إعداد د. زياد الشامي
كثيرة هي المحطات التي مرت بها محنة مسلمي الروهينغيا خلال السنوات الأخيرة عبر أكثر من حملة بوذية بورمية ضدهم استهدافت وجودهم وهويتهم الإسلامية , سواء من خلال عمليات التطهير العرقي وحملات الإبادة الجماعية أو من خلال حرمانهم من حق المواطنة واعتبارهم مهاجرين غير شرعيين…..وكثيرة هي المؤشرات والإرهاصات التي أكدت أن هناك مخططا بوذيا لطرد وتهجير حوالي مليون مسلم من أرضهم التاريخية وبلدهم الأم أراكان يتم تنفيذه الآن على مرآى ومسمع من العالم أجمع .
الحملة البوذية البورمية الأخيرة التي بدأت منذ 25 أغسطس الماضي وما زالت مستمرة حتى الآن أكدت المؤكد و كشفت ما كان متوقعا , فعمليات القتل والإبادة التي ينتهجها الجيش البورمي ضد مسلمي أراكان تشير بوضوح إلى ما حذر منه الناشط الروهنغي “عمران الأراكاني” من أن الهدف من ذلك هو تنفيذ مخطط ميانماري “لإخراج مسلمي الروهنغيا من إقليم أراكان وجعلها مستوطنة للبوذيين”.
الأراكاني الذي يشغل منصب نائب رئيس منظمة حقوقية محلية بالإقليم قال : إن خطة حكومة ميانمار في إقليم أراكان هي تصفية وطرد الروهينغيا لتوطين البوذيين من بنغلاديش وسريلانكا وتايلاند هناك، وبالتالي هي أصلا تريد زعزعة الأمن في ميانمار”.
وأضاف أن “حكومة ميانمار تشعل الفتنة كل سنة أو سنتين من أجل فرض المضايقات في أراكان والآن يبدو أنها تستغل هذه الأوقات من أجل تنفيذ مخططها” مؤكدا أن مسلمي الروهينغيا لن ينالوا حقوقهم إلا بأحد طريقين : إما أن تكون أراكان دولة إسلامية مستقلة أو أن تُجرى انتخابات في أراكان تحت رعاية الأمم المتحدة” .
وختم الأركاني تحذيره بالقول : “إذا ما استمرت الأحداث على ما هي عليه فإن مسلمي أراكان سوف ينقرضون وينتهون، في ظل عدم تدخل الحكومات الإسلامية والمجتمع الدولي من أجل أخذ حقوق المسلمين في أراكان”.
والحقيقة أن تحذير الأركاني بعيد كل البعد عن المبالغة أو التهويل فالأحداث التي تجري على أرض الواقع في أراكان منذ أسابيع تنذر بوقوع ما هو أخطر مما حذر منه الأركاني وغيره .
يكفي هنا أن نشير إلى الأرقام المفزعة والإحصائيات المرعبة عن هول ما يجري من جرائم وحشية وإبادة جماعية وقتل واغتصاب وحرق للممتلكات وتشريد لمئات الآلاف من المسلمين الروهينغيا هناك في أراكان .
فقد أصدر اتحاد جمعيات الروهينغيا في بورما وبنغلادش تقريرا بيّن فيه الوضع الراهن للمسلمين في أراكان الآن بعد بدء الحملة الأخيرة ضدهم والمستمرة منذ 25 أغسطس الماضي .
التقرير أكد أن عدد الشهداء قد بلغ 6334 تقريبا , بينما وصل عدد الجرحى برصاص الجيش البورمي حوالي 8349 .
كما ذكر التقرير أن عدد النساء العفيفات التي اغتصابهن قد بلغ 500 امرأة تقريبا , بينما وصل عدد قرى الروهينغيا التي تم حرقها حوالي 103 قرية وعدد البيوت المحروقة 23250 بيتا تقريبا .
