مجازر ضد المسلمين في مالي.. ما مدى تورط القوات الأممية؟
إعداد (الخليج أونلاين)
أعادت المجزرة المروعة التي استهدفت إحدى قرى قومية “الفولاني” المسلمة بوسط جمهورية مالي، في 23 مارس الماضي، الجدل مجدداً إلى دور القوات الأجنبية والمليشيات المسلحة المنتشرة في الدولة الأفريقية متعددة القوميات، والتي تعاني الصراعات الأهلية والفقر.
وقتل نحو 150 من المسلمين، كما سقط جرحى، في هجوم مسلح استهدف رعاة الماشية من قومية الفولاني المسلمة في وسط مالي، في 23 مارس الماضي.
ويرى عدد من المختصين والمتابعين للشأن الأفريقي، أن مجزرة قرية “أوغاسوغو” كانت نتيجة طبيعية للتحريض والشائعات ضد “الفولاني”، الذين يرفضون التخلي عن قيمهم الاجتماعية المحافظة، باعتبارهم يمثلون الحاضنة الشعبية للجماعات الجهادية، التي تشن حرب عصابات على القوات المالية والقوات الأجنبية في البلاد.
وحمل آخرون مسؤولية هذه المجزرة المروعة “للسياسات الرسمية التي اعتمدتها الحكومات المالية، والجيش المالي”، مؤكدين أن الحادثة لم تكن معزولة عمّا سبقها من أحداث وتطورات.
وما زالت “الفولاني” تلزم أطفالها بالذهاب إلى مدارس تعليم اللغة العربية والقرآن قبل أي شيء آخر، والكثير منهم يكتفون بذلك، رافضاً التعامل مع المدارس النظامية باعتبارها تشكل رافداً للذهنية الاستعمارية.
سياق المجزرة
صبيحة الثالث والعشرين من شهر مارس الماضي، أفاق الماليون على أخبار مجزرة حصدت أكثر من مئة وخمسين قتيلاً من الفولاني القاطنين في قرية “أوغوساغو” الريفية التابعة لمدينة ” موبتي” وسط البلاد.
وأشاعت الأخبار الواردة عن بشاعة المجزرة الصدمة والهلع بين الماليين، والاستنكار والشجب من دول الجوار ومن شعوب دول غرب وشمال أفريقيا.
وسارعت قيادات عسكرية مالية، قبل إجراء أي تحقيق، إلى تحميل المسؤولية عن المجزرة لصيادين تقليديين من قومية “الدوغون” الذين يعيشون صراعاً منذ مدة طويلة مع الفولاني على الأراضي في الوسط، غير أن متابعين للشأن المالي يرون أن مجزرة “أوغوساغو” ليست معزولة عمّا أحاط بها من تطورات.
ويرى عبد الله ممدو با، المستشار الإعلامي للرئيس الموريتاني السابق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله، في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: “أن الحكومات المالية المتعاقبة، ونتيجة لعجزها عن بسط الأمن على كامل أراضي البلاد المترامية الأطراف، دأبت على إنشاء مليشيا من القوميات التي تقبل أن تكون تابعة لها، لتصفية الحسابات مع القوميات المتمردة، خاصة من العرب والطوارق والفولاني”.
واعتبر ممدو با أن “المجزرة الجديدة ليست سوى واحدة من سلسلة مجازر تصاعدت وتيرتها منذ نهاية العام 2012، بعيد نجاح القوات التي تقودها فرنسا في طرد الجماعات الجهادية من إقليم (أزواد) شمالي البلاد، وما رافق ذلك من عودة الجيش المالي إلى منطقة وسط وشمال البلاد بعدما هجرها لفترة طويلة”.
وصاحب عودة القوات المالية إلى الشمال موجات من الشائعات والتحريض، نتج عنها مقتل 13 من شباب “الفولاني”، بمنطقة “سيفاري”، في يناير من العام 2013، وألقيت جثثهم في بئر هناك.
وإثر اغتيال مجهولين لثلاثة أشخاص من قومية “الدوغون”، بمنطقة “كورو” في الوسط، في يونيو 2017، شنت مليشيات “ماليمانا” التي أنشئت عام 2016، هجوماً على القرويين الفولاني وقتلت منهم ستة. وبعيد قيام سكان القرية بتشييع قتلاهم، باغتتهم المليشيا مجدداً وقتلت منهم ثمانية عشر فرداً.
