مقالاتمقالات المنتدى

مرونة_الفقه_الإسلامي_السياسية

مرونة الفقه الإسلامي السياسية

بقلم الأستاذ  انور بن قاسم الخضري( خاص بالمنتدى)

الفقه الإسلامي، منذ غياب الخلافة الراشدة، وعبر تاريخ هذه الأمة، تمثل الواقعية لكثير من القضايا. تارة استجابة لتغير الظروف والأحوال ومحاولة ألا تذهب لمسار أسوأ أو أن ينشد المثال على حساب المقاصد الكلية (وهذا عند فقهاء الأمة)، وتارة استجابة لرغبات السلطة والنخب الحاكمة (وهذا عند فقهاء السلطان).

ومن ذلك أن الفقه الإسلامي استجاب لحالات “ولاية العهد” و”التوريث” في مرحلة معينة من زمن الدولة المسلمة، رغم مخالفة ذلك للشريعة والنهج النبوي والراشدي، حفاظا على الدولة وأمنها وديمومتها، خاصة وأنه بات عادة متبعة منذ زمن معاوية -رضي الله عنه، والذي فعله مراعاة لمصلحة لا كسنة مزاحمة لسنة النبي وخلفائه الراشدين، لكنه اتخذ مسلكا ثابتا في عهد بني أمية وبني العباس ومن أتى بعدهم.

كما استجاب الفقه الإسلامي لتعدد الدول، منذ انقسام الخلافة إلى عباسية شرقية وأموية غربية، إلى زمن الدولة العثمانية. وأجرى أحكام ووظائف تلك الدول واعتبرها، في ظل كبر واتساع رقعة ديار الإسلام وتنازع الولاة على اقتسامها، وكلفة توحيدها على سلطة واحدة، وكي لا تظل سيوف المسلمين مشهورة لتوسيع سلطة حاكم على آخر.

كما استجاب الفقه الإسلامي لحالات التغلب التي أخذت في التصاعد بعد زمن خروج العباسيين وتغلبهم، أي في القرن الثاني للدولة الإسلامية. فصار المتغلب حاصلا على شرعية السلطة، فيبايع له وتمضي أحكامه ووظائفه، في مخالفة صريحة للنص النبوي الذي يؤكد على وجوب محاربة وقتل الخارج على الدولة، لا لشيء سوى لأن تطبيق هذا النص سيفضي لديمومة الحروب وزوال دول الإسلام مع كثر العصبيات ونزعة الكثير للاستقلال عن الدولة المركزية أو أخذ السلطة عنوة.

كما استجاب الفقه الإسلامي لحالات الحاكم الفاسق أو الظالم أو المبتدع أو الفاشل أو الصغير الذي لم يبلغ أو المرأة، حين أصبحت النخب السياسية نخبا منحرفة وتراجعت سطوة النخب المتدينة إلى الهامش منشغلة إما بالعلم أو العبادة أو الوظائف الثانوية للدين. فصار كثير من حكام المسلمين متلبسين بالظلم أو الفساد (في الأموال والدماء والأعراض)، أو مبتدعة وفاسقين لا تصح لهم عدالة، أو فشلة لا يحسنون غير التسلط وجباية الأموال وفرض الخوف، أو صغارا ليسوا أهلا للحكم ويحكم الوصي عليهم من الخدم أو العبيد، وربما حكمت النساء أحيانا!

وهذه الحالات جميعا نظر إليها من زوايا عدة، تشمل فقه الممكن والمقدور، وفقه المصلحة والضرورة، وفقه المآلات، وفقه تناسب الأمر مع التغير الحاصل في المجتمع وتركيبه وطبعه وعوائده وتدينه وأخلاقه وتماسكه وعصبياته.
وفي جميع تلك الحالات كان الفقهاء صنفين:
صنف يعمل بما يقتضيه الفقه ساعيا في استدراك ما هو قائم بالنصح والاحتساب بحيث لا يبلغ الانحراف والتحول مدى أبعد وصورة أبشع. مع السعي في الإصلاح والتغيير.
وصنف يعمل على تبرير الأمور والتقرب للسلطة والنخب الحاكمة بشرعنة ما هي عليه والثناء عليها وتحسين قبائحها والاعتذار لفجورها وإجرامها خدمة لمصالحه منها.

وكما كان الفقه الإسلامي قادرا على الاستيعاب والتكيف مع المتغيرات والتحولات، من بابي علماء الأمة وعلماء السلطان كل من زاوية نظره ومقصده، فإن هذه الحالة قابلة للاستمرار ما لم تتشكل طبقة اجتماعية واسعة وكتلة تغييرية حرجة في الأمة تعمل على استعادة الحالة الراشدية بكل خصائصها وسماتها أداء لأمانة الدين وضرورات الدنيا، تدينا وتقربا لله تعالى، بعيدا عن رغبات أصحاب الأهواء التسلطية والنزعات التغلبية.

إقرأ أيضا:نداء نشطاء من غزة لليوم العالمي من أجل غزة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى