متى بدأ العصر الحديث ومتى سينتهي؟
بقلم أ. هلال علاونة (خاص بمنتدى العلماء)
“1492” الميلادي هذا الرقم ماذا يعني؟
هذا الرقم يعني مجموعة من الحوادث التاريخية المفصلية، التي تمخض عنها ولادة العصر الحديث الذي فيه نعيش، فمن جهة كان سقوط دولة الأندلس في هذا العام بداية لدوران العلم والمعرفة والانتاج – الذي امتازت به العصور السابقة – من بلاد الإسلام الى بلاد الغرب، ومن ناحية ثانية، فإن بدء الاكتشافات الجغرافية التي بدأها البرتغاليون والإسبان على يد كولومبس واكتشافات العالم الجديد كانت ارهاصات لمرحلة جديدة، يتكتل فيها الغرب ليس في اوروبا فحسب بل يمتد الى القارة الجديدة.
كانت حجة الاكتشافات الجغرافية الجديدة التي باركها حكام اسبانيا الجدد “الأندلس الفردوس المفقود” تتمثل في التوسع البشري واكتشاف العالم، والانتقال الى عالم الحضارة والترقي، اضافة الى غيرها من الأسباب التي تعتبر ايذانا ببدء مرحلة جديدة من الاستعمار الاوروبي لجميع أنحاء العالم، واذا ما ذكرنا الأسباب على القياس الذي بحث فيه علماء ومؤرخو التاريخ الاسلامي فإن من أهم اسباب الاستعمار في مرحلة لاحقة تمثلت في نهب ثروات الأمم والشعوب في البلاد الإسلامية وآسيا وأفريقيا والأمريكيتين.
تعتبر الناحية الاقتصادية وجهاً جديداً من أهم وجوه الوصول الى العصر الحديث، بما فيه من زيادة في الإنتاج وتطلع اوروبي للاستحواذ على المواد الخام كنتيجة للثورات الاقتصادية الزراعية والصناعية والاستهلاكية، حيث اعتبر مؤرخو العصر الحديث أن اوروبا عندما غزت العالم كانت تتطلع الى السيطرة على المواد الخام كركيزة من ركائز الصناعة، ومن هنا جاء نهب ذهب ومعادن وثروات الأمم والشعوب، وخيرات آسيا وأفريقيا والأمريكيتين كركيزة من ركائز التبادل التجاري.
هذا كان من جهة، ومن جهة أخرى كانت اوروبا بحاجة الى القوة العاملة الضخمة والتي توازي الثورات الزراعية والصناعية، مما جعلها تقتاد البشر وتسترقهم كعبيد، أفواجا من القارة الأفريقية، الى البلاد البيضاء لتتم بذلك النهضة الاوروبية والأمريكية، لتبني العمران والاقتصاد الذي نشاهده اليوم، وتنتج السلع بكافة أشكالها المعاصرة، ومن ثم تم فتح الأسواق العالمية المستعمَرة امام حركة البضائع التجارية الاوروبية الى أسواق آسيا وافريقيا والهند والبلاد العربية وغيرها من المناطق الجغرافية المستعمرَة التي خضعت لسيطرة الرجل الأبيض.
تلك كانت بداية العصر الحديث، وقد رافقها العديد من الحوادث والمتغيرات التي أثرت على مسيرة الأمم والشعوب، خاصةً فيما يتعلق ببدء نشوء امبراطوريات غربية جديدة مستمدة من الإرث والتقدم العلمي والحضاري والثقافي الإسلامي حتى وصلت اوروبا وأميركا اليوم الى ما وصلت اليه، بعد أن ترجمت ونقلت التقدم والعلوم الإسلامية لتبني عليها نهضتها الحديثة، فإذا كان مبدأ الدوران قد لف باتجاه الغرب، فهل سيعود مرة أخرى باتجاه البلاد الإسلامية؟ واذا كان الأمر كذلك فمتى سيعود؟ وهل حقا هو من مستحيلات الرجوع؟ أم أن مبدأ الدوران سيلف لفته التالية؟
هنالك العديد من علامات الاستفهام والتعجب على الأسئلة السابقة، لكن لا بد من الإشارة الى أن الغرب قد وصل الى القمة، ولم يحدث في أي زمن وتاريخ أن بقي أحد ما من الامم والشعوب متربعا على القمة الى ما لا نهاية، الا اذا كانت هذه هي النهاية.