بقلم د. وائل عبدالمتعال شهاب نجم
يجب على الخطاب الفقهي للأقليات المسلمة أن يراعي القوانين الحاكمة للبلدان التي تعيش فيها الجاليات المسلمة، وألا يعرِّض أبناء الجالية لمخاطر مخالفة القوانين؛ فالأصل أن “لا ضرر ولا ضرار”[1] في الإسلام، وذلك لا يعني أن يقترف المسلم الإثم أو يرتكب المحرمات باسم القانون، بل ما أقصده ألا يعرض المسلم نفسه لعقاب القانون، وفيما يلي تفصيل لهذا الأمر:
أولًا: إذا كان القانون السائد يحظر أمرًا مباحًا من وجهة نظر الإسلام، فعلى المسلم ألا يضر نفسه بارتكاب هذا الفعل، وعليه ألا يعرض نفسه للعقاب القانوني، وأذكر هنا – على سبيل المثال – تعدد الزوجات؛ فهو محظور في كثير من دول أوروبا وأمريكا وغيرها، فعلى المسلم – طالما ارتضى الإقامة في هذه البلاد – ألا يخالف قوانينها السائدة، وما أجمل ما أوصى به المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في ختام دورته العادية الثالثة، والتي انعقدت في مدينة كولون بألمانيا، في الفترة 4 – 7 صفر 1420هـ الموافق 19 – 22 مايو 1999 م، حيث قال:
يغتنم المجلس الفرصة ليؤكد ما أوصى به المسلمين في دورته السابقة وما ارتآه في هذه الدورة من الأمور التالية:
1- المحافظة على هويتهم الإسلامية، وشخصيتهم الدينية، وذلك بالتزام شرع ربهم فيما أمر ونهى، وأحل وحرَّم، في عباداتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم ومآكلهم ومشاربهم وعلاقاتهم الأُسرية والاجتماعية وحسن التعامل مع غيرهم.
2- يوصي المجلس المسلمين المقيمين في أوروبا بالعمل الجاد للحصول على اعتراف الدول التي يقيمون فيها بالإسلام دينًا، وبالمسلمين أقلية دينية، على غرار الأقليات الدينية الأخرى في التمتع بحقوقهم كاملة، وفي تنظيم أحوالهم الشخصية؛ كالزواج والطلاق والميراث،ويناشد الدول الأوروبية الاعتراف بالدين الإسلامي وحقوق المسلمين على غرار ما قامت به بعضها؛ كبلجيكا وإسبانيا والنمسا والمجر،ومن أجل ذلك فإن المجلس يوصي المسلمين بتشكيل هيئات شرعية تتولى تنظيم أحوالهم الشخصية وفق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، مع مراعاة الالتزام بالقوانين السائدة.
3- كما يوصي المجلس هؤلاء الإخوة المسلمين ويشدد في الوصية بالالتزام بما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وبما أجمع عليه فقهاء الإسلام من وجوب الوفاء بمقتضيات عهد الأمان، وشروط الإقامة والمواطنة في البلاد الأوروبية التي يعيشون فيها، ومن أهم ما يجب عليهم:
أ – أن يعتقدوا أن أرواح غير المسلمين وأموالهم وأعراضهم معصومة بمقتضى ذلك العهد الذي دخلوا به هذه البلاد، والذي لولاه لما سمح لهم بدخولها أو استمرار الإقامة فيها، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 34].
ب – أن يحترموا قوانين هذه البلاد التي آوتهم وحمتهم ومكنتهم من التمتع بكل ضمانات العيش الكريم، وقد قال تعالى: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60].
ج – أن يجتنبوا كل أساليب الكسب الحرام على اختلاف أنواعها، ومنها سعي بعض المسلمين للحصول على معونة الضمان الاجتماعي مع أنهم يعملون أو يتاجرون.
د – أن يبذلوا أقصى الوسع في تنشئة الجيل الجديد – بنين وبنات – تنشئة إسلامية معاصرة، وذلك بتأسيس المدارس والمراكز التربوية والترفيهية لحمايتهم من الانحراف[2].
ثانيًا: إذا كان القانون السائد يبيح أمرًا محظورًا من وجهة نظر الإسلام، فعلى المسلم ألا يقترف هذا الإثم، فإن القانون الوضعي لا يرغمه على ارتكابه، وأضرب لذلك مثلًا بالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، فإن أباحها القانون الوضعي في بعض البلدان، فالمسلم المقيم في تلك البلاد لا يقترفها؛ لأنها محرَّمة في دِينه.
ثالثًا: إذا كان القانون السائد يفرض أمرًا محظورًا من وجهة نظر الإسلام، فعلى الخطاب الفقهي أن يوجه الأقليات المسلمة إلى المطالبة بحقوقها المشروعة بكافة الطرق والوسائل الشرعية المتاحة، والتعاون في سبيل ذلك مع المؤسسات والهيئات الحكومية وغير الحكومية، من أجل الحصول على حقوقهم المشروعة في البلاد التي يقيمون فيها، ومن أجل احترام حرياتهم ومعتقداتهم الدينية، وهذا مكفول – بشكل عام – وفق القوانين والأعراف الدولية.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه ينبغي على الخطاب الفقهي دراسة كل نازلة أو قضية على حدة، ثم توجيه الجالية إلى ما فيه صالحهم العام بما يتناغم مع مبادئ الشرع الحنيف وسيادة القانون وقيم المواطنة والإقامة.
—————————–
[1] النووي، الأذكار، رقم 504، وابن حزم، المحلى، 9/ 28.
[2] قرارات وفتاوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ص، ص 19 – 20.
المصدر: شبكة الألوكة.