مقالات

مرحلة الشيخ طه حسين

بقلم د. محمد عمارة

الغرض مرض!.. وهذا ما يتجلى في موقف العلمانيين المتغربين من التطور الفكري الذي مر به عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين (1307 – 1393 هـ، 1889- 1973م).

 إنهم يقفون جامدين عند مرحلة الانبهار بالغرب، التي كتب فيها كتابه (في الشعر الجاهلي) وكتابه “مستقبل الثقافة في مصر” مع أنه قد حذف من كتابه الأول العبارات الصادمة، التي جلبت ضده العواصف والأعاصير، وغير عنوانه وأضاف إليه الكثير، وأضاف إليه الكثير، أما “مستقبل” فلقد امتنع عن إعادة طبعه، على عكس كتبه الأخرى، وعندما سئل عنه في حديث للأهرام أول مارس عام 1971م قال: “هذا الكتاب أصبح قديما جدا وأحتاج إلى أن أعود إليه وأغير فيه الكثير”!.

يقف المتغربون العلمانيون عند هذه المرحلة، وعند هذه الكتابين من كتب طه حسين، متجاهلين إبداعاته الإسلامية في المرحلة السابقة على سفره إلى باريس، وخاصة مقالاته في مجلة “الهداية” التي كان يصدرها “الحزب الوطني” – حزب مصطفى كامل (1291 – 1326 هـ ، 1874 – 1908م) ومحمد فريد (1284 – 1338 هـ ، 1868 – 1919م) والتي كان يرأس تحريرها المجاهد المجدد الشيخ عبد العزيز جاويش ( 1293 – 1347هـ ، 1876 – 1929م) ففي هذه المجلة كتب الشيخ طه حسين عن القرآن الكريم باعتباره ليس مجرد كتاب عبادة، وإنما أيضا كتاب قانون وتشريع، وكتب عن واجبات الأمة الإسلامية، فجعل منها الجهاد لمحو الشرك ونشر التوحيد، نعم، كتب طه حسين في تلك المرحلة عام 1911 فقال: “إن شأن القرآن الكريم في أكثر أحكامه، ألا يأتي بالأصول والقواعد مرسلة، بل يتبعها، في أكثر الأحيان، بعللها ونتائجها، وتلك هي المزية الخاصة التي لقانون من القوانين”.

يقول علماء التشريع: “إن القانون إنما يقبله الناس ويطمئنون إليه إذا اشتمل على قليل أو كثير من علل الأحكام، وهذا الرأي عرفه الناس في هذا العصر الحديث قد سبق إليه القرآن من ثلاثة عشر قرنا، فهو كتاب عبادات وقانون وتشريع، وحسبك بهذا ميزة للقرآن على غيره من كتب القوانين والتشريع”.

وتحدث طه حسين في هذه المرحلة عن وجوب الجهاد على الأمة الإسلامية لنشر التوحيد ومحو الشرك “لأن التوحيد هو ملاك الفضائل وقوام الأخلاق الحسنة، ولأن الشرك هو مصدر النقائص وجرثومة كواذب الأخلاق، ولذلك فإننا ملتزمون بنشر الإسلام ومحو الشرك”!

أما في قضية إصلاح حال المرأة في المجتمعات الإسلامية، فلقد أكد طه حسين على حاكمية الإسلام لهذا الإصلاح، وبنص عبارته: “حَدُنا في هذه المسألة إنما هو دين الله الذي أنزله شفاء لأدواء الأفراد والأمم وإصلاحا للفاسد من أمورهم، فعلينا أن نقف عنده، فلا نتعدى حده “ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون” البقرة 229، وعلى هذا الأصل الصحيح نقول: إن رقي المسلمين رهين بأن يرجعوا إلى أصول دينهم الذي أهملوه، وكتابهم الذي أغفلوه، فيمسكوا بأسبابها ويتعلقوا بأهدابها، وعلى غير ذلك لا تقوم لهم قائمة، ولا يصلح جيل”.

بل لقد ذهب طه حسين في هذه المرحلة التي سبقت سفره إلى فرنسا، والزواج من فرنسية، إلى تحريم زواج المسلم من الأجنبيات، وكتب يقول: “إن منا من يتزوج الكتابيات من أهل أوربا رغبة في جمالهن وما يشاع عن علمهن وأدبهن، إلى غير ذلك، ولكن ماذا تكون النتيجة لهذا الزواج؟ لا شيء إلا أن يصبح الرجل وبيته وأبناؤه وبناته أوربيين في كل شيء، إذن فأستطيع أن أحظر تزوج المسلم من الكتابية من الفرنج، أو على الأقل أضيق دائرته تضييقا شديدا، لا سيما إن أضفت إلى ما سبق فساد الدين في نفوس الفرنج فسادا مطلقا حتى أشرف على الانمحاء”!

هكذا فكر طه حسين، في المرحلة الأولى من حياته الفكرية، وهكذا كتب، وعلى الأمناء الذين يدرسون الحياة الفكرية لهذا العملاق أن يتتبعوا مراحل فكره، دون الجمود على مرحلة الانبهار بالغرب دون سواها!

*المصدر : عربي 21

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى