مجمع الفاتيكان الثاني غير قابل للنقاش
د. زينب عبد العزيز
بهذه الصراحة الصارمة القاطعة لأي لبس، أعلن البابا فرانسيس، في لقائه الدوري يوم السبت، 30 يناير 2021، الذي اجتمع فيه مع إدارة المكتب الوطني للتبشير التابع للمؤتمر الأسقفي الإيطالي، قائلا بوضوح شديد الحدة: “المجمع الفاتيكاني الثاني هو قائد العقيدة الكنسية”! وهو العنوان المتصدر لموقع الفاتيكان الإخباري “media.presse.info”.
وهي أول مرة يتم فيها الإعلان بهذه الصراحة عن حقيقة الوضع بالنسبة لتنفيذ قرارات ذلك المجمع الذي خرجت فيه الكنيسة عن دينها. فبعد الفي عام تقريبا من نسجها للمسيحية، قامت بتبرئة اليهود من دم المسيح. وهو ما أدي إلى ما أطلقوا عليه عبارة “النزيف الصامت للكنيسة”، من كثرة من تسللوا منها “على أطراف أصابعهم” حتى من الكنسيين، كما قالت الصحف آنذاك، بعد أن شاهدوا بأعينهم كيفية التلاعب بالعقيدة في سبيل الأهواء السياسية للتصالح مع اليهود لتكوين جبهة مشتركة يمكنها التصدي للإسلام.
وكان ذلك الاجتماع الذي تم منذ أيام، بسبب الخلافات الحادة الجارية حاليا بين الكنيسة في كل من ألمانيا وإيطاليا. وأثناء طلبه لعقد مؤتمر قبل أن تعقد ألمانيا مؤتمرها لتعترض فيه على ما أطلقت عليه “شطحات الفاتيكان وانفلاته بعيدا عن العقيدة”. كما أوضح البابا في عبارة لها معناها الكنسي:
“الإيمان يجب عرضه ونقله بالعامية.. العامية التي يفهمها الجميع في كل مقاطعة وفي كل بلد.. عامية التقارب، عامية التفاهم، العامية الحميمية”.
ولم يكف البابا عن الترديد في ذلك الاجتماع المتعلق بضرورة عمل سينودس إيطالي لحسم كل الخلافات بين الكنائس المنشقة من جهة، كما طالب البابا “بعدم التنازل لكل الذين يجاهدون لتقديم تعاليم لا تتفق مع قيادة الكنسة العليا”. ومن جهة أخري أوصي بالسير نحو مزيد من الانفتاح على العالم للقيام بتنفيذ كافة قرارات مجمع الفاتيكان الثاني (المنتهي 1965)، “شريطة أن يتم ذلك بالتدريج الناعم”. أو بعبارة أخري: “بالتسلل البطيء”، كما يقولون في العديد من المواقع والجرائد الكنسية. وهو الأسلوب المتّبع حاليا في عملية التبشير الجارية في العالم الإسلامي وخاصة في كل الشرق الأوسط، خطوة خطوة.. فهي حرب صارمة، خرساء، لا نقاش فيها، ولا يعنيهم الزمن، فالأهم من الزمن وطول المدة هو ألا ينقطع الخيط.. خيط التبشير أو يتوقف..
وكل ما كان يخشاه البابا بالتعجيل بعمل هذا الاجتماع، التصدي لرغبة ألمانيا في عقد مجمع يتخذ قرارات جذرية بدون موافقة الفاتيكان، بل وضد رغبته المتزايدة في الانفتاح حتى علي الخارجين عن تعاليم العقيدة، وذلك بتعيين مزيد من السيدات في الكادر الكنسي، ومنع الإجهاض لزيادة التعداد، ومزيدا من الانفتاح في تقبل الشواذ بمختلف أنواعهم وفرقهم! لذلك أعلن للحضور بكل وضوح: “مجمع الفاتيكان الثاني لا نقاش فيه وهو قيادة الكنيسة دينيا ومنهجيا”.
ثم أعلن موجها خطابه لعامة الحضور قائلا: “إما أن تظلوا مع الكنيسة وبالتالي تتبعوا قرارات المجمع الفاتيكاني الثاني، وإما لا تتبعوه أو تتركوا قراراته على هواكم، كما تشاؤون، لكن في هذه الحالة لن تكونوا مع الكنيسة”! ثم أسكت أحد الحضور بحدة قائلا:
“في مثل هذه المسائل لا بد من الإصرار والصرامة”. ثم أضاف بمزيد من الحدة، موجها خطابه إلي فريق الألمان البروتستانت: “لا، مجمع الفاتيكان الثاني هو كذلك. وهذه المشكلة التي نعلمها والقائمة على الانتقاء من قرارات ذلك المجمع، التي تكررت عبر التاريخ في مجامع أخري، فلا تنازلات مع الذين يحاولون تفسير ديني لا يتفق مع القيادة الكنسية”. وحسم الموقف معلنا:
“لا نقاش في قرارات مجمع الفاتيكان المسكوني الثاني”.
ولمن لا يتذكر هذه القرارات، على الرغم من كتابتها وتكرارها حتى الملل.. بل حتى ملّ التكرار مني، فهي باختصار شديد فيما يعنينا:
* اقتلاع اليسار في عقد الثمانينات، وقد تم فعلا بالتضامن بين الفاتيكان والبابا يوحنا بولس الثاني وحزب تضامن الذي أنشأه خصيصا لذلك، وريجان كقوة عسكرية، وجورباتشوف كعميل من الداخل. وأكتبها لأوضح كيف أنهم يخططون وينفّذون، بينما نحن متغافلون، أو متواطئون جهلا أو عن عمد.
* اقتلاع الإسلام حتى تبدأ الألفية الثالثة والعالم كله قد تم تنصيره. وأثناء انعقاد المجمع، تم إنشاء لجنة للحوار بين الأديان، ولجنة لتنصير الشعوب، واللجنتان بقيادة البابا. أي أنها قرارات تنفيذية فورية.
وحينما بدأت الألفية الثالثة ولم يتم تنصير العالم، أسند مجلس الكنائس العالمي إلى الولايات المتحدة قرارا بتنفيذ عملية اقتلاع الإسلام، وأطلقوا على هذا القرار “اقتلاع محور الشر”، الذي هو الإسلام في نظرهم، وأمهلوا الولايات المتحدة عشرة أعوام لتنفيذ هذا القرار. وفي سبتمبر من نفس العام الأول للألفية الجديدة تمت الجريمة المتفردة في ضلالها واجرامها، والتي أطلقوا عليها تاريخها: 9/11.. أو الحادي عشر من سبتمبر 2001. ومنذ ذلك الوقت تم إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين، بعد العثور على جواز سفر أحمد عطا سليما معافا على قمة أنقاد برج التجارة العالي.. وتواصلت الأحداث.
ويتواصل التنصير بالتسلل البطيء.. والتواطؤ، جهلا أو عن عمد.. فغدا يتم الاحتفال رسميا وكنسيا وعالميا بيوم “الأخوة الإنسانية”.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)