وعن عدد مسلمي الروهينغيا الذين أصبحوا بلا سكن ولا وطن ولا ممتلكات أشار التقرير أن عددهم قد بلغ 335000 تقريبا , كما تناول عدد الأسر المهجرة التي وصلت إلى بنغلادش والذي بلغ 24166 أسرة , و عدد النازحين الذين وصلوا بنغلادش والذي أفاد التقرير أنه وصل إلى 145000 فرد , هذا عدا النازحين العالقين المنتظرين على الحدود الذي وصل عددهم إلى نحو 190000 تقريبا .
آخر أرقام التقرير المفجعة تناولت عدد المساجد التي هدمها الجيش البورمي حيث بلغت 250 مسجدا , كما بلغ عدد المدارس والمعاهد التي تم هدمها 80 مدرسة , ناهيك عن التنويه بأن جميع المساجد والمدارس والمعاهد التي تخص الروهينغيا قد تم إغلاقها من قبل الجيش البورمي .
إزاء هذا الواقع الذي لا تكفي كلمة خطير أو فظيع فحسب لوصفه هناك الكثير من التحديات أمام الأمة الإسلامية على مختلف الأصعدة لعل أقلها وأداناها وأكثرها إلحاحا في الوقت الراهن هو : الإغاثة العاجلة لمسلمي الروهينغيا .
أما الإدانة والتنديد واستجداء الحكومة البورمية بضرورة معالجة ملف مسلمي الروهينغيا ومنحهم أبسط حقوقهم المشروعة “المواطنة” ووقف عمليات قتلهم وإبادتهم وتهجيرهم من ديارهم ……….فلم يعد يجدي في محنة لم يزدها التنديد والاستنكار والاستجداء إلا شدة وتصعيدا من قبل الحكومة البورمية .
ما هو متداول عبر وسائل الإعلام فيما يتعلق بموضوع إغاثة مسلمي ميانمار هو انطلاق سفينة إغاثية عاجلة لكسر الحصار المفروض من قبل حكومة ميانمار على إقليم أراكان حسبما أعلن رئيس هيئة الإغاثة العالمية ممدوح بدوي .
السفينة تحمل حسب “بدوي” 2100 طن من المواد الإغاثية والطبية , والدول الداعمة لسفينة كسر الحصار هي : السعودية وماليزيا وأندونيسيا وكمبوديا وتايلاند وألمانيا وبنغلادش .
وعن الأعضاء المشاركين في كسر الحصار كشف “بدوي” أنهم 195 عضوا 27 منهم إعلاميين و33 طبيبا و16 كموندوس ماليزي لحماية السفينة مشيرا إلى أن وجهة السفينة الأولى هي مدينة “يانغو” .
من جهة أخرى أعلن رئيس “الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية” بالكويت عبد الله المعتوق اليوم الخميس إطلاق حملة إنسانية لجمع التبرعات لإغاثة مسلمي “الروهينغيا” المنكوبين في ميانمار مشددا على ضرورة السماح بفتح مكاتب للمنظمات الإنسانية والحقوقية داخل إقليم أراكان لتقديم العون والمساعدة لضحايا عمليات الإبادة التي كشفتها وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي .
كما دعا “المعتوق” جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إلى اتخاذ موقف حاسم بالضغط على السلطات في ميانمار لإيقاف تهجير المسلمين والكف عن انتهاك حقوقهم الإنسانية والسماح لهم بالعودة إلى أوطانهم ومنحهم حقوقهم التعليمية والمدنية والصحية وفق المواثيق الدولية .
وإذا كانت الإغاثة العاجلة لمسلمي أراكان هي أولى التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية الآن فإن هذا لا يعني التغافل عن التحدي الأكبر باتخاذ جميع ما يلزم لإجبار حكومة ميانمار على وقف انتهاكاتها الوحشية بحق هذه الأقلية وإلزامها بمنحهم جميع حقوقهم المشروعة .
(المصدر: موقع المسلم)