مبادرة طهران: هل يُطلقها نظام الملالي فتشتعل حرب إقليمية ؟ 1من 5
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
“مبادرة طهران”: هل يُطلقْها نظام الملالي فتشتعلَ حربٌ إقليميَّة؟
أورد المستشار الإعلامي والرُّوائي والمبشّر الإنجيلي الأمريكي-الإسرائيلي يهودي الأصل جويل روزنبرغ في كتابه Israel at War: Inside the Nuclear Showdown with Iran-إسرائيل في حالة حرب: في داخل الإغلاق النَّووي مع إيران (2012م) ثلاثة سيناريوهات لاشتعال حرب إقليميَّة في منطقة الشَّرق الأوسط، طرح اثنين منها في روايتين نُشرا قبل ذلك الكتاب ضمن سلسلة The Twelfth Imam. يتنبَّأ روزنبرغ في روايته The Twelfth Imam-الإمام الثَّاني عشر (2010م)، الَّتي تحمل اسم السّلسلة، بمقتل فيزيائي إيراني بارز، هو المسؤول عن البرنامج النَّووي الإيراني الَّذي يؤكّد الرُّوائي أنَّه يستهدف تطوير أسلحة نوويَّة، واتّهام نظام الملالي أمريكا وإسرائيل بالوقوف وراء مقتل ذلك العالم، كما سبقت الإشارة في المقال تحت عنوان “الإمام الثاني عشر”: عقيدة “المخلِّص” في الصِّراع الصُّهيوني-الصَّفوي على حُكم العالم. المفارقة أنَّ محسن فخري زاده، الفيزيائي الإيراني الملقَّب بالأب الرُّوحي للبرنامج النَّووي الإيراني، في 27 نوفمبر 2020م، واتَّهم الرَّئيس الإيراني، حسن روحاني، إسرائيل علنًا بتدمير مقتل العالم النَّووي خلال مروره بسيَّارته، تمامًا مثل ما ورد في رواية روزنبرغ (2010م، ص325). ثأرًا لمقتل عالمها الكبير، تردُّ إيران ردًّا مدوّيًا بتنفيذ عمليَّات إرهابيَّة بواسطة الرُّؤوس النَّوويَّة الَّتي أنتجتها مفاعلها النَّووي؛ فيبدأ صراع إقليمي حامٍ!
وتتناول رواية The Tehran Initiative-مبادرة طهران (2011م) ردَّ الفعل الصُّهيوني، المسيحي واليهودي، تجاه العدوان الصَّفوي على أمريكا بشنِّ نظام ملالي الشّيعة ضربة استباقيَّة نالت من هيبة أمريكا، خاصَّة مع إحجام رئيسها عن اتِّخاذ موقف صارم تجاه العدو الإيراني. تذكيرًا بما انتهت عليه أحداث الرُّواية الأولى الإمام الثَّاني عشر (2010م)، فقد انتهت بظهور الإمام الثَّاني عشر على السَّاحة وتهديده المباشر لأنظمة الحُكم في منطقة الشَّرق الأوسط، بما في ذلك دول النَّفط في منطقة الخليج، باستئصال شأفة أيِّ نظام لا يخضع لسُلطانه، معلنًا أنَّ دولة خلافته ستستأثر بنصف إنتاج صادرات النَّفط والغاز الطَّبيعي في العالم، وأنَّ السّلاح النَّووي هو أداتها لردع المعارضين، مهدِّدًا بأنَّ أيَّ اعتداء من هؤلاء “سيشعل حرب إبادة” (ص489). تتخذ الإدارة الأمريكيَّة حينها إجراءات فوريَّة للتَّصدّي لأيِّ عمل عدائي، وتستدعي عميلها إيراني الأصل الذي زرعته بهدف تقويض البرنامج النَّووي الإيراني، داود/ديفيد شيرازي لمقابلة الرَّئيس الأمريكي شخصيًّا، ممَّا يعكس وصول حالة التَّأهُّب لدى الإدارة الأمريكيَّة إلى أقصى حالات الاستنفار. وللتَّذكير، فقد ضُمَّ ديفيد إلى وكالة المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة بعد تركه دراسته الثَّانويَّة بسبب اعتدائه على زملاء له تنمَّروا عليه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، ليخضع إلى فترة طويلة من التَّدريب، درس خلالها عدَّة لغات، وأتقن علوم الحوسبة، ثم زُرع في إيران وبدأ يتقرَّب إلى مرتاديّ المساجد، إلى أن نجح في تجنيد عالم الفيزياء الشَّاب، نجَّار مالك، وهو أحد المسؤولين عن البرنامج النَّووي الإيراني، لصالح أمريكا، وهرَّبه إليها، تزامنًا مع وصول الإمام الثَّاني عشر إلى مكَّة وإلقائه أولى خطبه هناك. والقسم التَّالي من تحليل أهم محتوى رواية The Tehran Initiative-مبادرة طهران يستند إلى مقتطفات من نصِّها الأصلي، مأخوذ عن نسخة لدار نشْر تينديل (Tyndale House Publishers) لعام 2011 ميلاديًّا.
الإمام الثَّاني عشر يباشر مهمَّة تأسيس دولة الخلافة
يتواصل الإمام الثَّاني عشر، محمَّد المهدي بن الحسن العسكري بن علي الهادي، رئيس باكستان، إسكندر فاروق، وهو يمثِّل شخصيَّة وهميَّة تشغل موقع الرّئاسة في باكستان، عبر الهاتف، ويصرِّح له بأنَّه جاء “لإعادة تأسيس الخلافة…لإحلال السَّلام والعدالة، ولحُكم الأرض بعصا من حديد…لذلك أرسلني الله، وسيكافئ مَن يخضع، ويعاقب مَن يقاوم…في النّهاية ستنحني كلُّ قامة، وسيشهد كلُّ لسان أنِّي صاحب الزَّمان” (ص16). يصاحب وجود المهدي في العاصمة الباكستانيَّة للمطالبة بخضوعها لسُلطان خلافته خروج جماهير تُقدَّر أعدادها بربع مليون شخص، جاءوا لتحيَّة الإمام وتأييده، بينما لم يحط بقصر الرّئاسة سوى عدد من محدود من الدَّبَّابات وقرابة الألف جندي لمنع اقتحام الجماهير القصر واستيلائهم على السُّلطة. وقع الرَّئيس الباكستاني في حيرة بخصوص كيفيَّة التَّصرُّف، بعد أن صارت إيران مقرَّ الخلافة الإسلاميَّة، وإن لم تُعلن طهران عاصمة لها. وضع إسكندر فاروق في اعتباره أنَّ الإمبراطوريَّة الفارسيَّة حكمت بلاده في الماضي، حينما امتدَّت من الهند شرقًا إلى السُّودان وإثيوبيا غربًا، كما تذكَّر أنَّ إيران ربطتها ببلاده علاقة صداقة، بعد أن بادر الشَّاه محمَّد رضا بهلوي بالاعتراف باستقلال باكستان عام 1947م، لكنَّ التَّوتُّر ما لبث أن بدأ بعد الثَّورة الخمينيَّة عام 1979م.
ازداد موقف فاروق حرجًا بعد أن تذكَّر أنَّ الحديث عن مجيء المهدي وإعادته تأسيس دولة الخلافة كان يُعتبر من العبث المثير لسخرية معلِّميه، بوصفه “بدعة شيعيَّة” (ص17). غير أنَّ الأسطورة صارت حقيقة، وأصبح الإمام الغائب حاضرًا، وتطلَّب الأمر حُسن التَّصرُّف لمواجهة الموقف الحرج، الذي ازداد حرجًا بإعلان الملك عبد الله محمَّد جدَّاوي، العاهل السَّعودي، انضمام مملكته إلى دولة الخلافة، بعد انحنائه أمام وسائل الإعلام العالمي للإمام المهدي. لم يكن فاروق يتصوَّر كيف عرَض الملك جدَّاوي، السُّنّي الورع، على إمام الشِّيعة الاثني عشريين اتِّخاذ إحدى مدينتي الحرمين الشَّريفين، مكَّة والمدينة المنوَّرة، لتكون مركزًا لحُكم الدَّولة الإسلاميَّة النَّاشئة، التي انضمَّت إليها السُّودان والصُّومال والجزائر، وقد نقلت قناة الجزيرة الفضائيَّة القطريَّة أنَّ رئيس اليمن اتَّصل هاتفيًّا بالمهدي لإعلان انضمام بلاده إلى دولة