مقالاتمقالات المنتدى

محاولات اقتحام اليهود المسجد الأقصى في 28 رمضان 1442هـ وما تبعها من أحداث

محاولات اقتحام اليهود المسجد الأقصى في 28 رمضان 1442هـ وما تبعها من أحداث

 

بقلم د. محمد يسري إبراهيم (خاص بالمنتدى)

 

الحمد لله رب العالمين وصلَّى الله وسلَّم وبارك على قائد الغرِّ المحجلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإنَّا قد تابعنا مع العالم بأسره أحداث ما جرى بفلسطين الحبيبة من محاولات اقتحام المغتصبين اليهود للمسجد الأقصى أواخر رمضان 1442هـ، وما تبع ذلك من تصدي جموع المصلين والمعتكفين لمحاولات انتهاك المسجد وتدنيس حرمته.

وما أعقبه من حصار الجيش والشرطة للمسجد وأهله، واستغاثة أهل الأقصى وبيت المقدس بالعالم الإسلامي، واستجابة أهل غزة الأبية لنداء الأقصى، وتعنت الصهاينة في رفع الحصار، وإصرارهم على تمكين المغتصبين من المسجد الأقصى في رمضان، واقتحامهم له بقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، وإنذار المقاومة الفلسطينية لليهود برفع الحصار وانقضاء المهلة بلا نتيجة، وما تبع ذلك من إطلاق صواريخ العزة من غزة، وما قابل به العدو ذلك من الهجوم على قطاع غزة بأكمله، وقصفه بالطائرات والدبابات بكل قسوة وعنف، ما أدى إلى سقوط ألف وخمسمائة في مناطق فلسطين المختلفة ما بين شهيد وجريح!

وبإزاء تلك الأحداث الأليمة فإننا نذكر بالقضايا الآتية:

أولاً: ماذا تعني قضية فلسطين والأقصى للأمة اليوم؟

إن قضية فلسطين وتحرير المقدسات بالأرض المباركة تعتبر أولى قضايا الأمة الإسلامية، وأكثرها خصوصية ومركزية، وذلك لارتباطها بقبلة المسلمين الأولى ومسرى نبيهم ﷺ، ومبدأ معراجه، والأقصى شديد الارتباط تاريخياً ومصيرياً بالمسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي بالمدينة.

وقد ارتبط العدوان على الأرض المباركة بمشاريع صهيونية، انطلقت من عقائد دينية باطلة ورؤية سياسية شاملة، وقد حظيت بدعم صليبي وإسناد سياسي غربي، يمتد لنحو قرنٍ من الزمان اليوم!

ومن أسف فقد أثبتت الدول العربية القومية على الساحة السياسية والعسكرية فشلاً ذريعاً في قضية فلسطين، بما في ذلك مشروع السلام المزعوم، والذي انتهى إلى تركيع كثيرٍ من تلك الدول عبر ما سمي بالتطبيع.

لينتهي الأمر اليوم إلى إعلانهم القدس عاصمة أبدية موحدة للكيان الغاصب، تمهيداً للانطلاق نحو مشروع تهويد القدس، وتهجير المقدسيين، والتوسع في بناء المستوطنات، وضمِّ الضفة الغربية ومرتفعات الجولان، وتصفية القضية عبر صفقة القرن الإبراهيمية، وتهيئة وطن بديل في سيناء أو في غيرها، وبناء الهيكل على أنقاض المسجد، ومن ثم إعلان إسرائيل الكبرى، والمضي قدمًا في احتلال المنطقة العربية في قرارها السياسي والسيادي؛ لينتقل الاستهداف من الشعب الفلسطيني إلى شعوب المنطقة العربية بأسرها، وبخاصة أهل السنة!

لأجل ذلك كله فإن قضية فلسطين هي قضية كل مسلم، فردًا كان أو جماعة أو دولة.

وفراغ الساحة السنية اليوم من مشروع شامل يضاعف من خطورة المشاريع المعادية والمتحالفة ضد السنة وأهلها، لا يستثنى من ذلك المشروع الصهيوني أو الصليبي أو الرافضي أو العلماني.

ثانياً: رسالة إلى الأمة في فلسطين الأبية:

إن أهل فلسطين الأباة هم أهل الرباط والجهاد، وهم ممن عنى النبي ﷺ بقوله: «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ.

قال عمير: فقال مالك بن عامر: قال معاذ وهم بالشأم، فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذاً يقول: وهم بالشأم»([1]).

