مقالاتمقالات مختارة

ما هو برنامج البناء الفكري؟

بقلم عبد المنعم أديب

في ظلِّ سنوات سريعة التغيُّر نعيشها؛ زادتْ الهجمة على الإسلام عنفًا وضراوةً وصراحةً. ولا بُدَّ لهذا الحراك أنْ يثمر ولو بعض إثمار؛ وبالفعل وجدنا له تأثيرًا عند الناس، خاصةً قطاعات الشباب المُسلم، التي انخدع كثير منها في بحور الزيف التي يغرق فيها وعيُه فانحرف انحرافات عديدةً حتى ألحد البعض -والعياذ بالله تعالى-. وأمام هذا المدّ الهجوميّ ظهرت تحرُّكاتٌ إسلاميَّة تنحو نحو عقول هؤلاء الشباب المُسلمين ونفوسهم؛ لتعزِّزَ فيها نور اليقين، وتقوِّيه، وتُنشئ قاعدةً صُلبةً للإسلام وعلومه وتاريخه فيهم.

ومن المناهج التي سلكها التحرُّك الإسلاميّ في السنوات الأخيرة فكرةُ البرامج الشرعيَّة والعَقَديَّة (أيْ المُنصبَّة على العقيدة). وهذا المنهج كثُرَ جدًّا في الفترة الأخيرة، حتى صار لدينا الكثير من البرامج؛ بعضها عامٌّ وبعضها خاصٌّ بمذهب فقهيّ -مثلًا كمذهب الشافعيَّة-. وحتى لا يتيه فهمُنا؛ كلمة “برنامج” بالعموم تدلُّ على الترتيب، أو المنهج، أو بناء له هيكل. فمعنى برنامج كذا أيْ منهج معيِّن موضوع لدراسة هذا الأمر أو لعمله.

وقد كان لبرنامج “صناعة المُحاوِر” سبقٌ في منهج البرامج والمقرَّرات المُعدَّة، ثُمَّ تلاه برنامج “البناء المنهجيّ” الذي كان له من الشيوع ما قدَّره الله، وكان له من التأثير في تشجيع إنشاء البرامج ما له. وكلاهُما تحت إشراف الأستاذ أحمد السيِّد. وها هو يُضيف إليهما برنامجًا ثالثًا يُسمَّى “برنامج البناء الفكري” الذي أعلن عنه منذ أيام قليلة جدًّا.

وسأحاول هنا التعريف عن هذا البرنامج الجديد؛ من خلال ما أعلنته جهتُه المُنشئة، في شكل أسئلة مُجاب عنها في وضوح وجلاء. حتى يسهل على كلِّ شخص معرفة البرنامج بيُسر واختصار؛ ليُحدِّد هدفه منه، وإنْ كان في قائمة إنجازاته القادمة بإذن الله.

ما هو برنامج البناء الفكري؟

البناء الفكري

أحمد بن يوسف السيد المشرف على برنامج البناء الفكري.

هو برنامج ينصبُّ على الجانب الفكري العقديّ الفلسفيّ، من منظور شرعيّ إسلاميّ. ويُدرِّس لطالبه الكثير من المُقرِّرات ذات الطابع الفكري التي تهدف إلى تعريف مُعمَّق بالجوانب الفكريَّة الإسلاميَّة والغربيَّة. وهو برنامج على الفضاء الإلكترونيّ، مَجانيّ، مُدَّتُهُ ثلاث سنوات، يستطيع كلُّ شخص تعدَّى سنَّ السابعة عشرة أنْ يدرس فيه.

ما سبب إنشاء برنامج البناء الفكري؟

ولا يبدو السؤالُ عن سبب إضافة برنامج البناء الفكري ذا وجاهة في الحقيقة، فهي خطوة تتطلَّبها المرحلة الحالية بشدَّة، بل يمكننا القول إنَّنا -في الوسط الإسلاميّ العامّ- قد تأخَّرنا جدًّا في إدراك أهميَّة تدريس هذه الموادّ الفكريَّة، وتهيئة كوادر للخطاب العموميّ بشأنها. فإنَّ المرحلة تقتضي رئاسةً للفكر الإسلاميّ، وزيادةً مُلائمةً لحجم خطورة الحرب الفكريَّة الدائرة في زمننا. ولا داعي إلى تقرير أنَّ الحرب أو الحراك مع الإسلام هو حراك فكريّ محض، لا شرعيّ.

ومن استيعاب هذه الخطوة -التي تأخَّر استيعابها زمنًا- ها قد بدأ الوسط الإسلاميّ في التنبُّه إلى مُتطلَّبات المرحلة، وها هي المُبادرة (أقصد في هذا المنهج البرامجيّ، فهناك جهود إسلاميَّة كثيرة في غير هذا المنهج) تُتاح للجميع.

ما الهدف من برنامج البناء الفكري؟

قد يبدو الهدف من برنامج البناء الفكري واضحًا في ظلّ التعريف السابق. فهو يهدف -من حيث المادة التي يُقدِّمها- إلى تعزيز اليقين الإيمانيّ، وبناء عقل شرعيّ ناقد، عارف بما حوله، قادر على مُجابهة الضارّ منه، ومعرفة الاتجاهات الفكريَّة المُختلفة، وتاريخها، والنقد المُوجَّه لها.

كما أنَّه يهدف -من حيث الأشخاص المُوجَّه لهم البرنامج- إلى إخراج أناس يدركون إدراكًا “صحيحًا”، وإدراكًا “عميقًا” لهذه الجوانب الفكريَّة الإسلاميَّة والمُواجهة للإسلام؛ وإلى إخراج أناس يستطيعون المُشاركة والتأثير في الآخرين فيما يتعلَّق بهذه الجوانب، مُمتلكين لمُقوِّمات هذا التأثير.

ما الذي سأحقِّقه من التحاقي ببرنامج البناء الفكري؟

إذا فكَّرتَ في الالتحاق بالدراسة في برنامج “البناء الفكري” فستُحقِّق منه عددًا من الأهداف، هي نفسها أهداف مُنشئي البرنامج. وهي:

1- أنْ تكتسب تأصيلًا في الفكر الإسلاميّ. وهذا إنْ وقف الطالب عند المستوى الأوَّل. ومعنى التأصيل هو الوقوف على أصول المادَّة، وهي هنا الفكر الإسلاميّ، والفكر الغربيّ منذ عصر النهضة، ونقد الاتجاهات المُنحرفة. وهذا المستوى ابتدائيّ يعدُّ من الثقافة العامَّة، وليس هدفَ البرنامج الأساس، لكنَّه في الوقت نفسه قد يكون هدف فئة من المُلتحقين به.

2- أنْ تتمكَّن من المادَّة الفكريَّة المُقرَّرة جميعها. وهذا في حال أكمل الطالب السنوات الثلاث التي يفرضها البرنامج. ومعنى التمكُّنِ الفَهمُ العميقُ والراسخُ للعلوم والقضايا والفلسفات التي ستُدرَّس للطالب. وهذا المُتمكِّن يستطيع أنْ يحقِّق الاستفادة لنفسه بما درس؛ من حيث تطوُّره الفكريّ، وقدرته على قراءة الواقع والأحداث والإشكالات من حوله، كما يستطيع أنْ يُساعد غيره من مُحيطه بما أفاده من معرفة.

3- أنْ تُؤثِّر في الواقع، وهذا لا يقف عند حدّ إكمالك للدراسة؛ حيث يتطلَّب مُقوِّمات أخرى ذاتيَّة غير الفهم فقط. ومعنى أنْ تؤثِّر في الواقع أنْ تحاول تغييره للأفضل بتوجيه الخطاب إلى عموم المُسلمين؛ من خلال الكتابة المقاليَّة أو كتابة البحوث المُبسَّطة المُوجَّهة إلى الجمهور المُسلم المُثقَّف، أو إلقاء المُحاضرات أو الخُطَب -إنْ كان في الإمكان- أو البثّ الصوتيّ أو المرئيّ، وكافَّة وسائل إيصال الفكر للجمهور.

4- رغم أنَّه ليس هدفًا للبرنامج؛ إلا أنَّ البعض الذي يمتلك في الأصل معرفةً في الجوانب الفكريَّة، ويمتلك مَلَكة البحث يستطيع أنْ يُوجِّه الخطاب لا للعموم الإسلاميّ، بل للمجال البحثيّ التخصُّصيّ في بعض النواحي.

مستويات برنامج البناء الفكري

يتميز برنامج البناء الفكري بكونه يعتمد التدريس عن بعد في الفضاء الالكتروني.

يتركَّب برنامج البناء الفكري من مستوى تمهيديّ وثلاثة مستويات أساسيَّة. علمًا بأنَّ لكُلِّ مستوى شهادةً مخصوصةً باجتيازه. والمُدَّة التي يتوقَّع واضعُ المنهج للطالب أنْ يُخصِّصها في اليوم هي ساعة تزيد أو تنقص -حسب قدرة الطالب على الاستيعاب-.

أمَّا عن وصف المستويات مع تفصيل مناهجها فهو كما يلي:

مستوى تمهيديّ:

تُدرَّس فيه مادة بسيطة، يعقبها اختبار. وعلى أساس هذا الاختبار يتمُّ قبول المُتقدِّم أو رفضه.

المستوى الأول من برنامج البناء الفكري

وهو المستوى التأسيسيّ: (مُدَّتُهُ عام)

  • تعزيز اليقين، وتثبيت الثوابت.
  • نظريَّة المعرفة ومصادر التلقِّي.
  • تاريخ الأفكار.
  • نقد الاتجاهات الفكريَّة المُنحرفة.

المستوى الثاني من برنامج البناء الفكري

وهو المستوى التمكينيّ: (مُدَّتُهُ عام)

  • نقد الشبهات.
  • الإصلاح الفكريّ.
  • تعزيز اليقين (المُقرَّر الثاني).
  • نقد الاتجاهات الفكريَّة (المُقرَّر الثاني).
  • العقل الشرعيّ للمُفكِّر.
  • نظريَّة المعرفة ومصادر التلقِّي (المُقرَّر الثاني).

