مقالاتمقالات مختارة

متى يُحسم الخلاف بين الرؤيتين الفقهية والفلكية؟

بقلم د. محمد عياش الكبيسي

متى يُحسم الخلاف بين الرؤيتين الفقهية والفلكية؟

 

أخذ الخلاف حول ثبوت الشهر القمري منحى آخر، بعد أن تبنّت بعض الدول الإسلامية، وعلى رأسها تركيا، الحساب الفلكي، وصار الناس في هذه الدول على علم مسبق بأيام صومهم وفطرهم، ولم يعودوا يتحرّون الهلال، ولا ينتظرون البيان.
وقد اتسعت ظاهرة الأخذ بهذا التوجّه في كثير من المراكز الإسلامية ودور الإفتاء في الغرب، وقد رأيت من الفقهاء المعتبرين في بلادنا من بدأ يمهّد لهذا فيفتي مثلاً برد شهود الرؤية إذا كانت الرؤية غير ممكنة فلكياً، والذي يظهر من مسيرة الخلاف والأخذ والرد أن الأمور ستؤول في النهاية إلى الاتفاق، وإنما المسألة مسألة وقت، كما حصل في كثير من المستجدات، مثل حكم مشاهدة التلفزيون، وحكم إدخال الكاميرات إلى الحرم، وأخيراً مسألة قيادة المرأة للسيارات.
إن تحرير محل النزاع من شأنه -في الغالب- أن يقرّب وجهات النظر، وأن يضبط -على الأقل- مسار النقاش، وفي هذه المسألة ينبغي التأكيد أنها ليست نزاعاً بين الدين والعلم، وإنما هي نزاع في فهم الدين أو في فهم العلم، فمثلاً نقرأ في كتب الفقه: «أن الرؤية أمر يقيني، وأن الحساب أمر ظنّي»، وهي عبارة صحيحة بالنسبة للزمن الذي كتبت فيه، لكن أن يرددها فقهاء اليوم فهذه مشكلة، لأن علم الفلك اليوم صار علماً يقينياً قطعياً، خاصة في مسائل الاقتران وولادة الشهر، وهو بكل تأكيد -من الناحية العلمية- أقوى من شهادة الشاهدين، إذ هما ليسا معصومين من الزلل والخطأ، بينما نحن نرى الفلكيين يحددون لنا وقت الخسوف والكسوف قبل حصولهما بأيام وبمنتهى الدقة، وهي ظاهرة مكررة ومشهودة، وحالة الاقتران وولادة الشهر لا تختلف عندهم عن الخسوف والكسوف.
أما النزاع في فهم الدين، فمعتمده الخلاف في فهم المراد بالرؤية الواردة في السنة الصحيحة «إذا رأيتموه فصوموا»، حيث يميل المتمسكون بالرؤية البصرية إلى أن هذا أمر تعبّدي منصوص عليه، وأنه «لا اجتهاد في معرض النص»، وهي حجة قويّة، لأن مناط العبادات الأمر والنهي، وليس العقل والرأي، لكن يرد هنا سؤالان ينبغي الوقوف عندهما:
الأول: قوله تعالى في الحج: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، وقوله في الجهاد: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ}، ونحن الآن لا نحج رجالاً ولا على الضوامر، ولا نجاهد بالخيول، مع أن هذه نصوص قاطعة، فلماذا لا تلزمون الناس بهذه النصوص؟ يقولون: إن هذه وسائل، والوسائل تتغيّر، بخلاف العبادات المقصودة لذاتها، فيقال لهم: والرؤية كذلك هي وسيلة لمعرفة دخول الشهر، وليست عبادة مقصودة لذاتها.
الثاني: لقد وردت الرؤية متعلقاً للأحكام الشرعية في مسائل أخرى، كما في الحديث الصحيح: «إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم»، فهل تشترط الرؤية البصرية في كل ليل؟
هذه مجرد نافذة للتفكير، ومحاولة لضبط مسار النقاش بعيداً عن الأحكام المسبقة، والتصوّرات الخاطئة عن المخالفين أو المختلفين، والله يتقبل من الجميع.
(المصدر: مجلة العرب الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى