مخانيث العلمانيين ومنظومة الأخلاق
بقلم د. رشيد بن كيران
عندما نتكلم عن منظومة الأخلاق الحميدة والقيم الصحيحة، فنحن أمام مجموعة من المفاهيم الموافقة لفطرة الإنسان من حيث هو إنسان كما خلقه الله جل جلاله، والتي من شأن تربية النشء على تلك المفاهيم المكونة لمنظومة الأخلاق وتربية عموم الناس عليها أن تصنع لنا الإنسان السوي غير المنحرف، الذي يستطيع أن يحقق توازنا إيجابيا بين الروح وبين الجسد، وكذلك أن يحقق توافقا بين حقوق الفرد وحقوق المجتمع، وكذلك أن تكون له الاستطاعة على محاورة من يخالفه الرأي بطريقة حكيمة وسلمية، وأيضا أن يقدر على الدفاع عن نفسه وهويته ومبادئه، وأن يضحي من أجل الحفاظ عليها بماله ونفسه ضد أي معتد ظالم الذي يريد إبادته إما فكريا أو جسديا، أو استغلال خيراته.
ولهذا، فمن الأخلاق الحميدة والقيم الصحيحة أن نربي الأطفال مثلا على الحوار والتسامح؛
ومن الأخلاق الحميدة والقيم الصحيحة أن نربي الأطفال على العفو والتنازل؛
ومن الأخلاق الحميدة والقيم الصحيحة أن نربيهم على خفض الجانب وكضم الغيض؛
ومن الأخلاق الحميدة والقيم الصحيحة أن نربيهم على عزة النفس والكرامة؛
ومن الأخلاق الحميدة والقيم الصحيحة أن نربيهم على العدل وإحقاق الحق؛
ومن الأخلاق الحميدة والقيم الصحيحة أن نربيهم على علو الهمة ورباطة الجأش؛
ومن الأخلاق الحميدة والقيم الصحيحة أن نربيهم على الشجاعة والتضحية بالنفس؛
ومن الأخلاق الحميدة والقيم الصحيحة أن نربيهم على مدافعة الفساد وعدم التسامح معه.
ومن الأخلاق الحميدة والقيم الصحيحة أن نربيهم على الغيرة على الشرف والأعراض؛
ومن الأخلاق الحميدة والقيم الصحيحة أن نربيهم على معاقبة الظالم أو الخائن…
وإذا تأملنا هذه المفاهيم المكونة لمنظومة الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة نجدها أن معظمها يتقاطع على تضاد فيما بينها من حيث الظاهر، فالتسامح المطلق مثلا يضاد العقاب المطلق ، وخفض الجانب مثلا يضاد عزة النفس، واللين يضاد الشدة، وهكذا…
ولكن في حقيقة الأمر أن هذه المفاهيم منسجمة فيما بينها وليس بينها أي تضاد، وإنما الاختلاف في مواطن تنزيلها، ولكل موطن أو موقف ما يناسبه؛ فالتنازل مثلا يكون مع من يستحقه، والعقاب يكون مع من يستحقه، والحب يكون مع من يستحقه، والكراهية تكون مع من يستحقها، والشدة تكون مع من يستحقها واللين أو الرحمة تكون مع من يستحقها، وهكذا…
وصدق ربنا جل جلاله إذ يقول: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}، فأثنى الله جل جلاله على المسلمين إذ جمعوا بين خلق الشدة وخلق الرحمة، فعُلم أن خلق الرحمة محمود، وكذلك خلق الشدة هو محمود، وهما متضادان من حيث الإطلاق المجرد، ولكن العبرة بمواطن تنزيلهما؛ فالشدة مطلوبة مع من يستحقها من الكفرة المعتدين الظلمة، والرحمة مطلوبة مع من يستحقها من المؤمنين المظلومين المعتدى عليهم…
فالخلق الحميد مع الظالم هو الشدة، وهو عين العقل والحكمة؛
والخلق الحميد مع المظلوم هو الرحمة، وهو عين العقل والحكمة.
ولو عكسنا الأمر ورحمنا مثلا الكافر الظالم لكان هذا جبنا وليست رحمة، وما استحق المسلمون الثناء من الله جل جلاله.
