مسألة الحكّام المستبدّين ودساتيرهم مسألة دستورية أم مسألة زنبورية؟
بقلم عبدالله عيسى السلامة
أولاً : ما المسألة الزنبورية ؟
المسألة الزنبورية : هي مسألة نحوية قديمة ، جرى الحوار فيها ، بين عالمَين كبيرَين ، في النحوواللغة ، هما : سيبويه والكسائي ؛ فقد سأل الكسائي سيبويه ، في مناظرة بينهما ، قائلاً : كيف تقول : كنتُ أظنّ العقربَ ، أشدَّ لسعةً من الزنبور، فإذا هوَ هيَ، أم : فإذا هوَ إيّاها؟ فأجاب سيبويه ، ببساطة : فإذا هو هي! (قال سيبويه ذلك ، بناء على أن الضميرين المنفصلين، هما مبتدأ وخبر، وكلاهما في محلّ رفع ، ولا يجوز- فإذا هوَ إيّاها – ) ! فقال الكسائي : بل الصواب هو: فإذا هوَ إيّاها ! وأصرّ سيبويه على رأيه ، وأصرّ الكسائي على رأيه ، فسأل الكسائي سيبويه : هل تقبل حكمَ الأعراب ؟ – وكان العلماء يستشهدون بآرائهم ، لأنهم الأصل في تصويب الآراء اللغوية ؛ لسلامة لغتهم من اللحن – فأجاب سيبويه بالإيجاب ! وفي اليوم التالي ، اجتمع بعض الأعراب ، عند الباب ، خارج البيت ، وسمعوا المناظرة ، فسُئلوا عن الصواب ، فقالوا : القولُ ماقال الكسائي ! فطلب منهم سيبويه، أن يلفظوها، فلم يفعلوا؛ لأنهم لايلحنون ! وانصرفوا ، فأدرك سيبويه ، أن هذه مكيدة ، فاغتاظ ، وقيل : إنّ غيظه قتله !
وبرغم الشكّ ، بصحّة الرواية ، واليقين بأن الكسائي ، أورَعُ من أن يكيد هذه المكيدة .. فإنا نرويها ، على سبيل الاستئناس بها ، والإطراف ، في سياق المسائل الدستورية ، الجارية ، اليوم !
دساتيرُ المستبدّين كثيرة ، وكلٌّ يَصنع لنفسه ، دستورا يناسب تسلّطه على شعبه ! وإن وجَد في دستوره ، ذاته ، ما يمنعه من الإجرام ، بحقّ شعبه ، تجاوز الدستور، أو عدّله !
بعض الحكّام ، يفصَّل له دستور، على مقاسه ، فإذا كان عمره ، أقلّ ممّا يسمح به الدستورالمعمول به ، عُدّل الدستور، ليناسب عمرَالفتى !
وبعض الحكام يُعدّل له الدستور، ليناسب بقاءه في الحكم ، مدى الحياة !
وبعض الحكّام ، يعدّل له الدستور، بصيغة ، تَمنع كلّ مَن تسوّل له نفسه ، أن ينافسه على كرسي الحكم ، من المجازفة ، بترشيح نفسه ، للرئاسة !
فدستور الحاكم ، مستمدّ من سلطته ، التي تصنعها له ، أجهزة الأمن .. وسلطته مستمَدّة ، من دستوره !
وهنا، يعود القياس، على المسألة الزنبورية:
هل الدستور هو السلطة ، أم السلطة هي الدستور؟ أيْ : هل هوَ هيَ ، أم هوَ إيّاها ؟
ونسأل الله الرحمة ، لسيبويه والكسائي ، وللشعوب المبتلاة ، بالمستبدّين ودساتيرهم !
(المصدر: رابطة العلماء السوريين)