مقالاتمقالات مختارة

مدرسة القرضاوي في ميزان الطغاة

مدرسة القرضاوي في ميزان الطغاة

بقلم يوسف عمر يوسف

إنّ العلّامة القرضاوي – المبغوض من قِبل تيّارات الغلوّ والإرهاب الحقيقية – والذي بَرِئ في كلّ كتاباته واجتهاداته وتجديداته وفتاويه من تيّارات الإرهاب والتطرّف والتكفير والعنف، بل وقد شغل مشروعه الفكري حيّزًا كبيرًا في مواجهتهم والردّ عليهم، قد أُدرج في لوائح الإرهاب، وحُكم عليّه مؤخرًا بالسجن المؤبد من قِبل المحاكم المصرية العسكرية، وتواجه ابنة العلّامة القرضاوي عقوبة الحبس الانفرادي منذ عام، لا لشيء إلّا أنّها ابنة القرضاوي، وإنّه لمن المآسي التي تحزّ في النفس، وتُدمي القلب وتُدمع العين، أنّ يصرخ عالم الأمّة وفقيهها: “لو كانت المناشدة يا ابنتي تجدي عند هؤلاء لناشدتهم، ولكنهم قساة القلوب، غلاظ الأكباد، نزع الله الرحمة من قلوبهم، والمروءة من أخلاقهم، ولكني ألجأ إلى الله الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وكفى به وكيلا”.

معالم مشروعه الفكري
جمع العلّامة القرضاوي بين التحرر من الجمود المذهبي وبين الالتزام الأصولي، وذمّ التعصب المذهبي والتقليد الأعمى، واختار منهج التيسير والتخفيف، وخاطب الناس بلغة عصرهم

الوسطيّة الإسلاميّة الجامعة: يُعتبر العلّامة القرضاوي رائد مدرسة الوسطيّة الإسلامية الجامعة – التي قضت على الفصام بين الدين والدنيا.. بين العقل والقلب.. بين الصوفيّة والسلفية – وفارس ميدانها، إذ أنّ الوسطيّة الإسلاميّة مثّلت المعيار الذي أنطلق منه العلّامة في مشروعه الفكري، فالرجل في كلّ اجتهاداته وتجديداته وكتاباته قد مثّل الاعتدال وبَرِئ من غلوى الإفراط والتفريط.

الإسلام كمشروع حضاري: في ظلِّ حملات التغريب والتشويه، أعاد العلّامة القرضاوي صياغة الإسلام كمشروع حضاري نهضوي بديل عن الحلول الغربية المستوردة التي جنت على أمتنا، تضمن هذا المشروع تصحيح للمفاهيم، ومحاورة لمن تأثروا بالحلول المستوردة من العلمانيين والمتغربين، وأكد فيه العلّامة على أنّ السبيل الوحيد للخروج من الواقع الحضاري المأزوم الذي تعانيه أمتنا يَكمن في الحلّ الإسلامي.

تجديد الفقه الإسلامي: يَمزج العلّامة القرضاوي بين الفقه والدعوة، ويرى أنّ ذلك ضروريًا لتجديد عقول الأمّة وضمائرها، ويشدد العلّامة على أنّ الفقه في لغة القرآن ليس هو الفقه الاصطلاحي الذي هو معرفة الأحكام الجزئية من أدلتها التفصيلية وإنّما هو (فقه في آيات الله، وفي سنن الكون والحياة والمجتمع، وسنن الله في خلقه وعقوباته لمن انحرف عن الصراط، وسنن الله في النصر والهزيمة، وضرورة الجهاد والبذل لحماية الدين والنفس وكيان الجماعة)، ولم يقف العلّامة عند حدود الفقه القديم بل تحدث عن ثمانية ميادين من الفقه الضروريّة لتجديد الفقه الإسلامي – ليكون قادرًا على تلبية حاجات العصر – وهي: (فقه المقاصد، فقه الأولويات، فقه السنن الكونية، فقه الموازنات بين المصالح والمفاسد، فقه الاختلاف بين المسلمين، فقه الواقع، الفقه الحضاري لحضارتنا وعلاقتها بغيرها من الحضارات وفقه المستقبل).

تجديد الاجتهاد: يرفض العلّامة القرضاوي إغلاق باب الاجتهاد، ويرى أنّ الاجتهاد مقدم على التقليد، ويرى ضرورة تجديد الاجتهاد في إطار فلسفة الشريعة والمقاصد الكليّة ليكون قادرًا على تظليل المستجدات المطروحة في هذا العصر.

