بقلم د. زياد الشامي
كثيرة هي وسائل أعداء دين الله الخاتم للنيل من أحكامه ومحاولة تشويه حقائقه , ولا تكاد تحصى أساليبهم في الطعن بشرائع الإسلام لصرف الناس عن الدخول فيه أفواجا , بل وتشكيك أتباعه في بعض شرائعه لصدهم عن التمسك به والالتزام بأوامره ونواهيه …..
إلا أن أخبث وأخطر تلك الوسائل والأساليب , هي تلك التي يتقمص فيها كثير من الحاقدين على دين الله دور الشيطان ومهمته بإغواء بني آدم وصدهم عن طاعة الله وإغرائهم بمعصيته , حيث يزين لهم الباطل ويزخرفه , ويشوه لهم الحق ويسوده , وهو يتدثر أثناء ذلك بدثار الغيرة على مصلحة الإنسان ومنفعته , قال تعالى : { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى } طه/120 , وقال تعالى : { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ …. } الأعراف/20-21 .
هذا تماما ما حاول رئيس الوزراء الهندي الهندوسي “ناريندرا مودي” أن يفعله مع مسلمي الهند , حيث تقمص الأخير دور الغيور على المرأة المسلمة وحقوقها , والحريص على استقرار حياتها الزوجية , في الوقت الذي تدل أفعاله وممارساته مع المسلمين منذ توليه رئاسة الحكومة الهندية أنه من أشد المسؤولين الهندوس عداء للإسلام , ومن أكثرهم عملا لطمس الهوية الإسلامية في البلاد وانتقاص حقوق المسلمين فيها .
فقد زعم “مودي” أن ما سماها “عادة طلاق الثلاث” التي تتيح للرجال المسلمين الانفصال عن زوجاتهم إلى غير رجعة بمجرد التلفظ بكلمة طالق ثلاث مرات ….. تنطوي على تمييز ضد النساء على أسس دينية !!
وقال مودي خلال تجمع في ولاية “أوتار براديش” والتي تعتبر أكبر ولايات الهند من حيث التعداد السكاني إذ يعيش فيها مئات مليون نسمة يشكل المسلمون 20 % منهم وتقع في الشمال : “ما الجريمة التي اقترفتها أختي المسلمة لتدمر حياتها بالكامل عند سماعها عبر الهاتف كلمة “طلاق” ثلاث مرات؟”.
وأضاف في خطاب متلفز: “يجب عدم السماح بأي ظلم في حق أمهاتنا وأخواتنا باسم الدين أو الجماعة” , مشيرا إلى أن “من واجب حكومته التأكد من عدم المساس بحقوق النساء في الهند” , قائلا : “علينا عدم الوقوف عند الدين عندما يتعلق الأمر بحماية النساء”.
إن من يستمع لكلمات “مودي” هذه يظن أنه رئيس منظمة حقوقية للدفاع عن المرأة المسلمة على وجه الخصوص , بينما الحقيقة التي تثبتها الحقائق والوقائع أنه المسؤول عن مجزرة فظيعة ضد المسلمين في ولاية “غوجارات” الهندية عام 2002م وذهب ضحيتها الآلاف , وكان “مودي” حينها رئيس حكومة تلك الولاية .
وبعيدا عن تاريخ الرجل الدموي مع مسلمي الهند وسجله الأسود مع حقوقهم المشروعة , فإن النقطة التي حاول من خلالها التشكيك بأحكام الإسلام وتشريعاته ليس فيها ما يبررها أو يدعمها , فتنوع الاجتهادات الفقهية في الشريعة الإسلامية المستندة إلى دليل صحيح من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة , قد أبعدت الضيق والحرج عن المسلمين , وجعلتهم في سعة من أمرهم .
ومن المعلوم أن فقهاء الإسلام قد اتفقوا على أن الطلاق السني هو الذي يطلق فيه الرجل زوجته مرة واحدة في المجلس وتكون زوجته على طهارة لم يجامعها فيه , وأن تطليقها ثلاثا في مجلس واحد مخالف لما جاء به الكتاب والسنة ويسمى “بدعي” .
أما مسألة وقوع طلاق الثلاث في مجلس واحد , فرغم أنه يقع عند جمهور الفقهاء ومنهم أئمة المذاهب الأربعة ، إلا أن اجتهادا آخر يستند إلى دليل معتبر من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يقول : إن طلاق الثلاث بمجلس واحد لا يقع إلا طلقة واحدة , وقد ذهب إلى هذا الاجتهاد بعض العلماء واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقواه .
بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن هذا القول هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة , واستدل على ذلك بحديث عكرمة عن ابن عباس قال : “طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني المطلب امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً قال: فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف طلقتها ؟) قال: طلقتها ثلاثاً، فقال : (في مجلس واحد؟ ) قال: نعم. قال: ( فإنما تلك واحدة فأرجعها إن شئت ). قال: فكان ابن عباس يرى أن الطلاق عند كل طهر . الفتاوى ج 33 ص 8
ومن هنا يمكن القول بأن اجتهادات علماء الإسلام الثقات المستندة إلى دليل معتبر قد أغلقت مثل هذه الأبواب التي يحاول أعداء الإسلام التسلل من خلالها للنيل منه ومن أحكامه , بدعوى انهم حريصون على حقوق المرأة المسلمة !!
لا شك أن المدقق بكلام “مودي” حول مسألة انتقاده طلاق الثلاث في مجلس واحد يستطيع أن يقرأ نواياه الخبيثىة من وراء ذلك , فهو يريد أن ينتزع حق المسلمين الذي يكفله الدستور هناك بالاحتكام إلى قانون الأحوال الشخصية تبعا لدينهم الإسلام , واستبداله بقانون أحوال شخصية مدني يفرض على الجميع .
المصدر: موقع المسلم.