ما وراء إغلاق مركز تكوين العلماء بموريتانيا؟!
بقلم إحسان الفقيه
مركز تكوين العلماء في موريتانيا مؤسسة تعليمية تعمل على إعداد طلاب من مختلف أنحاء العالم ليكونوا من زمرة علماء الإسلام في المستقبل، ولا تتبع تنظيمًا أو حزبًا أو جماعة،
ما الذي يدفع النظام الحاكم لإغلاقها؟
إنها العدوى..!
عدوى الاستبداد الذي هيمن على الأمة، حين أحكمت الأنظمة الديكتاتورية قبضتها على البلاد والعباد وانطلقت من واقع التبعية للغرب والخوف على العروش لضرب كل فكرة إسلامية مستقلة فردًا أو جماعة أو مؤسسة أبت الدوران في فلك مصالح الحكام والتطبيل لهم وتبرير استبدادهم.
لا تأخذنكم الدهشة لإغلاق هذا الصرح العلمي، فمؤسّسه والقائم عليه هو الشيخ العلامة محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي، وما أدراكم من هو الددو؟
هو العالِم الذي دعم ثورات الربيع العربي وأيد حقوق الشعوب في المظاهرات السلمية ولم يعتبرها كعلماء السلطان خروجا على الحاكم، وأسقط شرعية الأنظمة الجائرة المحاربة لشريعة الله وعباده.
هو الذي استنكر دون مواربة مجزرة رابعة العدوية في مصر مبينًا حرمة الدماء التي أجراها النظام الانقلابي أنهارا على أرض الكنانة.
هو الذي نسف جهود علماء السلطة في صناعة هالة من التقديس حول الحكام، وفنّد أدلتهم وردّ عليها وبين أن الحاكم المبدل لشرع الله الذي لم يحرس أحكام الشريعة ولم يَسُسْ الدنيا بالدين وحارب المصلحين، ليس حاكما شرعيا.
هو الذي بين للعباد أن حديث (فإن كان لله في الأرض خليفة جلَد ظهرك وأخذ مالك فأطعه)، يقصد به إن أخذ مالك وضرب ظهرك بحق، لا كما يقول علماء الجامية الذين يشرعنون الاستبداد ويُزيّنون حماقات ولي الأمر ويحسبون أنفسهم ممن يُحسنون صنعا بل ويختزلون الدين الصحيح فيما ينتهجون.
هو الذي كسر فزّاعة علماء السلطة القائلين بأنه لا يصح الإنكار العلني على الحاكم مهما فعل، وبيّن أن الإنكار عليه ليس خروجًا وأن المطالبة بالحقوق لا تعد خروجا عليه.
باختصار،
الشيخ الددو الشنقيطي نزع عن الحكام تلك القداسة التي أضفاها المُتملقون والجامية وعلماء السلطان، فلذا أصبح مصدر قلق لجميع الأنظمة العربية الاستبدادية التي أخذت على عاتقها ملاحقة كل الإسلاميين غير المنتمين للمؤسسات الدينية الرسمية التي تُسبح بحمد الحاكم.
الدول التي تنفق المليارات على إجهاض ثورات الربيع وملاحقة الإسلاميين في كل مكان وإسقاط الأنظمة الديموقراطية، هي ذاتها التي أوعزت إلى النظام الموريتاني بتجفيف منابع العلم والدعوة لمنع إنتاج المئات والآلاف من أمثال الددو الشنقيطي.
البعض يظن أن النظام أغلق مركز تكوين الإسلام الذي يترأسه الشيخ على خلفية صدعه بالحق، حيث عارض قول الرئيس الموريتاني “الكيان الصهيوني أكثر إنسانية من الإسلام السياسي”، لكن الراصد لواقع تعامل النظام الموريتاني مع الإسلاميين وتصريحاته الأخيرة التي تحمل تهديدات صريحة للتيار الإسلامي يدرك أن الأمر دُبّر بليل، وأن هناك نية مُبيتة لتجفيف ذلك المنبع العلمي.
إنها عدوى الاستبداد وتأثير الأموال التي تدفعها الأنظمة الديكتاتورية لأنظمة البلدان الفقيرة والضعيفة للسير على حذوها وتنفيذ أجندتها في المنطقة، وتحقيق أهدافها الرامية إلى إقصاء وملاحقة كل فصيل لا يحشد للنظام ويؤيده، فما حدث في موريتانيا ليس شأنًا داخليا خاصا، وإنما يأتي في سياق اتجاه عام للأنظمة العربية وموجات الثورات المضادة للربيع العربي التي تشكلت من خلالها أنظمة إسلامية أو محافظة.
ربما كانت الشعبية الجارفة لمركز تكوين العلماء في موريتانيا قد حالت بين إقدام النظام الموريتاني على اعتقال الشيخ الددو، لكن بالنظر إلى سياق الأحداث الحالية وسياسات الحكومة سندرك أن الهدف من التصريحات المعادية هو شيطنة الدعاة والمؤسسات الدعوية بما فيها مركز تكوين العلماء، ومن ثم لا يُستبعد أن يتم التجهيز على إثرها لاعتقال الشيخ، حفظه الله وأكرمه وكل علماء وشرفاء الأمة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
(المصدر: موقع بصائر)