الإفتاء المعاصر: جمع العلّامة القرضاوي بين التحرر من الجمود المذهبي وبين الالتزام الأصولي، وذمّ التعصب المذهبي والتقليد الأعمى، واختار منهج التيسير والتخفيف، وخاطب الناس بلغة عصرهم، وأعرض عمّا لا ينفعهم، وانتهج الاعتدال بين الإفراط والتفريط في الفتوى.

كلّ ميادين الإسلام شهدت وقع أقدامه

فهو داعية فقيه، ومعلم مربي، ومناظر منافح، ومجاهد مرابط، شهدت له كلّ ميادين الدفاع عن الإسلام والدعوة إليه، إذ أنّ كلّ تفاصيل حياته كانت ترجمة حيّة لمشروعه الفكري، فعلاوة على المؤلفات التي صاغ فيها العلّامة مشروعه الفكري والتي جاوزت مائة كتاب، فإنّ الميادين الأخرى قد شهدت وقع أقدامه وهدير صوته.. ففي ميدان الجهاد الدعوي الجمهوري شهدت له منابر المساجد وأجهزة الإعلام وقاعات المحاضرات، وفي ميدان الجهاد الحركي رابط العلّامة سنوات وسنوات، وفي ميدان الجهاد التربوي فقدّ خرّج العلّامة اجيالًا من مواكب الطلاب.

محاربة الطغاة للعلّامة القرضاوي ليست حدثًا جديدًا طارئًا على حياته، فمنذ أن سلك العلّامة طريق الدفاع والمنافحة عن الإسلام، واجهه الطغاة بأساليبهم القمعيّة

حفاوة وتقدير

كتب عنه الأستاذ محمد أحمد الراشد فقال: “هو الرائد حقّا، مع وفور المنطق المعتدل ودقّة الاستنباط وشمول النظر، وقدّ حلّ المشكلات، وأوضح المعضلات، وميّز الخلل، وعلل وأسند، فكان (معلّم المرونة) حقّا، وشارح المتغيرات، وتمثّل كتابته مذهبًا في فقه الدعوة كاملًا مترابطًا متناسقًا موزونًا بمنطق واحد في بدايته ووسطه ونهايته، وبمنهجيّة من التيسير الذي تشهد له الأدلّة والأصول العريقة، وأنا معه في معظم ما ذهب إليه، وأرى أنّه قد وُفق إلى الصواب توفيقًا، ولست أخالفه إلّا في مسائل قليلة”.

وكتب عنه الدكتور محمد عمارة فقال: “هكذا نجد أنفسنا إزاء عالم تزدان به الأمّة.. وازاء مشروع فكري، ازدان بالوسطيّة الإسلاميّة – التي هي جوهر منهاج الإسلام، مدّ الله في عمر عالمنا الجليل، ونفعنا بعلمه – الذي جسّده هذا المشروع.. الذي قاربت كتبه التسعين كتابًا – والذي تتوالى ثمراته اليانعة والناضجة بالجديد والمفيد. إننا إزاء ثمرة من ثمار الإسلام.. أعظم نعم الله على المؤمنين”. وكتب عنه الشيخ عدنان زرزور فقال: ” القرضاوي: المجدد الموفَّق الموفِّق.. فقيه العصر ومجتهده الأوّل، لقد جمع القرضاوي بين دقّة الفقيه، وحماسة الداعية، وجرأة المجدد، وإقدام الإمام. لقد أقام القرضاوي دولة الإسلام في الفقه والاجتهاد”.

العلّامة الثابت في وجه العواصف

محاربة الطغاة للعلّامة القرضاوي ليست حدثًا جديدًا طارئًا على حياته، فمنذ أن سلك العلّامة طريق الدفاع والمنافحة عن الإسلام، واجهه الطغاة بأساليبهم القمعيّة، إذ أنّه اعتقل في العهد الملكي عدّة مرات، وأعيد اعتقاله في عهد عبد الناصر بعد ثورة يوليو سنة 1952.. لم يحنِ القرضاوي ظهره للعواصف، وضَرب لأمّته مثلًا فريدًا في العالم الربانيّ الحر الذي ما سار في ركاب السلاطين ولا دار في فلكهم يومًا، وظلّ متمسّكًا بقيمه وأفكاره وعاش مناضلًا في سبيلها دون كلال أو ملال!

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى