مجاهدة النفس خلال شهر رمضان… وسائل وثمار!!
بقلم كارم الغرابلي
شهر رمضان المبارك هو شهر الجهاد ومدرسة ربانية يتدرب فيها المسلم على محاسبة نفسه، والانتصار على شهواته، وجيوش الشياطين التي تصفد بالسلاسل مع بداية الشهر الكريم.
فالصوم يقوّي الإيمان، ويعلّي من الهمة والإرادة والعزيمة، حيث خلق الله الانسان مجبولاً على حب الشهوات، ومنفطراً على الانغماس في الملذّات والشهوات، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، فيشفعان) (روه الحاكم).
ومع بداية الشهر الكريم، كيف يمكن للصائم أن يجاهد نفسه ويمنعها عن المعاصي وحب الشهوات؟ وما وسائل تحقيق ذلك؟ وماهي ثمار مجاهدة النفس خلال شهر #رمضان؟ وما الأسباب التي تعين الصائم على مجاهدة النفس؟
رمضان فرصة للاجتهاد:
في هذا الإطار، قال الشيخ والداعية لدى وزارة الأوقاف بغزة “محمد العكلوك”: إن شهر رمضان فرصة ثمينةٌ للعابدين، ومنحةٌ عظيمةٌ للمؤمنين، وغنيمةٌ باردةٌ للصائمين، تحتاج إلى تشمير عن ساق الجِدّ، ومنافسة أهل الطاعات في سوق الاجتهاد.
وأضاف العكلوك لـ”بصائر”: لقد خلق الله الإنسان مجبولاً على حب الشهوات، منفطراً على الانغماس في الملذات، فكان لزامًا على سالكي الطريق المستقيم مجاهدة النفس الأمارة بالسوء، وحفْظ الجوارح المنشغلة بالملهيات، ومعالجة النية التي عليها صلاح القلب قبل الجوارح، مشيراً إلى قول “سفيان الثوري” رحمه الله: (ما عالجت شيئاً أشدّ عليّ من نفسي، فمرة لي و ومرة عليّ).
وأشار إلى أن الله تعالى أكرم المؤمنين والمسلمين بإدراك شهر عظيم، تضاعف فيه الحسنات، وترفع الدرجات، وتعظم الهبات وتكثر النفحات، وتغفر السيئات، وتمحى الخطيئات، وتبدل إلى حسنات، تفتّح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفّد الشياطين.
وتابع: “ولذلك لابدّ لصاحب الإيمان من مجاهدة نفسه في رمضان؛ لينتصر على الشيطان، ومن اغتنام الأوقات؛ لينال رضا الرحمن، ويحرص على استغلال مواسم الخير؛ ليعْظُم قدره في الجنان -مشيراً إلى- أن الله وصف رمضان بقوله: {أياماً معدودات}، في إشارة إلى سرعة انقضائها، وعجلة انصرامها، تاركةً خلفها حسرة في قلوب الكسالى، وندامة في أفئدة المقصرين، وسعادة في أيام المغتنمين”.
وأكّد على ضرورة أن يجاهد المؤمن نفسه على الطاعات، والمنافسة الحميدة في العبادات طيلة أيام العام، ويخصّ رمضان بمزيد اجتهاد واهتمام ما استطاع إلى ذلك سبيلًا -مضيفاً- “ما أجمل الاستجابة لقول الملائكة في رمضان: “يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر”.
وأوضح أن من هَدْي النبيّ صلى الله عليه وسلم اجتهاده في أيام رمضان ما لا يجتهد في غيرها ، ويقوم بالناس، ويُحْيِي ليله، ويُوقِظُ أهله، ويشدّ المئزر، ويعتزل النساء، وكان أجود ما يكون في الصدقات، حتى شبّهه “ابن عباس” بـِ “الريح المرسلة”.
وسائل وأفكار:
ومن الوسائل المعينة على مجاهدة النفس في رمضان، أشار إلى النية الصادقة، والعزم المتين على الطاعة والعبادة، لقوله تعالى: {فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم} [محمد،21].
وشدّد على أهمية كثرة الاستغفار؛ لأنه محّاءٌ للآثام، شارحٌ للصدر، معينٌ على الطاعة والصيام والقيام وصلة الأرحام، لافتاً إلى أهمية استحضار عظمة الذنب والخطيئة في هذه الأيام الفضيلة؛ لأن السيئات تعظم في مواسم الخير كما تعظم الحسنات.
ولفت إلى ضرورة الالتجاء إلى الله في الدعاء بأن يعين ويوفق إلى الطاعة والعبادة، فالدعاء من أنفع الأدوية وأقوى الأسباب إلى جانب مرافقة العلماء والصالحين، فهم خير معين على طاعة رب العالمين، وقد قال الله على لسان موسى: {هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً} [طه،آية:30].
وأكد على أهمية تغيير الإِلْف المعهود في العبادة اليومية، بتخصيص وقت لقراءة القرآن، وآخر للأذكار، وآخر لصلة الأرحام، وآخر للتسوق وشراء الضروريات من الحاجات.
ثمرات محاسبة النفس:
من جهته قال الشيخ والداعية “صقر أبو هين”: “إن النفس البشرية ضعيفة وتحتاج إلى المجاهدة الدائمة”، لافتاً إلى أن الشيطان لا يكلّ ولا يملّ من اختراق قلوب العباد، وبث وساوسه الشيطانية، مستدلاً بقول “سبرة بن أبي فاكه” رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الشيطان يقعد لابن آدم بأطرقه، قعد في طريق الإسلام) (رواه النسائي والطبراني وأحمد).
وأوضح أن المجاهدة تتجلى في الصيام في الشهر المبارك أكثر من غيرها من العبادات الأخرى؛ لأن المؤمن في رمضان يجاهد نفسه عن سائر المفطرات، ويكبح شهواته ونزواته، ويرى الطعام والشراب ولا يأكله؛ ابتغاء رضوان الله تعالى.
وقال: “من جاهد نفسه وأحسن جهادها، هداه الله إلى أحسن السُبل، وأكرمه بالسير على أفضل الطرق، قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [ العنكبوت،آية:69]؛ ليظفر بالفرحتين: “فرحةٍ عند فطره, وفرحةٍ عند لقاء ربه”.
وعن الثمار التي يمكن أن يجنيها الصائم من مجاهدة نفسه خلال رمضان أكّد “أبو هين” أنه بغير مجاهدة لا يمكن للإنسان أن يثبت أمام الفتن، والشعور بطمأنينة القلب وهدوء النفس، لقول الله تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد،آية:28].
وأشار إلى أن جهاد النفس يهدي إلى سبيل الله والثبات على الحق، مستدلاً بقوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} [العنكبوت،آية:69]، لافتاً إلى أن تطهير النفس وصلاحها يساعد على ترقيتها من حال إلى حال أفضل.
ولفت إلى أن مجاهدة النفس خلال شهر رمضان المبارك يخضعها لطاعة الله، وإبعادها عن الشهوات وملذّات الدنيا، إلى جانب تعويدها على الصبر عند الشدائد على الطاعات، والوصول إلى رضوان الله تعالى، وقمع الشيطان ووساوسه.
(المصدر: موقع بصائر)