وفي بعض روايات الحديث: «قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ»([2]).

فأهل فلسطين اليوم في جهاد يدفعون به عن الدين والعرض والأقصى، فهم ينوبون عن الأمة اليوم في حماية الأقصى، في بأسٍ شديد وثباتٍ أكيد، يجتمع في هذا الجهاد الشباب والشيوخ والرجال والنساء، وقد سطروا بأحرف من نور فصول التضحية والفداء والصبر على البلاء.

ومهما عظم كيد الكفار ومكرهم فهم في تباب وضلال، وإلى زوال، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.

وقد قال الحق تبارك وتعالى:

إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌۭ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌۭ يَفْرَحُوا۟ بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـًٔا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌۭ
(3 : 120)
[آل عمران: 120].

وليس من وصية لأهلنا في أرض الرباط إلا بتقوى الله تعالى في السر والعلن، وتصحيح وإصلاح ما بين العباد ورب العباد، وإخلاص النية لرب العالمين، مع التوكل والصبر، فهذا أعظم ما يستمطر به النصر، قال تعالى:

وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحْزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
(3 : 139)
[آل عمران: 139].

ثم إن الأمة من ورائكم بدعمها ودعائها، وقد قال تعالى:

لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍۢ مِّن سَعَتِهِۦ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُۥ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَا ۚ سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍۢ يُسْرًۭا
(65 : 7)
[الطلاق: 7]، فأبشروا بالخير عاجلًا وآجلًا!

وكما وجبت التحية لأهل القدس فقد وجبت لأهل الداخل الفلسطيني وعرب 48 وسكان المدن المختلفة، من اللدّ إلى حيفا ويافا وعكا، وغيرها ممن لم يقبلوا أن يعطوا الدنية في دينهم ولا من أمتهم.

ثالثًا: رسالة إلى أبطال الجهاد والمقاومة:

إن الأمة بعلمائها وعامها يحيون أبطال الأمة المجاهدين بفلسطين، من أحيوا بجهادهم أمة الملياري مسلم، قبل أن يحيوا القضية الفلسطينية، الذين قرروا بصمودهم ألا بقاء لدولة الاحتلال في فلسطين!

وأنه طال الزمان أم قصر فإن للحق عودة إلى أهله، بعز عزيز أو بذل ذليل.

لقد أصاخ العالم سمعه لهم وهم يقولون: «نحذر الاحتلال من التمادي في عدوانه، وقد آن الأوان أن يدفع فاتورة الحساب».

أو وهم يقولون: «متمسكون بحقنا في الرد، وصد العدوان، وحماية مصالح شعبنا طالما استمر الاحتلال في تصعيده وعدوانه».

ثم ما لبث أن وفوا بما قطعوا على أنفسهم من وعود وعهود، وتحولت حجارة عام 1987م إلى صواريخ تطال جميع الأراضي المحتلة، وطائرات مسيرة تحلق في أجواء فلسطين بأسرها، وتضرب العدو في الأهداف المرسومة لها بدقة!

لقد نادت القدس والأقصى ولبت غزة النداء، برغم التضحيات والآلام والشهداء، الذين قضوا في سبيل الله.

وَلَا تَهِنُوا۟ فِى ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا۟ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
(4 : 104)
[النساء: 104].

وإن التحية والدعاء بالرحمة والقبول لشهداء غزة من القادة المجاهدين، ومن المدنيين لحقٌ لهم على الأمة الإسلامية، قال تعالى:

وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۢا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
(3 : 169)
[آل عمران: 169].

وفي المقابل فقد مني العدو بقتلى وجرحى لا يعلم عددهم إلا الله، وقد قال مدير مستشفى هداسا في الأراضي المحتلة: «قتلى ومئات الجرحى الإسرائيليين بفعل صواريخ غزة اليوم، والحكومة تكذب على شعبها!».

رابعاً: رسالة إلى الأنظمة العربية:

إن فلسطين وقضيتها أمانة في أعناقكم بما توليتم من أمور المسلمين، وقد أوجب الله عليكم تحريرها بجهاد عسكري وسياسي وإعلامي، وما تزال كلمات كثير منكم ومؤتمراتكم وفتاوى مؤسساتكم الدينية توجب عليكم السعي لاستنقاذ الأقصى الأسير، وتدعوكم إلى إمداد المقاومة وإعانتها بكل سبيل، والله تعالى من قبل ومن بعد قد أوجب عليكم تولي المؤمنين، فقال:

إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمْ رَٰكِعُونَ . وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَٰلِبُونَ .
(5 : 55-56)
[المائدة: 55 – 56].

