مقالاتمقالات المنتدى

مثالية الوعظ

مثالية الوعظ

 

‏‎بقلم الدكتور عبدالله المشوخي (خاص بالمنتدى)

 

الدعوة الى الله واجبة على كل فرد مسلم حسب استطاعته ويزداد الوجوب كلما ازداد المرء علماً ومعرفة.

وصلاح المجتمع يكون بقدر تأثير العلماء فيه وقيامهم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

غير أن بعض العلماء والمفكرين والوعاظ يعظون الناس بمثاليات يصعب تحقيقها على أرض الواقع، بل قد تخالف النصوص من القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومرادهم لفت النظر إلى جانب جزئي فيقع منهم نسيان جانب كلي مما يفقد التوازن في الطرح والتمحيص في الانتقاء والتدقيق فيما ينقل عن بعض السلف الصالح، وعلى سبيل المثال استمعت لأحد المفكرين بتحدث عما يسمى بـ (غرور التدين) موضحا ذلك بمثال نظرة المتدينة المحجبة إلى المتبرجة نظرة ازدراء واحتقار.

لا أدري كيف سمى ذلك غرورًا مع أن الغرور هو إعجاب المرء بنفسه والتقليل من شأن الآخرين بلا مسوغ.

إن نظرة المحجبة تعد تعبيرا عن أحاسيسها ومشاعرها العفيفة واستنكارها لمنكر ظاهر، ونظرة شفقة على تلك التي جعلت من جسدها سلعة وتسهم في إفساد المجتمع.

وهل مطلوب من المحجبة إحترام وتقدير المتبرجات كي ننزع عنها صفة الغرور؟ .

ولو أن كل متبرجة خرجت بمفاتنها ونظر الناس إليها باستنكار لما تجرأت على الخروج سافرة.

ثم يستشهد عن حلم الداعية تجاه العصاة بقصة تنسب إلى العالم الزاهد (إبراهيم بن أدهم) واستهزاء شخص من غير المسلمين بلحيته قائلًا له: يا ابن أدهم أيهم أطهر لحيتك أم ذَنب هذا الكلب فنظر اليه ابن أدهم قائلًا: إن كانت لحيتي في الجنة فهي أطهر من ذَنب كلبك، وإن كانت في النار فوالله ذَنب كلبك أطهر منها ووصف ذلك بـ (الحُلم والتواضع).

وعلى فرض صحة هذه القصة (إذ كان ابن الأدهم من أبناء الملوك ولا يجرؤ أحد من غير المسلمين على الاستخفاف به بهذا الشكل المزري) فإن هذا الرد من المثاليات التي لا رصيد لها على أرض الواقع.

فمثل هذا الاستخفاف لسنة من سنن الإسلام (إعفاء اللحية) يوجب العقاب والردع والرد المناسب كي لا يتجرأ أهل الفسق والفجور لا سيما من غير المسلمين بالإستخفاف بدين الله.

وربما كان السكوت عنهم وعدم زجرهم يزيدهم جرأة على الاستهزاء بهذا الدين ورموزه.

كما يعد الحلم والصبر في نظرهم ضعف واستكانة ومذلة ليس هذا موطنه، وكما قال المتنبي:
وَوَضْعُ النَّدَى في مَوضِع السيفِ بالعُلا
مُضِرّ كوضعِ السيفِ في مَوضِع النّدى

ثم هل البحث في بطون الكتب هنا وهناك عن مواقف نادرة لبعض المتصوفة والزهاد والذين منهم قد تاب وأناب إلى الله بعد ضلال، وبعضهم آثر الزهد بعد حياة ترف مثل (إبراهيم بن أدهم) يعد معياراً، وهل أفعالهم وأقوالهم تعد مقياسا للشرع وقدوة للناس؟
أم أن المقياس الحقيقي هو ما ورد في كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ففي القرآن نجد رد الإساءة بمثلها وعلى سبيل المثال عندما سخر بعض المنافقين من فقراء المؤمنين المطوعين رد الله عليهم بقوله (سخر الله منهم).
وقابل استهزاء المنافقين بالمؤمنين بقوله ( الله يستهزئ بهم).
وعندما سخر قوم نوح من نوح عليه السلام قال لهم : ( إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم).

أما هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رد على استهزاء كفار قريش به وهو يطوف حول الكعبة (حيث لمزوه عدة مرات) فقال لهم: “أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح”.

فليس كل منكر يعالج بالحلم والصبر والصفح والعفو وإلا لتجرأ أهل الفسق والفجور وأعداء الدين على اقتراف المنكرات والاستخفاف بالقيم وكما يقال : من أمن العقوبة أساء الأدب.

كذلك لو وعظنا الناس بمثاليات يصعب تطبيقها على أرض الواقع وطالبناهم بذلك لقال الناس: لا طاقة لنا بتطبيق ذلك، وظهرت الشريعة بمظهر العجز وصعوبة التطبيق.

لذا ينبغي على كل واعظ ومفكر وداعية وعظ الناس بما يطيقون بعيدًا عن التنقيب في بطون كتب الزهاد والمتصوفة والبحث عن مواقف نادرة – إن صحت وثبتت – فإن لها ظروفها وملابساتها وحمل الناس على ذلك.

فهذا الدين متين ينبغي أن نوغل فيه برفق وحكمه واقتداء بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم وفق مواقفة الشاملة التي تتناسب مع كل حدث من الأحداث.

وفق الله الجميع لكل خير وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى