بقلم سالم الفلاحات
وإن كان الخلاف فطرياً بين الناس لأنه في أصل تكوينهم حيث قال الله تعالى: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ {118}) (هود).
لكن الاختلاف إن خرج عن حدّه أصبح وبالاً على المختلفين وهذا الذي وقع فعلاً.
فقد ورث الجيل الحاضر الحصاد المر، الذي اشترك في زراعته آباؤه وأجداده نظراً للخلاف القاتل الذي قسم الأمة إلى خطين كبيرين (عدوين) بارزين هما الأبرز في البيئة العربية، ألا وهما الخط الإسلامي (في طليعته الإخوان المسلمون) والخط القومي (وفي طليعته حزب البعث العربي الاشتراكي والقوميون بشكل عام)، وقد توهَّم الطرفان أنّ هذين الخطين لن يلتقيا، وأنّ الجمع بينهما مستحيل، وأنّ التضاد هو الأصل حتى غدوا طائفتين:
• إحداهما تناهض الإسلام بالعروبة دون أن تعلم أو تقصد، وأخرى تناهض العروبة بالإسلام دون أن تعلم أو تقصد، لم يحققا الغاية ولم يحررا الأمة، ولم يصلا للنتيجة والهدف الذي أرادا، ولم تكن نتيجة الصراع صفرية فقط إنما كانت لصالح العدو الصهيوني وحده.
• وليس من الحقيقة في شيء الهروب إلى التفسير السطحي لهذه الحالة، ألا وهو اتهام كل من الخطين للآخر ورميه بالعمالة والتبعية والرجعية والجهل، أو الانحلال، حيث تجد من الفريقين من لا يمكنك أن تشك في صدق نواياهم وإخلاصهم وتضحيتهم، ولكن ليس كل من قصد الخير استوفى مقومات نجاحه، أو أدركه، أو حققّه، أو عمل بمقتضاه.
ولو رجعنا إلى القرآن الكريم، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وما قاله العلماء المعتبرون، لوجدنا إجابات واضحة عما اختلف عليه الفريقان، ومنه:-
قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ {44}) (الزخرف)، (لذكرٌ): بمعنى (يرفع ذكرك وذكر قومك)، وقومك، تنصرف أولاً إلى العرب الذين لم يكن لهم ذكرٌ.
وقوله: (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ) (طه:113).
وإذا كان رسول البشرية محمد العربي عليه الصلاة والسلام يقول:
إذا ذل العرب ذل الإسلام. أخرجه أبو يعلى وصححه السيوطي في الجامع الصغير.
وقال: أحِبُّوا العرب وبقاءهم، فإن بقاءهم نورٌ في الإسلام، وإنَّ فناءهم ظلمة في الإسلام.
وقال: يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك، فقلت يا رسول الله كيف أبغضك وبك هدانا الله عز وجل، قال: تبغض العرب فتبغضني. رواه أحمد
أ- وقال:- فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم. رواه الحاكم في المستدرك
ب- قيل يا رسول الله: أمن العصبية أن يحب الرجل قومه ؟ قال: لا ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه على الظلم. رواه أحمد
موقف الأستاذ حسن البنا (رحمه الله) – مؤسس جماعة الإخوان المسلمين من القومية:
أولاً: أورد السيد رجاء النقاش القراءة التالية لموقف الأستاذ البنا من القومية العربية جاء فيها:
أتوقف هنا لأقول انني في بحثي ودراستي لهذا الموضوع، وأنا من المؤمنين بالقومية العربية والداعين لها والذين لا يرون فيها أي تناقض مع الدين.. أقول أنني في بحثي ودراستي لهذا الموضوع وجدت رأيا صريحا لمؤسس الإخوان المسلمين سنة 1928 وهو الشيخ حسن البنا، وقد لفت نظري أن رأي الشيخ البنا يختلف تماما مع الذين يعارضون العروبة والقومية باسم الإسلام، وهذا دليل على أن حجة المعارضين للقومية باسم الدين هي بحاجة إلى المراجعة، وقد جاء رأي الشيخ البنا في خطابه الذي ألقاه في المؤتمر الدوري الخامس للإخوان.
الذي يقول فيه: إن الإسلام الحنيف نشأ عربيا، ووصل إلى الأمم عن طريق العرب، وجاء كتابه الكريم بلسان عربي مبين، وتوحدت الأمم باسمه على هذا اللسان يوم كان المسلمون مسلمين.
ويقول: قد جاء في الأثر: (إذا ذل العرب ذل الإسلام)، وقد تحقق هذا المعنى حين زال سلطان العرب السياسي، وانتقل الأمر من أيديهم إلى غيرهم من الأعاجم والديلم ومن إليهم، فالعرب هم عصبة الإسلام وحراسه.
ومن هنا كانت وحدة العرب أمراً لا بد منه لإعادة مجد الإسلام وإقامة دولته وإعزاز سلطانه، ومن هنا وجب على كل مسلم ان يعمل لإحياء الوحدة العربية وتأييدها ومناصرتها، وهذا هو موقف الإخوان المسلمين من الوحدة العربية». رجاء النقاش انتهى
ثانياً: يوضح الأستاذ البنا موقفه من القومية أيضاً ويقسمها إلى:
أ- قومية المجد:
ويقول الأستاذ حسن البنا:- إن كان الذين يعتزون بمبدأ القومية يقصدون أنَّ الأخلاف يجب أن ينهجوا نهج الأسلاف في مراقي المجد والعظمة ومدارك النبوغ والهمة، وأن تكون لهم بهم في ذلك قدوة حسنة، وأن عظمة الأب مما يعتز به الابن ويجد لها الحماس والأريحية بدافع الصلة والوراثة، فهو مقصد حسن جميل نشجعه ونأخذ به.
وهل عدتنا في إيقاظ همة الحاضرين إلا أن نحدوهم بأمجاد الماضين ؟ ولعل الإشارة إلى هذا في قول رسول الله (صلي الله علية وسلم ):”الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا”، فها أنت ترى أن الإسلام لا يمنع من القومية بهذا المعني الفاضل النبيل.
هي العروبة لفظ إن نطقت به فالشرق والضاد والإسلام معناه
ب- قومية الأمة
وإذا قصد بالقومية أن عشيرة الرجل وأمته أولى الناس بخيره وبره، وأحقهم بإحسانه وجهاده، فهو حق كذلك، ومن ذا الذي لا يري أوْلى الناس بجهوده قومه الذين نشأ فيهم ونما بينهم ؟ لعمري لرهط المرء خير بقية عليه وإن عالوا به كل مركب
وإذا قصد بالقومية أننا جميعا مبتلَوْن مطالبون بالعمل والجهاد، فعلى كل جماعة أن تحقق الغاية من جهتها حتى نلتقي –إن شاء الله –في ساحة النصر فنعم التقسيم هذا، ومن لنا بمن يحدو الأمم الشرقية، حتى نلتقي جميعا في بحبوحة الحرية والخلاص ؟
لكن توظيف العروبة ورفع رايتها لخدمة المصالح الخاصة حزبية أو فردية مرفوض تماماً.
وتوظيف الإسلام ورفع رايته لخدمة المصالح الخاصة حزبية أو فردية مرفوض أيضاً.
وللحديث بقية..
(مجلة المجتمع)