مقالاتمقالات مختارة

مذبحة نيوزيلندا.. ما بين الإسلاموفوبيا وعظماء التاريخ!

مذبحة نيوزيلندا.. ما بين الإسلاموفوبيا وعظماء التاريخ!

بقلم عبد اللطيف مشرف

كان يوم الجمعة الماضية يوم حزين على كل مسلم في العالم، حيث قتل 49 مسلم وأصيب أكثر من 50 شخص وهم يصلون الجمعة، وذلك بدم بارد وعلى أنغام الموسيقي ارتكب الأسترالي برينتون تارانت مذبحة ضد المصلين في مسجدين بمدينة كرايست تشيرش بنيوزيلندا اليوم الجمعة، متذرعًا بالانتقام لضحايا هجمات ارتكبها مسلمون ومهاجرون في أوروبا. بدأ هذا المجرم بتصوير جريمته بكل هدوء من داخل سياراته، مرتديًا الدروع وملابس عسكرية، وبدأ بقول” دعونا نبدأ هذه الحفلة” بالفعل كانت حفلة دموية بدون رحمة ولا شفقة، حفلة تملأها الكره والغل ضد الدين الإسلامي والمسلمين، حيث يعيش المسلمين في هذه الزمن حالة من الضعف والظلم في وطنهم وخارج أوطانهم.

حيث نال الأعداء من الإسلام في هذه الحقبة الزمنية ما لم ينالوه من قبل، حيث عمل الغرب على شحن شعوبهم ضد الإسلام وأهله، بل وسخروا الإعلام من أجل زرع العداء لدى شعوبهم نحو الإسلام، وكأننا نعيش تاريخ الكنيسة والحروب الصليبية من جديد، ولكن تحت مسمي آخر اخترعوه كعادتهم وهو: “الإسلاموفوبيا” وتعنى الكلمة الكره والخوف والحد من الإسلام، حيث تتكون من مقطعين الأول الإسلام والثاني فوبيا وهو مرض سيكولوجي بمعني الخوف، دخل المصطلح إلى الاستخدام في اللغة الإنجليزية عام 1997م، عندما قامت مجموعة يسارية التوجه من المفكرين في بريطانيا تدعى “رنيميد ترست”، باستخدام هذا المصطلح لإدانة مشاعر الكراهية والخوف والحكم المسبق الموجهة ضد الإسلام أو المسلمين، وذاد الاستخدام والترويج له بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م وتفجير برجي التجارة العالمية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم استغلوا الحدث والترويج لكراهية المسلمين، بل والعمل على احتلال دول إسلامية، وقامت داخل مجتمعاتهم حوادث كراهية وقتل كثيرة ضد المسلمين، آخرها مذبحة نيوزيلندا الأخيرة.

تعد مذبحة نيوزيلندا من أبشع المذابح التي حدثت ضد المسلمين في المجتمعات الغربية، ولكن تكمن هذه الحادثة، بأن الجاني وضح لنا أمور كثيرة، منها الديمقراطية المزيفة التي يدعيها الغرب، ومدى عداء الغرب للمسلمين والإسلام، وكيف يربي أولاده على عداء المسلمين، وأوضحت لنا الحادثة بأن الغرب يعتبر المسلمين نوع من البشر من الدرجة الثانية، كما تُظهر معرفتهم بالتاريخ جيدًا ومدى خوفهم من قيامة جديدة للإسلام والمسلمين، ومدى رعبهم من ظهور قوة إسلامية اقتصادية وسياسية وعسكرية، واتضح ذلك في ذكر ذلك المجرم لدولة تركيا ومدى العداء لتلك الدولة، بل والتمني بسقوطها وعودتها دولة مسيحية مرة آخري، وأيضا نجد تلك الحادثة تؤكد كلام المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” صاحب كتاب “قصة الحضارة” عندما قال: “أن الصراع الظاهر للبشرية بين الغرب والشرق، هو صراع على الثروات، ولكن الصراع الخفي والحقيقي بين الشرق والغرب هو صراع بين أكبر ديانتين الإسلام والمسيحية”.

حيث أثبت لنا هذا المجرم صحة كلام المؤرخ الأمريكي سابق الذكر، وذلك من خلال ما عثر عليه من حروف وتواريخ وشخصيات على سلاحه الذي استخدمه في تصفية الأبرياء، حيث ذكر أسماء شخصيات وحوادث تاريخية كانت فاصلة في التاريخ بين العالم الغربي والشرقي، ولعل من المؤسف أن كثير من المسلمين لا يعرفون تلك التواريخ والأحداث كما يعرفها الغرب، وفي ذلك المجرم مثال، ومن أهم ما ذكر من تواريخ وشخصيات تفسيرها كالآتي:

– 732م :هو تاريخ معركة مهمة تسمي “بلاط الشهداء- بواتييه” حيث اعتبرها المؤرخين من المعارك الفاصلة في التاريخ، لأنها لو نجحت لصارت أوروبا بأكملها مسلمة، حيث وقعت بين المسلمين في عهد الخلافة الأموية بقيادة القائد الشاب “عبد الرحمن الغافقي” والي الأندلس، وبين تحالف أوروبا بقيادة “شارل مرتل” الذي لقب بالمطرقة وذلك لعدم هزيمته في أي معركة خاضها، وقعت معركة بلاط الشهداء أو كما تعرف بمعركة بواتييه في الدولة الفرنسيّة، وتحديداً بين كلّ من مدينة بواتييه ومدينة تور، وانتهت هذه الحرب بانتصار الفرنجة على العرب المسلمين، حيث تمّ انسحاب الجيش العربي وذلك إثر مقتل القائد المسلم عبد الرحمن الغافقي، هل أجيال المسلمين تَعرف هذا القائد وتلك المعركة؟

– 1683م معركة فيينا: كانت الهزيمة التي شكلت ذروة التقدم العثماني في أوروبا، والتي كانت نقطة تحول فاصلة في مسيرة الصراع العثماني الأوروبي، وتغيير في موازين القوى العالمية، وهي المعركة المعروفة باسم «ألمان داغي» عند أسوار فيينا عاصمة النمسا، وأشهر المدن الأوروبية، وأهمها مكانة إذ كانت فيينا هي عاصمة الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وكانت النتيجة نصر حاسم للتحالف المسيحي.

– 1688م حصار بلغراد: كانت بلغراد تابعة للعثمانيين آنذاك والذي فتحها السلطان سليمان القانوني من قبل، وفي هذا لحصار سيطرة الإمبراطورية الرومانية المقدسة على المدينة.

– 1621م معاهدة خوتين: بين الدولة العثمانية وبولندا، بعد معركة خوتين، واتفق الطرفان على الصلح بعد اشتعال الحرب بينهما، واتفقا على أن تقوم بولندا بهدم جميع القلاع التي شيدتها على حدود الدولة العثمانية، وأن تدفع ضريبة سنوية إلى القرم التي كانت تخضع للدولة العثمانية، هكذا كان تاريخ الدولة العثمانية الذي لم يعرفه الأجيال ولم يعرفوه، ولكن الغرب يعرفه جيدا فيخشي أن يتكرر مرة أخرى.

– 1571م معركة ليبانتو البحرية: التي هزمت فيها الدولة العثمانية على يد التحالف الأوروبي.، حيث أعطت المعركة الرابطة المقدسة سيطرة مؤقتة على البحر المتوسط، وحمت روما من الغزو ومنعت العثمانيين من التوغل في أوروبا، وكانت آخر معركة بحرية كبرى تدور بالكامل بين سفن بمجاديف وكانت كذلك واحدة من “أكثر المعارك البحرية حسماً” في التاريخ، فبعد لـِيبانتو بدأت الثروة في السريان من الشرق إلى الغرب، وهو النمط الساري حتى يومنا هذا، وكانت المعركة كذلك نقطة تحول هامة في الصراع الدائر بين الإسلام والمسيحية، والذي لم يـُحل إلى يومنا هذا.

– 721م معركة تولوز: إحدى معارك المسلمين وبالتحديد في بلاد الغال – جنوب فرنسا، واستشهد فيها القائد السمح بن مالك الخولاني والي الأندلس في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، الانتصار أعاق انتشار سيطرة الأمويين غرباً من ناربون إلى أكويتان.

ومن هذا العرض لأهم المعارك التي ذكرها هذا المجرم، نرى مدى قوة الخلافات الإسلامية، وأنها لم تهزم في معركة من أي دولة أوروبية بمفردها، ولكن كان عن طريق تحالف مقدس مسيحي بينهم، فهم يعرفون مدى قوة الترابط الإسلامي، ويعرفون أيضا أنهم لا أحد فيهم يستطيع بمفرده هزيمة المسلمين، وذلك عندما يقودهم العظماء والقادة الحقيقيين كما ذكرنا آمثال منهم سابقًا، فلذلك وعي الغرب التاريخ، فعمل على زرع الوكلاء له على رأس النظم الإسلامية، حتى يكون لهم المقدرة والسيطرة على تلك الدول، ولعل هذه المجزرة وضحت لنا أن الشعوب الإسلامية والعربية تختلف اختلافًا تام عن ما يطمح به حكامهم، ظهر ذلك في تفاعل الشعوب وحزنهم على ما حدث لإخوانهم في نيوزيلندا، وأيضا تخاذل الحكام المسلمين وعد استطاعتهم حتى الأدلاء ولو بكلمة تُدين تلك المجزرة، وكأن هؤلاء الحكام أصحاب رذيلة يذلهم الغرب بها.

ومن هنا يحمل الكثير من هؤلاء الحكام المسلمين الذنب في هذه المجزرة، فمنهم من حذر الغرب من المساجد وقال إنها تُخرج إرهابين، ومنهم من دفع المليارات وأستقبل البابا استقبال الفاتحين، ومنهم من ينادي بتجديد الخطاب الديني لأنه يصنع التشدد، وذلك التجديد من وجهة نظرهِ يكون من خلال فتح المراقص وبيع الخمور ليرضي الغرب على حساب دين الله، فلا نلوم هذا المجرم قبل أن نلوم أنفسنا، فنحن من روجنا لمثل هذه الحوادث عندما طأطأنا رؤوسنا لأعدائنا وعبسنا بوجوهنا في مساجدنا وبين قومنا.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى