة، ومذاهبهم الفقهية الحنفية والشافعية، وبدأ في الانتشار في العشرين عاماً السابقة المذهب الحنبلي، أما الشيعة فهم من العرقية الآذرية.
ـ بحكم معرفتكم بواقع روسيا ومسلمي روسيا على تنوع مشاربهم، وزياراتكم للدول الإسلامية.
** نعم للأسف فعلا توجد صورة نمطية غير مطابقة للواقع عن روسيا بشكل عام، وعن المسلمين فيها على الخصوص، وللأسف يتساوى في هذا المثقف وغيره إلا في حالات نادرة، فالكثير مثلاً يعتقد أن روسيا هي بلد المافيات والعصابات والفقر وأيضاً البنات اللاتي تبحث عن رجل شرقي يكون رفيقا أو زوجاً مجاناً وبدون شروط، فمن الطريف أنني أحصل يومياً على رسائل من إخوة عرب وغيرهم من دول مختلفة يطلبون مني فيها بإيجاد عروس روسية جميلة.
ولكن الأخطر هو الصورة الخاطئة عن المسلمين في روسيا، فما زال الكثير يظن أن الحرب في الشيشان مستمرة، ويظن أن المسلمين في روسيا مضطهدين معرضون دائما للإبادة وتدمر مساجدهم وتغتصب نسائهم الخ من التصورات السوداوية، بل إن بعضهم ما يزال يسمي روسيا الدولة الشيوعية الملحدة رغم أن الاتحاد السوفيتي ونظامه الاشتراكي قد تفكك واختفى منذ أكثر من عشرين عاماً.
– هل تلاحظون حضور صورة نمطية مغلوطة لدى مسلمي العالم العربي عن روسيا كدولة وعن المكون الإسلامي فيها؟
** فعلاً إن كثيراً من المعلومات عن روسيا ككل ومسلميها خاصة تصل عن طريق وسائل إعلام غربية وتترجم للعربية مع العلم بأن الأوروبيون والأميريكيون هم منافسون تقليديون لروسيا ويعتبروها دولة مهددة لمصالحهم ويوجد عداء تاريخي بينهم وبين روسيا، ولا أظن أنه من العدل والموضوعية استقاء معلوماتنا منهم فكل اعلامهم مبني على الدعاية وليس على الموضوعية، وأنا هنا لا أبرر لروسيا وأبرئها من عيوبها بل أطالب فقط بدراسة وتعرف موضوعي بأحوالها.
ولعل جزءاً من حل هذه المشكلة متعلق بمسلمي روسيا، لينهضوا بمهمة تعريف إخوانهم في العالم بأوضاعهم ومشاكلهم وإنجازاتهم، كما آمل أن يهتم الصحفيون العرب والمسلمون بتغطية موضوعية لما يتعلق بروسيا ومسلميها، وعدم الاكتفاء بالمعلومات التي تصلهم من وكالات الأنباء الغربية.
ونحن في اتحاد المنظمات الاسلامية في روسيا نحاول أن تكون لنا مساهمة في تبديد الضباب حول مسلمي روسيا، وتوجد عندنا مشاريع لمنابر إعلامية باللغة العربية وغيرها للتعريف بهم.
ـ هل يستطيع المسلم العيش بحرية ويسمح لهم المجتمع بتطبيق وعيش دينهم، كيف يتعامل الروس معهم في الحياة اليومية؟
**المسلمون في روسيا بشكل عام يعيشون بحرية، والقانون الروسي الاتحادي والدستور يضمن لهم حقوق المواطنة الكاملة، ولكن توجد أحياناً بعض التضييقات في بعض المناطق، حيث يختلف الوضع من محافظة إلى أخرى أحياناً.
كما تنتشر العنصرية القومية عند بعض الشرائح، ويوجد خوف من الإسلام وربط المسلمين بالإرهاب، وذلك بتأثير من بعض وسائل الإعلام، غير أن هذا لا يعني أن هذا هو الغالب؛ بل العكس فأغلب الروس لا يعانون من العنصرية، وعندهم احترام لتنوع الأعراق والديانات، فروسيا دائماً كانت كذلك، والمسلمون يتعايشون مع المسيحيين وغيرهم منذ قرون، فهم ليسوا مهاجرين؛ بل هم من أهل البلد الأصليين؛ لذا تجدهم في كل مؤسسات الدولة، وهم جزء هام من النسيج المجتمعي الروسي، وقد قدموا الآلاف شهداء في الحروب العالمية للدفاع عن أرضهم روسيا أمام العدوان الخارجي.