الخلافة، كما أعلنت قطر نفسها الانضمام إليها، بينما كانت تونس لم تزل تدرس الأمر، وكذلك كانت الحكومة اللبنانيَّة التي يقودها حزب الله الشِّيعي والبرلمان التُّركي والمملكة المغربيَّة. لم يكن يقاوم الانضمام إلى دولة المهدي حينها سوى مصر والعراق وملك البحري السُّنّي؛ أمَّا سوريا، فما كان صمت رئيسها ليفضي إلَّا للاستسلام لاحقًا. لم يذعن رئيس باكستان لرغبات “ذاك المُطالب بالعرش” الذي “يسيطر عليه الطُّموح والغرور الأعمى”، لكنه كان يدرك أنَّه يسير في حقل ألغام وعليه التَّروّي قبل كلِّ خطوة (ص19). كان فاروق يدري أنَّ جماهير الشُّعوب المسلمة، من السُّنَّة والشِّيعة، من أقصى الأرض إلى أدناها، ثارت ثائرتها، وخرجت في الميادين تطالب بإسقاط “الأنظمة الكافرة”، تمامًا مثل نظامه، ولم يكن بوسعه إلَّا الصَّمت؛ خشية أن يحرِّك المهدي الجماهير ضدَّه في أوج افتتانهم بظهوره وأملهم في نشْره العدل. يتهرَّب فاروق من الرَّد على طلب المهدي بضمِّ باكستان إلى دولة الخلافة ويطلب مقابلته شخصيًّا؛ وذلك لكسب الوقت أملًا في إنقاذ البلاد من الفوضى التي قد تنجم عن سيطرة المهدي عليها واستخدامه ترسانتها النَّوويَّة، التي كانت تحتوي على 172 رأسًا نوويًّا.
موقف محيِّر للإدارة الأمريكيَّة تجاه التَّهديد الإيراني
يقع ديفيد، العميل السّرّي لوكالة المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة، في حيرة حيال حقيقة موقف الإدارة الأمريكيَّة تجاه إيران، ومدى صحَّة سعيها إلى إيقاف الجهود الإيرانيَّة لإنتاج سلاح نووي ومنْع الإمام الثَّاني عشر عن استخدامها. رأى ديفيد أنَّ الرَّئيس الأمريكي لم يكن سياسيًّا محنَّكًا في التَّعامل مع القضايا الخارجيَّة، برغم دراسته الطَّويلة للإسلام وتنقُّله بين البلدان المسلمة. آثر الرَّئيس الأمريكي وليم جاكسون التَّفاوض السّلمي مع إيران، كما فعلت الإدارة الأمريكيَّة في الماضي مع الاتحاد السُّوفييتي المسلَّح نوويًّا. غير أنَّ الأمر يختلف مع إيران، التي تستند سياساتها إلى “عقيدة تبرِّر الإبادة الجماعيَّة في سبيل تحقيق نبوءات آخر الزَّمان”، وترى في أمريكا وإسرائيل الشَّر الأعظم الواجب القضاء عليه (ص17). بات العالم يعرف أنَّ إيران صنَّعت قنبلة نوويَّة، وأجرت عليها تجربة في مدينة همدان، والسؤال الملحُّ الذي يطرأ على ذهن ديفيد هو “هل ستردُّ إسرائيل؟ هل ينبغي أن تردَّ إدارة بلاده؟”.
تحالُف مصري-إسرائيلي لمواجهة “قوى التَّطرُّف”
يشير روزنبرغ إلى أنَّ الرَّئيس المصري، عبدل محمَّد رمزي، وهو يعبِّر عن شخص لا وجود لها في الواقع وإن كان يُحتمل أنَّ شخصيَّته توازي شخصيَّة الرَئيس المخلوع محمَّد حسني مبارك بوصفه بأنَّه رجل في الثَّمانينات من العمر وبمنحه اسمًا يشابه اسم الرَئيس المخلوع، قد تحالَف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، آشر نفتالي، لتكوين “جبهة متَّحدة”، وأيَّد الرَّئيس الأمريكي ذلك التَّحالف في وجه دولة الخلافة، لكنَّ ظهور الثَّلاثة على الشَّاشات من أجل طمأنة الجماهير لم يكن كافيًا في مواجهة تهديد “قوى التَّطرُّف”، خاصَّة وأنَّ الرَّئيس جاكسون كان في قرارة نفسه يدري أنَّ الأمور في الشَّرق الأوسط بدأت تخرج عن سيطرته (ص20-21). يصرُّ الرَّئيس المصري عبدل محمَّد رمزي، وبجانبه خزَّان الأكسيجين، في كناية عن تدهور صحَّته وتشبُّثه بالسُّلطة رغم ذلك، على مواجهة تهديد ملالي إيران، الذين صنَّعوا قنبلة نوويَّة وساندوا إمامهم الغائب في أولى خطواته بعد ظهوره، مشيرًا إلى أنَّ “الالتزام الأخلاقي” يدفعهم إلى “منْع الكارثة قبل أن تحدث” (ص25). في حين يصرُّ الرَّئيس الأمريكي وليم جاكسون على التَّحلِّي بالصَّبر في مواجهة التَّحدي الإيراني، تجنُّبًا لأيِّ عمل قد يبدو “استفزازيًّا” ويثير حفيظة الرَّأي العام العالمي. يندهش رمزي من موقف جاكسون، ويعلن استعداد بلاده لبدء برنامج لتطوير السّلاح النَّووي، قائلًا “ليس لدينا خيار، مصر لا يمكن أن ترضخ لإملاءات الإمام الثَّاني عشر أو أيَّما كان ذلك الدَّجَّال. لا بدَّ أن نكون أقوياء. لا بدَّ أن نحمي أنفسنا. قد يكون الوقت تأخَّر، ولكن مصر لن تصبح تابعًا لأحد، وبالأخصّ الفُرس، وبالأخصّ الشّيعة” (ص26).
يساند آشر نفتالي، رئيس الوزراء الإسرائيلي، موقف عبدل رمزي، ويذكِّر الرَّئيس جاكسون بأنَّه ورمزي يلحَّان عليه منذ عامين، كما ألحَّا على سابقه، من أجل التَّحرُّك لضرب إيران وردعها، لكنَّه لم يستمع إليهما. يوضح نفتالي أنَّ الإمام الثَّاني عشر تحرِّكه عقيدة دينيَّة إسلاميَّة، جعلته يعتقد أنَّه المسيَّا، ودفعته لتوحيد صفِّ المسلمين لتأسيس دولة خلافة تمتدُّ من المغرب إلى إندونيسيا، وهو قادر على جذْب ملايين الشّيعة ممَّن يعتقدون في قدرته على صُنْع المعجزات. يعرض رمزي على جاكسون استعداده وزعماء عرب آخر للاتحاد مع أمريكا وإسرائيل في مواجهة شيعة فارس، قائلًا “التَّاريخ لن يسامحنا إن لم نتصرَّف على النَّحو السَّليم” (ص27). يتعجَّب جاكسون من شدَّة انفعال الرَّئيس المصري في تحذيره من الخطر الفارسي، التي تجاوزت درجة انفعال رئيس الوزراء الإسرائيلي، برغم إصابته بمرض القلب أجرى بسببه جراحة قلب مفتوح؛ ويبرر عبدل رمزي ذلك بأنَّه يعتقد أنَّ “الفراعنة يراقبونه. الأجداد يراقبونه“، وهو سيلحق بهم قريبًا، ولا يريدهم أن يستقبلوه بوصفه “الرَّجل الذي أضاع مصر” (ص29).
