ما ينبغي أن نعرفه عن الإيغور
إعداد حسن أوريد
يُعتبر ملف حقوق الإنسان من أوراق الضغط التي تمارسها الإدارة الأمريكية على الصين، في كل من هونغ كونغ والتبت، ومع المعارضين للنظام. وتعتبر أوضاع المسلمين الإيغور في إقليم السين جيان Xinjiang من المواضيع الحساسة التي تتضايق منها الصين، وعرفت زخماً إعلامياً ملحوظاً في الغرب.
يُعتبر إقليم السين جيان ذا طبيعة استراتيجية بالنّظر لغنى موارده، ولأنه البوابة نحو طريق الحرير. تبلغ مساحة الإقليم ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا، مع كثافة سكانية ضعيفة، إذ لا يتجاوز عدد سكانه 11 مليون نسمة، ولكنه يزخر بغنى موارده، مما يجعل منه قطباً مهما للطاقة، إذ يختزن ربع مخزون طاقة الصّين، و38 في المئة من مخزون الفحم، فضلا عن الغاز.
أصبح الإقليم منذ إطلاق مشروع الحزام (أي طريق الحرير الجديد) حلقة أساسية ومَعبرا ضرورياً نحو آسيا الوسطى، بالإضافة لموقعه في مفترق الطرق ما بين أفغانستان وباكستان، وجمهوريات آسيا الوسطى.
للإقليم خصوصية ثقافية، إذ أن سكانه من التركمان (ولا علاقة لهم بالهان) ولغته متفرعة عن التركية، وتَدين سكانه بالإسلام ويُعرفون بالإيغور.
عُرف قديماً من لدن الجغرافيين بتركستان الشرقي، أو تركستان الصيني عندما خضع لحكم الهان في القرن السابع عشر، وأُطلِق عليه بعدها الاسم الذي أصبح سارياً وهو السين جيان الذي يعني في اللغة الصينية الكلاسيكية (الماندران) بالحدود الجديدة. عمدت الصّين إلى فكّ عزلته من خلال دمج البنيات التحتية البريّة والحديدية، ومن خلال سياسة توطين الهان به.
ظلت خصوصيّة الإقليم مضمرة، وبعد سقوط امبراطورية الهان سنة 1912، توزّعت الاتجاهات الاستقلاليّة بين حركة ذات توجه تركي، وأخرى شيوعيّة قريبة من الاتحاد السوفيتي، لكن ثورة ماو أجهضت الحركات الاستقلالية في الإقليم.
عرف الإقليم انفراجاً في الثمانينات من القرن الماضي، مع سياسة الانفتاح التي انتهجها الحزب الشيوعي، وبدأ الارتباط بالإسلام حينها في مظاهر ثقافية تُبرز الخصوصية الثقافية من خلال تفعيل الجوانب الصوفية، أو المدارس، أو في المطالبة بأسلمة مظاهر الحياة.
آل الأمر إلى التمرد سنة 1990 في مدينة بارين Barin مع قيام الحزب الإسلامي لتركستان الشرقي، وبزغت حركات تمرّد في واحة أورمقي Urmqi في الثمانينات تندد باستيطان الهان، والتمييز العرقي والتفضيل، وانعدام الاستقلال السياسي.
صادفت تلك الفترة الاحتجاجات في التبت وتاينامين. كان رد الحزب الشيوعي الصيني صارماً على الاحتجاجات وعلى الضالعين فيها وتعقّب كل شخص مشبوه. اضطرت الفعاليات المعارضة إلى أن تنشط خارج الإقليم، إذ هاجرت نحو الجمهوريات التركمانية، أو تركيا، أو الولايات المتحدة وتبنت أسلوباً شبيهاً لأسلوب التبت حول حقوق الإنسان ينهج الأسلوب السلمي، وتشكَّلَ في واشنطن سنة 2004 الكونجرس العالمي للإيغور.
أدى القمع إلى استفحال التوتر بالإقليم، وعرفت مراكز حضرية حركات احتجاجية كخوتان Khotan سنة 1995، وينينغ Yining سنة 1997، وفُككت المدارس العتيقة، وأضحت مواجهة العداء للإسلام سافرة، مما أدى إلى تطرف بعض الحركات .
واجهت السلطات الصينية مظاهر التمرد بالقوة، مع إجراءات ما تسميه بـ”التهذيب الوطني”، وتوطين سكان الهان في الإقليم، مع التصدي لكل مظاهر التديّن، ومنها بناء المساجد. أحصت منظمة أمنيستي 190 حالة إعدام ما بين سنتي 1997 و1999.
