مرابطات حول الأقصى.. هكذا قاومت المرأة المقدسية المحتل
بقلم بسام محمد
بداية من السيدة مريم بنت عمران وعلى نهج أمي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد سلام الله عليهما ومنهما استلهمن دورهن العظيم ومكانتهن الخالدة كخلود القدس وحجارتها. الجميع يعرف دور المجاهدين من الرجال الذين بذلوا الغالي والنفيس والوقت والجهد والروح فداءا لبيت المقدس وحرمته وحريته، لكن ندر من يعرف دور المرأة والحركة النسوية في قضية الرباط بالمسجد الأقصى المبارك وحمايته. ونحن هنا نوثق بعضا من هذه الحركة المباركة التي تغافل عنها الناس وورع عن ذكرها المرابطون، إلا أننا وإن لم ننصرهم بأيدينا فلعل قلمنا يشفع لنا يوم يسألنا ربنا ماذا فعلتم لنصرتهم؟!
على مدار سنوات الاحتلال ظل المقدسيِّون شوكة في حلق الصهاينة وحصنا منيعا يصد عن حرمات القدس والمسرى دون تنظيم وترتيب خلا بعض الأعمال التنظيمية للحركات المقاومة في الداخل المحتل، ومع تزايد وتيرة الاقتحامات لساحات المسجد الأقصى المبارك وسط سعي حثيث منظم من قِبل الكيان الصهيوني لتقسيم بيت المقدس تدريجيا تقسيما زمانيا ومكانيا كبداية لهدفهم المنشود ألا وهو هيكلهم المزعوم.
ووسط تعنت قوات الاحتلال المتمركزة على بوابات المسجد الأقصى المبارك في دخول المصلين وتحديد أعمار الداخلين ومواصفاتهم ومن ثم الاعتقالات والاقتحامات والتوقيف والمنع، وبدت أهداف الاحتلال واضحة جلية لتهويد المسجد الأقصى المبارك. هبت الجموع تلو الجموع ومُنع الشباب من دخول الأقصى في أحيان كثيرة وسُمح فقط لبعض كبار السن والنساء دخوله وبدأت محاولة إفراغ الأقصى ومن ثم بدأت الاقتحامات الصباحية من عرابيد الصهاينة وحاخاماتهم وصلواتهم التلمودية وتدنيسهم لساحات الأقصى في الساعات الأولى من الصباح بين الثامنة صباحا وحتى قُبيل الظهر، وبدا الأمر ويكأنه سيصبح عرفا أو حقا مكتسبا للصهاينة في المسجد الأقصى في هذه الساعات، وهنا كانت البداية.
في العام ٢٠١٠ قرر المقدسيِّون بدأ مرحلة جديدة ممنهجة ومنظمة لدحر الظلم وصد مخطط الاحتلال وإفشاله، وهنا كان الرباط، ذلك السلاح العظيم الفتاك، لم يكن يعلم هؤلاء العزّل بأن هذا لسلاح سيقض مضاجع مغتصبي الأرض أغراب الوجهه. والرباط هو ملازمة المسجد الأقصى المبارك ومداومة التواجد فيه وعدم الانصراف عنه حتى لا يكون شاغرا وحيدا، وتتم عملية التنسيق بين المرابطين حتى يمتلئ المسجد في كل وقت مع ممارستهم أشغالهم اليومية وأدوارهم الطبيعية. هنا تجلى دور المرابطات الفضليات، فهن يبدأن في رباطهن من الساعات الأولى، يدخلن في زيِّهن الطبيعي ويحتشدن قبل الثامنة صباحا قبل موعد الاقتحامات، فإذا ما تم الاقتحام وسط حماية جنود الاحتلال تهتز ساحات الأقصى بهتافات المرابطات وتكبيرهن وتبدأ معركة بينهن وبين جنود الاحتلال، حتى فزع المقتحمون وظلت أعدادهم في تناقص من الخوف والفزع الَّذَين يسببانهما تكبيرات المربطات واحتشادهن.