اغتيال الرَّئيس المصري المسن ومخاوف من سيطرة الإسلاميين على الحُكم
ما هي إلَّا دقائق حتَّى يتعرَّض اجتماع الرَّئيس الأمريكي بالرَّئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي لهجمة إرهابيَّة يفقد الرَّئيس المصري حياته على إثرها، في إعادة لمشهد تعرُّض الرَّئيس الأمريكي في رواية The Last Jihad-الجهاد الأخير (2002م) لعدَّة هجمات تستهدفه، في إشارة إلى هشاشة الجهاز الأمني الأمريكي في مواجهة مثل تلك الهجمات. ما يعزِّز احتماليَّة أنَّ شخصيَّة عبدل محمَّد رمزي توازي شخصيَّة حسني مبارك، أنَّ رمزي كان متسلِّطًا ومتمسِّكًا بالحُكم رغم وضعه الصّحّي، وتقدمُّه في العمر، كما كان يريد توريث الحُكم لأحد أبنائه بمعاونة فئة المنتفعين من رجاله، على غير رغبة جماعة الإخوان المسلمين وغالبيَّة رجال السُّلطة القضائيَّة. تساور ديفيد، العميل الاستخباراتي الذي قضى قرابة العام في مصر عمل خلالها تحت إمرة الملحق الاقتصادي، ثم رئيس مكتب وكالة المخابرات المركزيَّة في القاهرة، المخاوف من صعود التَّيار الإسلامي إلى مركز القيادة في البلاد، خاصَّة إذا ما اندلعت ثورة نتيجة حالة السَّخط المتفشّية في مصر من سوء الأوضاع الاقتصاديَّة؛ وقد يفضي ذلك إلى سيطرة جماعة الإخوان المسلمين، أو غيرها من الجماعات الإسلاميَّة المؤيِّدة لعودة الخلافة الإسلاميَّة، على الحُكم؛ ليفتح ذلك بدوره الباب أمام تحالُف حركة حماس في غزَّة وحزب الله في لبنان لتشكيل جبهة لمواجهة إسرائيل، وكذلك أمام إفساح الطَّريق أمام الإمام الثَّاني عشر ليتقدَّم إلى مصر ويضمَّها إلى دولة الخلافة.
تُثار شُّكوك زاك زالنسكي، عميل وكالة المخابرات الأمريكيَّة ورئيس ديفيد شيرازي في العمل، تجاه تنظيم القاعدة في تدبير حادث اغتيال رمزي، ربَّما للرَّد على تصفية المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة العديد من كبار رجالات التَّنظيم، خاصَّة وأنَّ د. أيمن الظَّواهري، الرجل الثَّاني في تنظيم القاعدة (كان أسامة بن لادن وقت نشْر الرُّواية لم يُقتل بعد)، قد تعهَّد بالإطاحة بنظام عبدل رمزي واستبداله بنظام إسلامي. يشكُّ زالنسكي كذلك في جماعة الإخوان المسلمين، “الجماعة المتطرِّفة التي تأسَّست في مصر عام 1928…وعملت في الظّل بعد حظرها، واختارت لنفسها شعار “الله غايتنا. الرسول قدوتنا. القرآن دستورنا. الجهاد سبيلنا. الموت في سبيل الله أسمى أمانينا”، وطالما كرهت رمزي؛ من ناحية لأنَّه كان يسجن كبار قياديي الجماعة، ومن ناحية أخرى لأنَّه كان يعي مهمَّتهم الحقيقيَّة، وهي تحويل مصر إلى مركز إحياء الدَّولة الإسلاميَّة، وتطبيق الشَّريعة، وتصدير الشَّعار السُّنّي للجهاد إلى كافَّة أنحاء المنطقة، ومنها إلى العالم” (ص41). وكان الظَّواهري عضوًا في جماعة الإخوان المسلمين، قبل أن يؤسِّس جماعته الأشدُّ تطرُّفًا، الجهاد الإسلامي، ثم يُلحقها بالقاعدة. ويعبِّر ديفيد في حواره مع رئيسه عن شكِّه في صدْق نيَّة الرَّئيس الأمريكي محاربة إيران والقضاء على مشروعها التَّوسُّعي المدعوم بمخطط إرهابي، مضيفًا أنَّ يعتقد أن الهجمة الأخيرة تحمل بصمات الإمام الثَّاني عشر؛ ومع ذلك، لم يكن يتوقَّع تحرُّك جاد من الرَّئيس جاكسون.
حقيقة الإمام الثَّاني عشر تتكشَّف أمام أتباعه
كما أخبرنا روزنبرغ في الجزء الأوَّل في سلسلة الإمام الثَّاني عشر، أنَّ نجَّار مالك، الفيزيائي الشَّاب الذي استقدمه من العراق الدُّكتور محمَّد صدِّيقي، العالم المسؤول عن تأسيس مفاعل نووي إيراني لأغراض سلميَّة، تحوَّل من عقيدة الشِّيعة الاثني عشريَّة إلى المسيحيَّة، بعد أن فطِن إلى حقيقة هدف نظام الملالي من وراء المفاعل، وهو إرهاب العالم وتدمير الخصوم في سبيل تأسيس دولة الخلافة. نجح ديفيد شيرازي في تهريب مالك إلى أمريكا، وهناك ازداد معرفةً بالمسيحيَّة، وازداد كذلك خوفًا من مغبَّة استخدام نظام الملالي السّلاح النَّووي في تدمير أمريكا وإسرائيل. أيقن مالك الطَّبيعة الدَّمويَّة لعقيدته السَّابقة، وفهم أنَّ ما تتضمَّنه نبوءات ظهور المهدي عن ضرورة وقوع فوضى وسفْك دماء في منطقة الشَّرق الأوسط لكي يعيد المهدي تأسيس المنطقة على العدالة والسَّلام ما هو إلَّا تبرير للعنف الذي تحضُّ عليه عقيدة الإماميَّة الاثني عشريَّة. أخبرنا روزنبرغ كذلك في الجزء الأوَّل من السّلسلة أنَّ المسيح ظهر لنجَّار مالك، كما ظهر لزوجته وأمّها، فاعتنقوا جميعًا المسيحيَّة، التي وجدوا فيها السَّلام الحقيقي. لم يعد مالك يشكُّ في أنَّ حربًا ستشتعل؛ فهذا ما تخبر عنه نبوءات الكتاب المقدَّس عن آخر الزَّمان؛ بل كانت يتساءل “لماذا” (ص79). تخبر النُّبوءات أنَّ في آخر الزَّمان، ستصبح “الثَّورات الفوضى والموت والدَّمار مثل آلام المخاض”، بانقلاب الأمم والممالك على بعضها، وليس من المفترض أن يشارك أتباع المسيح في إحداث تلك الفتن، الممهِّدة بدورها لظهور المخلّص الذي سيحلُّ السَّلام على يديه (ص79).
يتذكَّر مالك ما قالته زوجته له قبل فراقهما، وهو أنَّ الرَّبَّ اصطفاه ليس فقط لمعرفة حقيقة الخلاص والفداء من خلال يسوع، إنَّما كذلك لإعلان تلك الحقيقة للإيرانيين، الذين يستحقون التَّبشير بحبِّ الرَّبّ ونيل المغفرة. حينما يسأل مالك نفسه “هل حقًّا اختاره الرَّبُّ للتَّبشير بالإنجيل؟ إن كان الأمر كذلك، فكيف، وهو غريب في بلد غريب؟ هو سجين الحكومة الأمريكيَّة، فكيف له أن يخرج من أمريكا؟ وأين يمكنه أن يذهب؟ كيف له أن ينشر ‘كلمة الرَّبّ’ قبل فوات الأوان؟” (ص80). وتعاوَن مالك مع وكالة المخابرات المركزيَّة بعد وصوله أمريكا بكشفه أسرار البرنامج النَّووي الإيراني، وتبيَّن المختصُّون من صدْق ما أخبر به. لم يكن مالك تحت سجينًا، كما كان يعتبر نفسه، ولم يجبره أحدٌ على أن يدلي بما أدلى به من معلومات؛ بل هو الذي تطوَّع لكشف حقيقة البرنامج النَّووي الإيراني، بعد أن شعر بالخيانة لمَّا أُغري بالمشاركة في تطوير البرنامج بزعم أنَّه سلميُّ الأغراض، ثمَّ تبيَّن له خلاف ذلك.
ينام نجَّار مالك لتأتيه رؤيا يظهر له المسيح فيها وهو يتلو آيات من سفر رؤيا يوحنَّا اللاهوتي تقول “أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ. أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ (سفر رؤيا يوحنَّا اللاهوتي: إصحاح 22، آية 16)، وتقول كذلك “هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ” (سفر رؤيا يوحنَّا اللاهوتي: إصحاح 22، آية 12)، ثمَّ المسيح آيات من سفر حزقيال تقول كَلِّمْ بَنِي شَعْبِكَ وقُلْ لَهُمْ: إِذَا جَلَبْتُ السَّيْفَ عَلَى أَرْضٍ، فَإِنْ أَخَذَ شَعْبُ الأَرْضِ رَجُلًا مِنْ بَيْنِهِمْ وَجَعَلُوهُ رَقِيبًا لَهُمْ. فَإِذَا رَأَى السَّيْفَ مُقْبِلًا عَلَى الأَرْضِ نَفَخَ فِي الْبُوقِ وَحَذَّرَ الشَّعْبَ. وَسَمِعَ السَّامِعُ صَوْتَ الْبُوقِ وَلَمْ يَتَحَذَّرْ، فَجَاءَ السَّيْفُ وَأَخَذَهُ، فَدَمُهُ يَكُونُ عَلَى رَأْسِهِ. سَمِعَ صَوْتَ الْبُوقِ وَلَمْ يَتَحَذَّرْ، فَدَمُهُ يَكُونُ عَلَى نَفْسِهِ. لَوْ تَحَذَّرَ لَخَلَّصَ نَفْسَهُ. فَإِنْ رَأَى الرَّقِيبُ السَّيْفَ مُقْبِلًا وَلَمْ يَنْفُخْ فِي الْبُوقِ وَلَمْ يَتَحَذَّرِ الشَّعْبُ، فَجَاءَ السَّيْفُ وَأَخَذَ نَفْسًا مِنْهُمْ، فَهُوَ قَدْ أُخِذَ بِذَنْبِهِ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِ الرَّقِيبِ أَطْلُبُهُ” (سفر حزقيال: إصحاح 33، آيات 2-6). يأمر يسوع مالك في تلك الآيات بالتَّبشير بكتابه وبقرب مجيئه، وكذلك بتحذير النَّاس من خطر مقبل قد يداهم من لا يحذر منه “فَإِذَا رَأَى السَّيْفَ مُقْبِلًا عَلَى الأَرْضِ نَفَخَ فِي الْبُوقِ وَحَذَّرَ الشَّعْبَ. وَسَمِعَ السَّامِعُ صَوْتَ الْبُوقِ وَلَمْ يَتَحَذَّرْ، فَجَاءَ السَّيْفُ وَأَخَذَهُ، فَدَمُهُ يَكُونُ عَلَى رَأْسِهِ”.
ينذر يسوع من قرب خطر عظيم، ربَّما يقصد به سنوات المحنة العظيمة، ويعيَّن مالك “رقيبًا على أمَّة فارس” ليحذّر أهلها من مغبَّة عدم الإيمان بربوبيَّته؛ وإن “لَمْ يَنْفُخْ فِي الْبُوقِ، وَلَمْ يَتَحَذَّرِ الشَّعْبُ”، فإثم هؤلاء في رقبة الرَّقيب “فَهُوَ قَدْ أُخِذَ بِذَنْبِهِ”، الذي يثأر منه يسوع “أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِ الرَّقِيبِ أَطْلُبُهُ” (ص93). يتلو يسوع مزيدًا من الآيات من سفر حزقيال تقول “«يَا ابْنَ آدَمَ، قَدْ جَعَلْتُكَ رَقِيبًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. فَاسْمَعِ الْكَلِمَةَ مِنْ فَمِي وَأَنْذِرْهُمْ مِنْ قِبَلِي. إِذَا قُلْتُ لِلشِّرِّيرِ: مَوْتًا تَمُوتُ، وَمَا أَنْذَرْتَهُ أَنْتَ وَلاَ تَكَلَّمْتَ إِنْذَارًا لِلشِّرِّيرِ مِنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ لإِحْيَائِهِ، فَذلِكَ الشِّرِّيرُ يَمُوتْ بِإِثْمِهِ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ. وَإِنْ أَنْذَرْتَ أَنْتَ الشِّرِّيرَ وَلَمْ يَرْجعْ عَنْ شَرِّهِ وَلاَ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ بِإِثْمِهِ، أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ نَجَّيْتَ نَفْسَكَ” (سفر حزقيال: إصحاح 3، آيات 17-19). يستبدل يسوع في مخاطبته نجَّار عبارة “يَا ابْنَ آدَمَ، قَدْ جَعَلْتُكَ رَقِيبًا لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ“، بقوله “والآن، يا نجَّار، قَدْ جَعَلْتُكَ رَقِيبًا لأمَّة فَارِس“، ويأمره بإنذار الأشرار، ويعفيه من مسؤوليَّة عدم التزام هؤلاء بالإنذار، ولكنَّه يحمّله مسؤوليَّة عدم الامتثال لأمره بإنذار الآثمين من أبناء فارس، وكأنَّما يحمل كلامه مضمون قول الله تعالى في سورة الغاشية “فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (22)”.
(المصدر: رسالة بوست)