منذ ذلك التاريخ بدأت تنشأ ارتباطات ما بين عناصر إسلامية وقومية من إقليم السينغ جيان مع عناصر من طالبان على الحدود الأفغانية الباكستانية، لكن الحركة لم تستطع أن تنفذ إلى الإقليم بالنظر إلى وطأة المراقبة الأمنية الدقيقة وتفكيك الخلايا النائمة. استطاعت الصين في سياق 11 سبتمبر/أيلول أن تشيطن الحركة الإسلامية بالإقليم وأن تقيم ترابطاً يمثّل ما تعتبره الآفات الثلاث، الإرهاب والانفصال والتطرف الديني.
انكفأت الحركة منذ 2010 إلى إقليم وزيرستان بباكستان واتخذ اسماً جديداً هو “الحزب الإسلامي لتركستان”. عرف جنوب الإقليم وعاصمته أورمقي سلسلة من أعمال العنف مع أزوف الألعاب الأولمبية سنة 2008 المنعقدة في الصين، واستفحل التوتر في اشتباكات بذات المدينة سنة 2009 ما بين الإيغور والهان خلّفت 197 قتيلاً.
منذ ذلك الحين شددت السلطات الصينية من قبضتها، وأغلقت الإنترنت. عرفت مدينة كاشغار Kachgar أعمال عنف سنة 2011 واستفحلت الاعتداءات بالسلاح الأبيض واستهدفت قوات الأمن والمدنيين بالإقليم، وانتقلت أعمال العنف إلى مدن خارج الإقليم ومنها ساحة تاينامين، سنة 2013 خلفت خمسة قتلى، ومحطة القطار بكونمينغ Kunming سنة 2014 (31 قتيلا و90 جريحاً).
استطاع الحزب الإسلامي لتركستان تهديد مصالح الصين في أرجاء عدة من العالم (باكستان، أفغانستان، الشرق الأوسط) أكثر مما يشكله على الإقليم. بيد أن هناك تمايزاً ما بين سكان الإيغور، والحزب الداعي للعنف وإلى أعمال الإرهاب.
يعتبر السكان أن خطاً تم تجاوزه مع ازدياد منسوب القمع والاعتقالات والمحاكمات، بما فيها الإعدامات، مما يطلق عليه السكان المحليين بسور صيني من الصلب Great Wall of Steel .
يعبّر السكان عن ضيقهم من كل من بيجين ومن المستوطنين من الهان، وينظرون إليهم كمستعمرين مستعلين. تعمَد بيجين مع المستوطنين من الهان إلى قولبة صينية للإقليم ثقافياً واجتماعياً sinisation، على حساب مقومات الهوية الإيغورية، حيث تتوارى اللغة المحلية (التي تكتب بحروف عربية) لصالح المنادران، وتتعرض الممارسة العقدية لشتى أشكال التضييق، فضلاً عن التمييز في الشغل والإدارة لصالح الهان.
تنظر السلطات الصينية إلى السكان كأرضية تغذي الإرهاب، وتعلل إجراءاتها بمسوغ مواجهة “التطرف الديني”، ومنها منع اللحى، والحجاب في الأماكن العامة بالنسبة للنساء، فضلاً عن المراقبة البوليسية الدقيقة، من أجل ما يسمى بـ”التهذيب الوطني” وهي إجراءات وممارسات تعصف بالعيش المشترك ما بين المسلمين والهان.
تمارس السلطات مراقبة دقيقة بالتقنيات العالية التكنولوجية وتجميع المعلومات Big data، مع مراقبات الهواتف الذكية بالإضافة إلى المراقبة بالفيديو والتعرف على الوجه، والمنع من السفر للخارج، ودراسة ما تسميه بـ”التصرفات غير الاعتيادية”، لاستباق سلوك الأشخاص أو تصنيفهم حسب درجة ولائهم أو خطورتهم الأمنية.
ومن عناصر الخطورة السفر إلى بلدان تُعتبر بلداناً خطيرة، أو الحديث إلى أجانب أو أشخاص أقاموا في الخارج، أو تحميل تطبيق ممنوع على الواتساب، أو ترك اللحية، وعدم شرب الخمر، وعدم التدخين، أو الأكل حلال، والصيام أو الامتناع عن أكل الخنزير، أو إعطاء أسماء شخصية مسلمة لذريتهم أو اسم النبي، كلها تعتبر علامات مثيرة للارتياب.
وتعرضت وجوه مشهورة للاختطاف أو وُضعت تحت المراقبة وصدرت أحكام قاسية في حقهم. ومن الوجوه التي حوكمت بالسجن مدى الحياة، الاقتصادي والكاتب إلهام تهتي.
يسود نوع من الأوميرتا Omerta (الصمت المتواطئ) وسط هيئات المثقفين بالصين حول أوضاع الإيغور، ويظل الموضوع تابوهاً في الصين. ولكنه أصبح موضوعاً عالمياً، يشكل مصدر إزعاج وضيق لدى السلطات الصينية.
(المصدر: تي آر تي TRT العربية)