ومع أن الحكومة المالية تمكنت من إلقاء القبض على كل الضالعين في مجزرة “كورو” وقدمتهم للمحاكمة، واعترفوا بالجرم، فإن الأحكام الصادرة بحقهم لم تتجاوز ستة أشهر موقوفة التنفيذ، وهو ما أثار الكثير من الاستغراب والاستنكار.
دور مشبوه
مع وجود قوات أممية و فرنسية، وأخرى من دول الساحل الخمس، بالإضافة إلى قوات الجيش المالي منتشرة في وسط وشمال مالي، فإن إحصائيات الأمم المتحدة تشير إلى أن الصراعات الأهلية بين مختلف القوميات، حصدت خلال العام 2018، أكثر من خمس مئة قتيل، وهو ما طرح السؤال عن أسباب فشل هذه القوات في تحقيق الأمن.
ويشير بعض المتابعين إلى وجود أدوار للقوات الأممية، والفرنسية منها خاصة، في إذكاء الصراعات بين القوميات المشكلة للشعب المالي.
ويرى أستاذ التاريخ عبد الكريم بري أن “الأحكام الصادرة على القتلة من مليشيا “ماليمانا”، وترك الحبل على الغارب لمليشيا “دان آن بسوغو” التي يغلب عليها “الدوغون”، يوضحان بجلاء أن هذه المليشيا تلقى الدعم والإسناد وربما التشجيع من جهات نافذة في الحكومة المالية، ومن القوات الفرنسية التي تتحكم في الشؤون الأمنية والعسكرية في وسط وشمال مالي”.
ويربط عبد الكريم بين تزامن المجزرة الأخيرة وزيارة أعضاء مجلس الأمن الدولي، برئاسة كل من فرنسا وألمانيا، إلى مالي، ووقوعها بعد أقل من أسبوع من مغادرة قائدي أركان جيوش كل من فرنسا وبريطانيا، لمالي.
ولا يستبعد بري أن تكون مجزرة الثالث والعشرين من مارس انتقاماً بعد الهجوم الدموي على القاعدة العسكرية للجيش المالي في بلدة “اديورا” الذي تبنته “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” الجهادية، والذي أسفر عن قتل ثلاثين من أفراد الجيش.
يذكر أن من بين القيادات في هذه الجماعة، قائد كتيبة “ماسينا”، الفولاني محمد كوفا، الذي سبق لوزارة الدفاع الفرنسية أن أعلنت عن تمكنها من اغتياله خلال قصف جوي نفذته قواتها على رتل للجماعات المسلحة، قبل أن يظهر “كوفا” لاحقاً في شريط مصور، يفند من خلاله ما أعلنته القوات الفرنسية.
لماذا الفولاَني؟
يشكل الفولانَي نسبة 18% من سكان مالي، ويغلب الرعي والانتجاع على أنشطتهم، وينتشرون بالإضافة إلى مالي في نحو عشرين بلداً من أفريقيا، إلا أن استهدافهم بالتصفية والتشريد في مالي يمثل استثناء.
ويرى المتخصص في الجماعات الإسلامية المسلحة محمد محمود ولد أبو المعالي في تصريح لـ”الخليج أونلاين” أن مجزرة الفولاني في مالي “بسبب عدم تأسيسهم صحوات (مليشيات) تقاتل إلى جانب الفرنسيين في حربهم الحالية”.
وأضاف: “رغم توسطهم جغرافياً بين جنوب البلاد وشمالها، نأوا بأنفسهم عن حروب الطرفين خلال العقود الماضية، وجريمتهم الأخرى أنهم آثروا المحافظة دينياً وثقافياً واجتماعياً، ورفضوا المسخ الحضاري والانبهار بالوافد من وراء البحار”.
ويأمل الباحث في المركز الموريتاني للدراسات الاستراتيجية، الحافظ الغابد، أن تشكل المحنة الأخيرة للفولاَني، فرصة للمنظمات الحقوقية في غربي أفريقيا لتقوم بالأدوار المطلوبة منها في توثيق هذه الجرائم ومتابعتها أمام القضاء الدولي.
وقال: “هذه هي الفرصة الوحيدة من أجل وضع حد لعمل المليشيات المسلحة الخارجة على القانون من جهة، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم، لمساءلة القوات الدولية والفرنسية التي تجري هذه الجرائم في نطاق تحركاتها وإشرافها شمال ووسط مالي”.
(المصدر: الخليج أونلاين)