تزايدت أعداد المرابطات وأصبحن ينتهجن أساليب متعددة في دخول الأقصى والتخفي ومجابهة الاقتحامات، يشاركهن الرجال المرابطون في ساحاته وحوله حتى اشتعلت انتفاضة السكاكين وهبت وانتشر الهلع والفزع في قلوب المحتلين حتى وصلت احصائيات المقتحمين للمسجد الأقصى المبارك إلا أقل نسبة تحققت في عام ٢٠١٦. لم تقف أهداف وأدوار تلك الحركة النسائية المباركة عند هذا الحد بل كان من بين أدوارها التعريف والتوثيق بالمسجد الأقصى المبارك، وإيصال أخباره لمعاشر المسلمين حول العالم، فكنّ صوت الأقصى ولسانه المتكلم المعلم، وكنّ يده الباطشة ضد مدنسيه، كنّ ولايزلن جزءا لا يتجزأ من بنيان الأقصى وأعمدته، بل أشد أعمدته إذا جاز التعبير.
فرُحْنَ يتحدثن بقضية الأقصى يمينا وشمالا، في التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي والشوارع والأزقة، حتى كأنك من متابعتهن صرت تعرف الأقصى والقدس كأنك مقدسي مرابط، صار المسلم الجاهل بقضيته وما يحدث لمسجده على علم بكل حدث صغير وكبير داخل القدس والمسرى، صرنا نشاهد كل أذان وصلاة ودرس علم واقتحام وإفطار وترميم ومواجهات واعتقالات تحدث في المسجد الأقصى المبارك.
ولم يدعن شيئا يغيظ الكفار أو ينال من العدو نيلا إلا بادروا به، حتى إغاظة الصهاينة بإعداد الطعام والشراب في ساحات الأقصى! ومن منا لا يعرف “مقلوبة” و”محشي” الخالة هنادي حلواني والخالة خديجة خويص، حتى منع الاحتلال دخول هاتين الأكلتين خصيصا!، أرقوا مضاجعهم بكل السبل وشتى الطرق. والأمر على بساطته في عين القارىء عكس واقعه، فلطالما كان هذا الرباط مكلف للغاية، يكلف إحداهن روحها، وجهدها، ووقتها، ومالها، وعمرها، نعم فقد شرع الاحتلال بمواجهة المرابطات بقوانين ظالمة غاشمة ما بين الاعتقالات المتكررة والتوقيف، وقرارات الإبعاد عن المسجد الأقصى، والاستدعاءات والمضايقات وقطع التأمين الصحي، والتهديد بالقتل، واعتقال أفراد العائلة زوجا وأولاد لردع المرابطات، وما كان منهن إلا كل قوة وبأس فما وهنوا ولا ضعفوا ولا استكانوا وكيف لا وهن كحجارة الأقصى لا تعرف الوهن ولا تدري شيئا عن الخضوع، عالية شامخة يتحطم عليها كل ظالم غاشم.
يعشن الحياة الطبيعية بمتطلباتها من اهتمام بالبيت والزوج وتربية أولادهن وتدبير المأكل والمشرب والهيئة. لبيوتهن وفوق كل هذا لا ينسين بيتهن الأول والأهم بيت المقدس. ولو ذكرنا مئات الصفحات في سرد حكاياتهن وصمودهن وجهدهن وجهادهن ورباطهن ما وفيناهن حقهن، علم الله جهادهن ولا يضل ربي ولا ينسى، وعلم الأقصى وجوههن وقلوبهن فهن بناته وفلذات أكباده يباهي بهم الناس يوم القيامة “هؤلاء بناتي”. وإن شئتم الاستزادة فاقرأوا وتابعوا صفحات المرابطات كأمثال المرابطة هنادي حلواني والمرابطة خديجة خويص والمرابطة عايدة الصيداوي والمرابطة سماح محاميد وغيرهن الكثيرات.
ختاما.. فإن الدور المقدس لا يقوم به إلا المصطفين الأخيار، وما من دور أهم من حماية المسجد الأقصى المبارك وصونه وتطهيره من كل ما يدنسه، فلتكن من المرابطين، فإن لم تستطع فلا تنساهم من الدعاء. اللهم حرر بنا المسجد الأقصى المبارك.
(المصدر: مدونات الجزيرة)