ـ ما هو مدى تأثير الأحداث العالمية على وضع المسلمين في روسيا؟
**يتأثر المسلمون كغيرهم من المواطنين الروس لأي احداث تمس بلادهم بلا فرق، وربما الفرق الوحيد يمكن أن يكون فيما يتعلق بالشأن الإسلامي، مثل أحداث سوريا، ففي وسط المتدينين من المسلمين توجد نقاشات حول موقفهم والتزاماتهم إزاء مشاكل الأمة الاسلامية.
ـ هل تواجه المسلمة المتحجبة في روسيا صعوبات في التعليم والدراسة والعمل؟
**تسجل من حين لآخر بعض حالات التضييق على المحجبات؛ فيصعب على الأخت المحجبة أن تجد عملاً مثلا في بعض المدن؛ رغم أن القانون لا يمنع هذا. وللأسف عادةً لا يلجأ المسلمون لحماية القانون للحصول والدفاع عن حقوقهم. وقد ظهرت في الأعوام الاخيرة مشكلة منع الحجاب في المدارس وبعض الجامعات، وقد تم إقرار قانون يسمح للمحافظات إقرار لبس موحد لطلبة المدارس، هنالك تمنع فيه الرموز الدينية مثل الحجاب وحق التنفيذ عند مدير المدرسة. ولكن أغلب محافظات وجمهوريات الاتحاد الروسي لا تمنع الحجاب.
ـ ما هي المدن الرئيسة الهامة بالنسبة للنشاطات الإسلامية؟
**أظن أن الأمر يتعلق بجمهوريات ومحافظات وليس مجرد مدن، وطبعاً الأولوية للجمهوريات الثمانية ذات الأغلبية السكانية المسلمة، وأيضاً المحافظات في منطقة حوض الفولغا، والاورال، وسيبيريا، حيث يوجد يوجد تواجد إسلامي كبير، وأيضاً العاصمة الروسية، حيث يقيم فيها حوالي المليونين من المسلمين، وسان بطرسبورج بمليون مسلم.
والمسلمون موجودون في كل المناطق، حتى في أقصى الشمال في منطقة القطب الشمالي، ولهم مساجد ومراكز؛ لذا فأنا أرى أن كل المناطق هامة للنشاط الاسلامي لأن المسلمين متواجدون في كل بقعة من روسيا.
ـ ما هي المشاكل الرئيسة للمسلمين هناك.
**المشاكل كثيرة ومتنوعة، ولكن أهمها حالة الإنقسام وعدم التنسيق البناء بين المسلمين، قلة الحاصلين على شهادات عالية ومتخصصين في العلوم الاسلامية وضعف التدين عند الغالبية.
ـ المسلمون في روسيا هل يجدون ضغوطاً من الدولة الروسية، أو على الأقل هل يلاحظون تغيراً في تعامل الدولة معهم ومع حقوقهم نتيجة الأزمات والتوترات في علاقات الدولة الروسية مع الدول الاسلامية.. على سبيل المثال العلاقات الروسية-التركية أخيراً؟
**الحقيقة أنا لم ألاحظ أي تغيير في التعامل مع الدولة نتيجة هذه الأزمة، ولربما تأثرت بعض المؤسسات الإسلامية التي كانت تعتمد كثيراً على الدعم التركي؛ فأصبح هذا الآن من الصعب، وإن كان لا يوجد أي تحديد أو منع من جهة الدولة للتعاون في المجال الديني.
ـ هل الأرقام حول عدد المسلمين في روسيا صحيحة، وهل هناك شكوك حول عملية احصاء السكان في روسيا فيما يتعلق بتعداد المسلمين؟
** المشكلة أن كل الإحصاءات لا تتضمن السؤال عن ديانة المواطن؛ لذلك توجد إحصاءات مختلفة. ولكن إذا أخذنا بكلام رئيس روسيا؛ فقد ذكر أن عدد المسلمين من المواطنين هم عشرون مليون نسمة، أما المشيخة الإسلامية الروسية فهي تحصي أن عدد المسلمين من كل المقيمين سواء مواطنون أو مهاجرون بحوالي الثلاثين مليون نسمة، وأقل احصائية هي التي ذكرها بعض رجال الدين المسيحيين بأن العدد لا يتجاوز ١٥ مليون. وعلى كل الأحوال فالأعداد بالملايين وأنا أرجح شخصياً أنهم لا يقلون عن ٢٠ مليون نسمة.
ـ أرجو أن تبين لنا نسبة رجوع المسلمين الذين نسوا دينهم في عهد الشيوعية؟ وهل كان هناك عمل دعوي في تلك الفترة؟
**في الفترة الشيوعية خسر المسلمون آلاف الأئمة والعلماء والذي تم تصفيتهم في عهد ستالين، ودمرت الأغلبية العظمى من المساجد أو صودرت، وأقفلت كل المدارس والمعاهد الاسلامية؛ ماعدا مدرسة “ميرعرب” في بخارى. وكانت هناك ملاحقة لكل مظاهر التدين وتضييق عنيف لكل من يقوم باداء أي فريضة دينية. ورغم ذلك فإن هذا التضييق كان أحياناً تخف وتيرته حسب الوضع السياسي، وقد تمكن المسلمون في أغلبهم في الحفاظ على هويتهم الدينية، وإن أصبحوا جاهلين في أغلبهم بتعاليم الاسلام.
ومنذ عهد آخر رؤساء الاتحاد السوفييتي “غورباتشوف”، والذي رفع المنع عن حرية التدين، وإلى اليوم، حدثت تغييرات كبيرة وظهر جيل جديد نسي الحقبة السوفييتية؛ فقد مر أكثر من ٢٥ عاماً، وزادت أعداد المساجد والمدارس والمعاهد الاسلامية وانتشر الكتاب الاسلامي، وظهور الآلاف من المواقع في الانترنت والتواصل الاجتماعي باللغة الروسية ذات الطابع الاسلامي، ورغم أن الملتزمين بتعاليم دينهم أعدادهم في تزايد؛ إلا أن الأغلبية مازالت غير متدينة، وإن كانوا يحافظون في أغلب الأحوال بالانتماء للإسلام.
ـ هل توجد منظمات تمثل المسلمين أمام السلطات الرروسية، وما هي؟
**لا توجد في روسيا منظمات دينية رسمية؛ فالاتحاد الروسي دولة علمانية، الدين فيها منفصل عن الحكومة، ولا يوجد مفهوم التمثيل الرسمي؛ بل هو تمثيل معنوي، فعادة السلطات الروسية تنظر إلى المؤسسات الدينية المسجلة رسمياً في وزارة العدل كممثلة للمسلمين، وخاصة رؤساء هذه المنظمات، الذين يحملون منصب المفتي أو الإمام.
ـ هل توجد في قوانين الدولة الروسية مواد خاصة بالمسلمين فيما يخص الشريعة الإسلامية؟
لا.. لا يوجد؛ فالقوانين لا تسمح بالتفرقة بين المواطنين من ناحية القوانين المنظمة لحياتهم رغم أن الدستور الروسي فيه فقرة تقر بأن كل مواطن له الحق الالتزام بدينه اعتقاداً والعيش حسب تعاليمه، غير أن هذه الفقرة تفسر على أساس الأمور الخاصة ولا تتعدى إلى العلاقات بين المواطنين.
ـ الإحتياجات أو الخدمات المتعلقة بهوية المسلمين وعقيدتهم.. ما مدى توفرها وكفايتها.. أعني مصادر الطعام الحلال.. الأماكن المخصصة لدفن الموتى (مقابر المسلمين).. إلى غير ذلك؟
**كل هذا متوفر وبشكل كافي وممكن أن تكون هناك بعض الصعوبات للأقليات المسلمة في المناطق النائية.
المصدر: موقع الأمة.