مساجدنا وأئمتنا: من الحجر الصحي إلى الحجر الإعلامي !
بقلم جمال غول
في الوقت الذي يزداد انفتاح العالم بأسره ليصبح مهما تباعدت أقطاره وتناءت دياره أصغرَ من قرية في سفح جبل، انفتاحا يسمح بانتشار المعلومات والأخبار عبر مختلف الوسائط الاعلامية المرئية والمسموعة فلا تدعُ بيتَ مضرٍ ولا وبر إلا وصلت إليه بسرعة الومض!
ومع ظهور الوسائل الجديدة التي سُمّيت بوسائل التواصل الاجتماعي هل سيكون هناك معنى لأي تضييق إعلامي مهما كان شكله ونوعه إلا من قبيل العبث وفتح جبهات لا تسمن ولا تغني من جوع؟ حيث يمكن لأي شخص أن يَبُثّ وعلى المباشر وهو متكئ على أريكته مطلا من شرفة منزله أيَ مادة إعلامية !
فهل يمكن مع هذا المتاح كله أن نحجب على الناس رأياً من الآراء؟
في الوقت الذي يزداد انفتاح العالم بأسره ليصبح مهما تباعدت أقطاره وتناءت دياره أصغرَ من قرية في سفح جبل، انفتاحا يسمح بانتشار المعلومات والأخبار عبر مختلف الوسائط الاعلامية المرئية والمسموعة فلا تدعُ بيتَ مضرٍ ولا وبر إلا وصلت إليه بسرعة الومض!
ومع ظهور الوسائل الجديدة التي سُمّيت بوسائل التواصل الاجتماعي هل سيكون هناك معنى لأي تضييق إعلامي مهما كان شكله ونوعه إلا من قبيل العبث وفتح جبهات لا تسمن ولا تغني من جوع؟ حيث يمكن لأي شخص أن يَبُثّ وعلى المباشر وهو متكئ على أريكته مطلا من شرفة منزله أيَ مادة إعلامية !
فهل يمكن مع هذا المتاح كله أن نحجب على الناس رأياً من الآراء؟
ما معنى أن تقوم الوزارة بتحديد قائمة الأئمة و(رجال الدين) الذين يسمح لهم بالتدخل في وسائل الإعلام الوطنية؟
فإذا كنا نتفهم جيدا حرص وزارتنا على ضبط التسيُّب المتوقع حصوله من المتحدثين الرسميين باسم الوزارة والمعبّرين عن قراراتها، فإننا لا نستطيع فهم هذا الإجراء الجديد الذي يريد معالجة مشكلة التسيُّب المحتمل في الإفتاء والخطاب الديني بهذا الإجراء القمعي القاضي بوضع قائمة محدودة الأسماء والأشخاص ممن يحق لهم المشاركة في أي حوار إعلامي له ارتباط بالدين وقيمه، ويمنع على أي وسيلة إعلام استدعاء غيرهم.
فإن كانت الوزارة تقصد تحديد من يتكلم باسم الوزارة فذاك حقها ولها أن تختار من يمثلها وينطق بلسانها، أما إن كانت تهدف إلى تحديد المتكلمين في الشأن الديني بصفة عامة فمن أين لها بهذا الحق؟
ماذا يعني أن يُمنع الأئمة من مخاطبة الشعب الجزائري في أمور دينه؟
هل الأئمة ليسوا مؤهلين أم غيرُ موثوق بهم ليخاطبوا الشعب الجزائري في أمور دينه وهم الذين يباشرون توجيه نحو عشرين مليون جزائري ممن يأتمنونهم على دينهم وعقيدتهم؟ فإذا كانوا كذلك فكيف وعلى أي أساس تمّ توظيفهم؟
وما المقصود بوسائل الإعلام الوطنية؟ فإن قُصد اليتيمة وأخواتها فالناس معرضون عنها كإعراضهم عن الكورونا أو أشد، وإن قصد القنوات التي يشاهدها غالبية الجزائريين فتلك قنوات أجنبية الصفة. إلا أن تكون الوزارة غير مدركة لهذا الواقع وتعيش في برج منعزل عاجي عال.
هل من الحكمة منع الأئمة من إيصال الخير إلى أمتهم حتى وإن أخطأوا، في الوقت الذي يُسمح فيه لكل التافهين باقتحام وسائل الإعلام الثقيلة والخفيفة العمومية الوطنية والأجنبية؟؟
أم أن الوزارة وبعض إطاراتها ضاقوا ذرعا بمنتقديها وضاقت صدورهم بمخالفيهم؟ مع علمهم أن كل شخصية عامة معرضة للانتقاد ومن أحب السلامة من الانتقاد فما عليه إلا أن يلتزم الحجر على شخصه بدل أن يناطح سنن الله بمحاولة بائسة للحجر على آراء وأفكار غيره.
إذا كان حمل الناس على رأي واحد وإن كان صحيحا لم يقبله الإمام مالك رحمه الله (الذي نزعم أن مذهبه هو مرجعيتنا) عندما طلب منه ولي الأمر يومئذ أن يحمل الأمة على كتابه الموطأ، فكان اعتذاره قمة في النبل وتوخي المصلحة العامة ومدرسة في التسامح وقبول رأي المخالفين، فهل يصلح أن نحمل الناس على رأي الوزارة بهذه الطريقة؟
وإذا كان مقصود الوزارة هو منع تعدد الفتاوى في المسألة الواحدة فهل تعلم أن ذلك مألوف في تراثنا وأن للعلماء والأئمة أن يصدروا فتاواهم حسب ما أراهم الله، فالمصيب منهم له أجران، والمخطئ له أجر اجتهاده؟
أو ليس معلوما أن المذهب المالكي نفسه فيه مئات المسائل فيها رأيان وثلاثة بل وأكثر لعلماء المذهب نفسه!؟
كما أن ردود العلماء بعضهم على بعض لا تزال مألوفة في سلف الأمّة وخلفها، ولا حرج في ذلك ما انضبطت بالإخلاص وعفّة اللسان والموضوعيّة العلمية.
ألا تدرك الوزارة أن ديمقراطية الدول تقاس اليوم بمدى تمتع أفرادها بحرية الكلام ومدى إتاحة الإمكانيات حول التعبير عنه؟
إن هذا الحجر الإعلامي غير مسبوق في الجزائر ولم يحدث حتى في زمن العصابة المشؤوم، ولا يمكن أن نصنّفه إلا ضمن التضييق على حرية التعبير، ولم نجد له مسوّغا لا في تراثنا ولا في دستورنا الحالي الذي ينصّ على مبدأ حرية التعبير فضلا عما نطمح إليه من دستور يصلح لجزائر جديدة، ولا يسعنا إلا أن نقول لمن يصبو للعلاج والإصلاح الاجتماعي: يكفينا الحجر الصحي ولا حاجة لنا بالحجر الفكري والإعلامي الذي يُعمّق الجراح ويُطيل أمد وباء الاستبداد.
(المصدر: صحيفة بوابة الشروق الالكترونية)