محمد بن الحسن الشيباني وقانون الحرب في الإسلام
تأليف جون كيلسي / ترجمة علاء عوض عثمان
مقدمة المترجم
(1)
لا يخفى ما تثيره قضية الجهاد والجماعات الجهادية من تساؤلاتٍ وحواراتٍ من زوايا متعدِّدة، وبخاصةٍ مع تأزُّم الوضع العربي إقليميًّا ودوليًّا، وكلما خبتْ جَذوةُ الموضوع ما يلبث أن يطفو على السطح مرةً أخرى؛ بسبب حادثة هنا أو واقعة هناك، أو لطبيعة التناول الإعلامي -بل والفني والدرامي أحيانًا- لهذا الموضوع.
أما من الناحية الفكرية، فقد كثُرت الإسهامات التي تقارب فكر «القاعدة» بوصفها إحدى أهم الجماعات الجهادية التي ظهرت على الساحة إبَّان الحرب الأفغانية في القرن الماضي، وامتدَّت تلك المشاركات بامتداد حالة «القاعدة» وتطوُّرها إلى أشكالٍ أكثر تعقيدًا مثل تنظيم «داعش».
يقدِّم الباحث في هذه الورقة مقاربةً منهجيةً مختلفةً، يتغيَّا فيها إبراز التباين بين تقرير قادة «القاعدة» وبين أحد أهم النصوص التي اتكؤوا عليها لتقديم مبرراتٍ لأعمالهم العسكرية.
وهذا النص الذي اعتمد عليه الباحث في هذه المقاربة هو كتاب «السِّيَر» للإمام محمد بن الحسن الشيباني الحنفي (189هـ)، وهو من أهمِّ النصوص التي وصلتنا وأقدمها، والتي خُصِّصت لتناول موضوع الحرب وأحكام الجهاد في الإسلام، ورسم العلاقات مع غير المسلمين بكل أنواعهم. ويرجع الاهتمام الغربي بنصِّ «السِّيَر» ويعود الفضل فيه إلى الباحث العراقي الدكتور مجيد خدوري، الذي درس هذا النصَّ وترجمه إلى اللغة الإنجليزية في أواخر ستينيات القرن الماضي.
(2)
أما الباحث فهو البروفيسور جون كيلسي، الأستاذ بقسم دراسة الأديان بجامعة فلوريدا، له العديد من المؤلفات والأوراق العلمية التي تدور في فلك علم الأخلاق المقارن والدراسات السياسية والإسلامية.
وقد بدأ كيلسي ورقتَهُ بمقدمة أبانَ فيها عن الخلط الحاصل في مصطلح الجهاد لدى الغربيين، وربطه حصرًا بالحرب المقدَّسة، على حدِّ تعبيره. ثم عرَّج على التعريف بمحمد بن الحسن الشيباني وموقعه من العلم، ومن ثَمَّ بدأ الحديث عن محتوى نصِّ «السِّيَر» وبيان منهج الأئمَّة أبي حنيفة وأبي يوسف والشيباني، من خلال مقتطفاتٍ يستشهد بها ويعلِّق عليها، ويخلص من خلالها إلى محددات مفهوم الحرب العادلة وأسبابها عند متقدمي فقهاء الحنفية. ثم علَّق على الإعلان العالمي الذي أصدرته «القاعدة» في تسعينيات القرن الماضي، وقدَّم تحليلًا له، كما أشار إلى مضمون رسالة «الفريضة الغائبة»، واستخرج الملامح العامَّة في النصَّيْن، وأوضح في النهاية التباينَ بين نصِّ «السِّيَر» وبين خطاب الجهاديين في النصوص المشار إليها.
(3)
بقي أن أشير إلى نقطة مهمَّة عرضت لي في أثناء عملي في ترجمة هذه الورقة، وهي متعلِّقة بنصوص «السِّيَر»، حيث اعتمد المؤلف اعتمادًا كُليًّا على النصِّ المترجَم لـ «السِّير» للدكتور مجيد خدوري، وأصل هذا النص هو كتاب «السِّيَر الصغير» لمحمد بن الحسن الشيباني، وقد نشره أيضًا الدكتور مجيد خدوري. لذا فعند استشهاد الباحث بنصٍّ من «السِّيَر» كان يحيل على الترجمة التي قدَّمها الدكتور مجيد خدوري، فترجمتي للنصِّ المترجَم من العربية لا معنى لها مع وجود النص العربي، فكنتُ أنقل النصَّ من أصل «السِّيَر» وأضيف إحالتي مع إحالة الباحث للنصِّ المترجَم، وكنت أتأكَّد من عدم وجود تباينٍ بين النصَّيْن في المعنى، وكانت كذلك في كل النصوص، فترجمة الدكتور مجيد خدوري لنصِّ “السِّيَر” ترجمة دقيقة موثوقة كما وصفها المستشرق الشهير جوزيف شاخت. وفي حالة نقل الباحث لمعنى النص استشهادًا كنتُ أترجم كلامه؛ لأنه فهمُ الباحث للنصِّ لا نَقْله له، وكنتُ أحيل أيضًا إلى أصل «السِّيَر» في المواضع التي يستشهد بها بجانب إحالته إلى ترجمة الدكتور خدوري.
وفي الختام، ينبغي أن أشكر صديقي الباحث الأستاذ إسلام مصطفى على مراجعته للترجمة وإبداء ملاحظاته القيِّمة حولها. وأرجو من القرَّاء الأعزاء أن يجدوا مادةً مفيدةً في هذه الورقة، التي أحسبها تعكس زاويةً مختلفةً من النظر تخالف المعهود في تناول مثل هذه المسائل، وإن لم يتفقوا مع بعض محتواها، كما أرجو إن عنَّت لهم ملاحظات عليها ألَّا يتردَّدوا في مراسلتي بها.
(المصدر: مركز نهوض للدراسات والبحوث)