وتربية النشء على هذه الأخلاق والقيم وفق هذا المنهاج العادل هو الذي من شأنه أن يصنع لنا الإنسان السوي السليم المعتدل، وهو منهاج متفق عليه بين العقلاء وأهل التربية على اختلاف معتقداتهم وانتماءاتهم، فلا تكاد تجد اختلافا فيما بينهم في أصله، وإنما قد يكون الاختلاف في تفاصيل جزئية لا تعود على أصل المنهاج بالهدم والإبطال؛ فلن تجد في أي فلسفة أو ثقافة أن خائن العهد يُرحم ، ولا أن الغاش يُكرّم، ولا أن الظالم يحتفى به، ولا أن المظلوم يدان ويهان، فإن سلوك هذا الطريق قلب للحقائق وتسفيه للعقل.
وإذا كان هذا المنهاج آنف الذكر يعد من المسلمات عند العقلاء وأهل التربية، فإن مخانيث العلمانيين لهم رأي يخالفون فيه تلك المسلمات المقررة، فلا يعرفون من منظومة الأخلاق إلا الاستسلام والتسامح والعفو، والتنازل.. وكل ما يجري في فلك هذه المعاني، ولكن بطعم الذل والعجز والهوان.
ولهذا، تجدهم اذا سمعوا في الخطاب الإسلامي الدعوة إلى تربية النشء على العزة والشجاعة، أو التربية على إحقاق الحق وإزهاق الباطل، أو التربية على مبدإ السن بالسن والبادئ أظلم، أو معاقبة الخائن واستحقاقه للإبعاد… تجدهم اذا سمعوا هذا النوع من الخطاب لا يهدأ لهم بال، ويرفعون عقيرتهم متهمين هذه الأخلاق أنها تعلم الكراهية والانتقام، وهي أخلاق مذمومة في أصلها حسب زعمهم الفاسد…
وهذا ليس صحيحا لما سبق بيانه بالحجة والبرهان، فهي أخلاق محمودة شريطة أن تُنزل على من يستحقها في الموطن الذي يناسبها.
ومن الأمثلة الني نسوقها لبيان تهافت النظر لمخانيث العلمانيين، ما قام به المدعو عصيد، إذ هاجم في شريط له محتوى درس من الدروس لمادة التربية الإسلامية لمستوى التاسع إعدادي، وزعم أن مضمون الدرس يعلم الانتقام والكراهية حسب زعمه.
وعند الرجوع إلى هذا الدرس، وجدنا أنه يتناول خلقا عظيما من منظومة الاخلاق الحميدة والقيم الصحيحة التي يجب أن نعلمه لأطفالنا وأن نربيهم عليه وان يتشبثوا به: وهو معاقبة خائن العهود وعدم التسامح معه، ذلك؛
أن يهود بني النضير -كما جاء في كتب تفسير القرآن والسير والمغازي- أعطوا عهدا للمسلمين بأن يسالموهم بعد انتصارهم في غزوة بدر؛ فلا يكونون لا معهم ولا ضدهم مع أعدائهم، ولكن يهود بني النضير خانوا العهد وتحالفوا مع كفار قريش ضد المسلمين بعد غزوة أحد، وهي خيانة عظمى وليست بالهينة، فكان من عقابهم -كما هو للائق بكل خائن- هو التهجير والإبعاد.
فأي مذمة في أن نربي أطفالنا على معاقبة خائن العهد بما يستحق، وخصوصا أن هذه الخيانة وقعت في حق المجتمع المسلم بأكمله، والتي تصنف عند العقلاء ضمن أنواع الخيانة العظمى ونقض العهود والمواثق الكبرى، فلا عاقل يمكن أن يقول خلاف ذلك إلا إذا كان في قلبه خيانة لمجتمعه ومخنثا في فكره وسلوكه.
وبناء عليه، فإن مخانيث العلمانيين -وعلى رأسهم هذا المدعو عصيد- إذا تحدثوا عن التسامح مع الآخر أو التعايش مع الآخر أو الانفتاح والحوار مع الآخر، والمقصود بالآخر طبعا هو غير المسلم أو الإنسان الغربي أو الرجل الأبيض كما يحب أن يوصف بذلك، وطالبوا المجتمع المغربي بأن يستجيب إلى دعوتهم، فهم في حقيقة أمرهم يدعون إلى خلع هوية المجتمع وترك دينه والذوبان في فكر الآخر وثقافته، وانسلاخ المسلم عن عزته وكرامته والسير بتبعية مذلة وراء الآخر.
ولك أن تتساءل أيها القارئ الكريم، أي تربية تنتظر أطفالنا مع هذا التفكير المعوج، وأي مستقبل لأولادنا ووطننا مع هذا التفكير المخنث.
(المصدر: هوية بريس)