ثم نهاكم عن تولي أعدائكم من اليهود والنصارى، فقال سبحانه:

وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَٰلِبُونَ
(5 : 56)
[المائدة: 56].

إن الصدق في نصرة قضية فلسطين لا يكون بإدانات لفظية، وكلمات جوفاء لا حقيقية لها ولا أثر على الأرض، ولا يكون بالصمت المخزي، فضلاً عن أن يكون بالانحياز للجلَّاد على حساب الضحية!

لقد قدمت الجامعة العربية نموذجاً كاملا للفشل في نصرة القضية الفلسطينية، حتى إن أمينها العام لم يزد عن قوله: «إن الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة عشوائية وغير مسئولة!!».

فهل كان المطلوب أن تكون أكثر دقة في استهداف المجاهدين والمقاومين؛ لأن عشوائيتها تضر بسمعة اليهود الغاصبين، وتحرج المطبعين حقيقة وحكمًا من الأنظمة العربية؟!

إن العالم يرصد أن إعلامكم وكُتَّابَكم عبر عقود أشاعوا كذباً وزوراً أن الفلسطينيين باعوا أرضهم، وأن نصفهم عملاء لإسرائيل، وأن منهم من يُظهِر اليوم شماتة بأهلنا في فلسطين، ولا يتوقفون عن عيب وهمز ولمز للمقاومة، ويعتبرون أن هذه المقاومة هي سبب إراقة الدماء، ويدعمون كل مشروع للجبن والخور وتخذيل أصحاب الحق عن المطالبة بحقهم.

ومن المؤسف أن تتحول الأنظمة العربية من طرفٍ أساسي في مواجهة العدو إلى مجرد وسيط بين العدو وفصائل المقاومة!

وربما كان بعض هؤلاء الوسطاء له هوى مع العدو! ويتحرك بأجندة أو أوامر غربية!

إنه بالرغم من المجازر والمآسي بقيت أنظمة التطبيع متشبثة به!

ولم تزد تلك الدول على ترديد عبارة: «إن المجتمع الدولي عليه أن يتدخل للتهدئة فحسب!»، وهي نفس عبارات الدول الغربية الداعمة للاحتلال سواءً بسواء!

إن هذا المسلك مؤذن بتجاوز الأمة لتلك الحكومات التي لا تمثلها في هذه القضية، وفي قضايا أخرى كثيرة.

خامساً: رسالة إلى الأمة جمعاء:

إن قضية فلسطين هي قضية الأمة العربية والإسلامية العادلة، ودعم أهل فلسطين الذين ثاروا ضد الظلم والاحتلال دعم واجب بالشريعة الإسلامية، التي أجمع علماؤها على وجوب دفع العدو الصائل على المقدسات والحرمات والأرض والعرض.

فخوض معركة الأقصى والذود عن القدس وغزة بكل ما يندفع به شر العدوان واجب على كل مسلم بحسب قدرته، فمنا من يدفع بيده ومنا من يدفع بماله، ومنا من يدفع ببنانه، ومنا من يدفع بلسانه، وكلنا يدفع بعد ذلك بدعائه.

فالأمة مدعوة لأن تأخذ بزمام المبادرة في نصرة قضيتها، وإنهاض جهاد أهل الأرض المحتلة، وإثارة قضيتهم في كل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ومخاطبة كل من ترتجى نصرته في أن يمد يد النصرة، فمن حق الأقصى وبيت المقدس ألا تبخل الأمة المنصورة عليه بكل قوة مانعة وقدرة دافعة.

والله تعالى قد قضى في كتابه فقال:

إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلْأَشْهَٰدُ
(40 : 51)
[غافر: 51].

وما لهذا النصر من سبب سوى

وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَىْءٍۢ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ
(8 : 60)
[الأنفال: 60].

وليس له من شرط سوى

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
(47 : 7)
[محمد: 7].

والحمد لله رب العالمين

وكتبه د. محمد يسري إبراهيم

الدوحة، قطر

4/10/1442 هـ – 16/5/2021 م

([1]) أخرجه البخاري (3641).

([2]) أخرجه أحمد (22320).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى