مبادئ العقيدة الإسلامية في سورة الأعراف
بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)
سميت سورة الأعراف لورود اسم الأعراف فيها، وهو سور بين الجنة والنار؛ قال ابن جرير الطبري: الأعراف جمع عرف، وكل مرتفع عن الأرض عند العرب يسمى عرفاً، وإنما قيل لعرف الديك لارتفاعه، وروى ابن جرير الطبري عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة، وخلفت بهم سيئاتهم عن النار، فوقفوا هناك على السور حتى يقضي الله فيهم. [التفسير المنير، الزحيلي، ٤/٤٩٠].
وقد نزلت سورة الأعراف لتفصيل قصص الأنبياء وبيان أصول العقيدة من إثبات توحيد الله عزّ وجل وتقرير البعث والجزاء وإثبات الوحي والرسالة، ولا سيما عموم بعثة النبي ﷺ، وقد تضمنت سورة الأعراف التي هي من أطول السور المكية ما يلي من مبادئ العقيدة الإسلامية:
– القرآن كلام الله: افتتحت السورة بالتنويه بالقرآن العظيم معجزة الرسول الخالدة وأنه نعمة من الله وأنه يجب اتباع تعاليمه، قال تعالى: {المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 1 – 3].
– أبوة آدم عليه السلام وقصته بنوع من التفصيل وسجود الملائكة له سجود احترام وتقدير، لا سجود عبادة وتقديس، وعداوة الشيطان لآدم وبنيه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، بدأت القصة بقول الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) } [الأعراف: 11].
– إثبات توحيد الله: وهو الإقرار بوحدانية الله وعبادته وحده وإخلاص الدين له والاعتراف بحقه وحده في التشريع والتحليل والتحريم، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [الأعراف: 54].
– إثبات الوحي والرسالة وإنزال القرآن الكريم على قلب النبي ﷺ وجوهره التكليف بالرسالة الإلهية وبعثة الرسل إلى الناس، قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [الأعراف: 157، 158].
– تقرير البعث والجزاء في عالم الآخرة: تضمنت السورة الكلام والإعادة يوم القيامة والجزاء والحساب وانقسام الناس بسببه إلى فرق ثلاث: فرقة المؤمنين الناجين أهل الجنة، وفرقة الكافرين الهالكين أهل النار، وأصحاب الأعراف، وهو سور بين الجنة والنار.
– أدلة وجود الله: أقام الله تعالى الأدلة الكثيرة على وجوده مثل خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وتعاقب الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر والنجوم بأمر الله، وإخراج الثمرات من الأرض. [تفسير المنير، ٤الزحيلي، /٤٩٢].
– التهديد بالإهلاك: أهلك الله الأمم الظالمة عبرة لغيرها وأنذر الناس بإنزال العذاب المماثل، ورغب بالإيمان والعمل الصالح لإفاضته الخيرات والبركات من السماء والأرض على الأمة، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ ]الأعراف:٩٦[.
– وكذا الإرث الأرض، والاستخلاف على الآخرين، قال تعالى: ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ]الأعراف:١٢٨[.
– قصص الأنبياء: أورد الله تعالى مجموعة من قصص الأنبياء: نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وموسى، للتذكير بأحوال المكذبين أنبياءهم، وللعظة والعبرة، ومن أدلها قصة موسى مع الطاغية فرعون.
وهذه هي القصة السادسة من قصص الأنبياء التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة، وفيها من الإيضاح والبيان ما لم يذكر في غيرها من القصص؛ لأن معجزات موسى كانت أقوى من معجزات الأنبياء السابقين، وجهل قوم فرعون الذين أرسل إليهم كان أعظم وأفحش من جهل سائر الأقوام، كما أن موسى أُرسل أيضاً لغير قومه، أمّا الأنبياء السابقون، فإنهم أرسلوا لأقوامهم. تفسير المنير، (5/30).
ملاحظة: استفاد المقال مادته من كتاب: “موسى عليه السلام”، للدكتور علي محمد الصلابي، واعتمد في أكثر معلوماته على كتاب: “التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج”، للدكتور وهبة مصطفى الزحيلي.
المراجع:
- التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، وهبة مصطفى الزحيلي، دمشق، دار الفكر المعاصر، ط2، 1418ه/ 1998م.
- موسى عليه السلام عدو المستكبرين وقائد المستضعفين، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2022م.
- في ظلال القرآن، سيد إبراهيم قطب، القاهرة، دار الشروق، ط32، 1423ه/ 2003م.