المستوى الثالث من برنامج البناء الفكري

وهو المستوى التخصُّصيّ: (مُدَّتُهُ عام)

  • نقد الشبهات (المُقرَّر الثاني).
  • تاريخ الأفكار (المُقرَّر الثاني).
  • نقد الاتجاهات الفكريَّة (المُقرَّر الثالث).
  • الإصلاح الفكريّ (المُقرَّر الثاني).
  • العقل الشرعيّ للمُفكِّر (المُقرَّر الثاني).
  • نظريَّة المعرفة ومصادر التلقِّي (المُقرَّر الثالث).

مَن هُم المُستهدَفون ببرنامج البناء الفكري؟

وعلى معرفتنا بالبرنامج ومُقرَّراته العديدة، وعلى ما صرَّح به مُنشئ البرنامج؛ يمكن تحديد الفئات المُستهدفة في الآتي:

1- طُلَّاب العلم الشرعيّ: وهؤلاء مُستهدفون لأكثر من سبب: فدراستهم لمُختلف التخصُّصات الفكريَّة تُكمل التهيئة العلميَّة لهم، وتضيف إليهم ما كان ينقصهم من جوانب، وتعرِّفهم على كثير من الذي يدور حولهم، بل تُوضِّح لهم أصول بعض المُشكلات العلميَّة الحديثة التي دخلت على تخصصاتهم (مثال: مناهج التفسير المُتغرِّبة الحديثة، وكثير من المُشكلات الفقهيَّة التي استجدَّتْ، بل من قضايا تتعلَّق بوجود الفقه نفسه أو اتجاهات جديدة في تفسير الفقه كُليًّا، ومسألة أسباب وكيفيَّات إنكار السُّنَّة النبويَّة والردّ عليها). ولا تقف دراستهم لها على جانب “الفهم” لما يدور، بل التعرُّف على المناهج ومناهج الردّ التي سيستخدمونها، والتي قد يُطوِّرونها فيما بعد.

2- طُلَّاب برنامج البناء المنهجيّ: وينصح المُشرف الأستاذ أحمد السيِّد بأنْ يكون على الأقل قد تعدَّى الطالبُ المستوى الأوَّل، أو عدَّة مراحل من المستوى حتى يستطيع أنْ يتابع بوعي ما سيُطلَب منه تحصيلُه في برنامج البناء الفكري.

3- المُهتمُّون بالفكر العامّ والفكر الإسلاميّ، وهؤلاء سيفيدهم برنامج البناء الفكري في تزويدهم بموادّ مُنضبطة مُحدَّدة، تمنع عنهم بعض الشتات الذي قد يصيبهم من التعامُل العشوائيّ مع الكُتُب الفكريَّة.

4- المُربُّون للشباب: وهُم مَن يتعاملون مع هذه المرحلة (الشباب في الثانويَّة أو الجامعة) ويتوقَّع منهم الشبابُ الوعيّ والفهمَ، ويطلب منهم الاستلهام. وفي المقام الأوَّل يتوفَّر هذا الوصفُ في المُدرِّسين لهاتين المرحلتَيْن. وعليهم أنْ يكتسبوا هذه المعرفة ليكونوا فاهمين لأُفُق التعامُل مع الشباب في ظلّ الظروف الحاليَّة التي تؤثِّر بصورة مُختلفة في الشباب، وتكوِّن وعيهم على غير التشكيل الذي كان في العقود الفائتة.

ما الفرق بين برنامج البناء الفكريّ والبناء المنهجي؟

البناء المنهجيّ برنامج لعموم المُسلمين يستهدف كلّ الفئات في أصل إنشائه. ويسعى لتكوين معرفة إسلاميَّة عموميَّة تبني الوعي الأساس للمُسلم، في جانبَيْ العلوم الإسلاميَّة والثقافة من الوجهة الإسلاميَّة. أمَّا برنامج البناء الفكري فهو برنامج للمُهتمِّين بالجانب الفكريّ، وبالحركة الفكريَّة الإسلاميَّة وجدالِها مع الفلسفات والأفكار الأخرى. ويُوجَّه للبعض لا للجميع، ويستهدف الوعيَ بما يخصُّ جانبه فقط، وإنشاءَ وعي فكريّ إسلاميّ متين. فضلًا أنَّ مدة المنهجيّ أربع سنوات، والفكريّ ثلاث سنوات. وبطريقة أخرى أقول: إنَّ البناء المنهجيّ عامّ، والبناء الفكري خاص.

ما الفرق بين برنامج البناء الفكريّ وصناعة المُحاور؟

تقدَّم برنامج البناء الفكري بجميع تفاصيله؛ أمَّا صناعة المُحاوِر فه برنامج أخصُّ من برنامج البناء الفكري؛ حيث ينصبُّ على صريح اسمه، أيْ بناء مُحاوِر في المسائل الإسلاميَّة الفكريَّة. ومعنى أنَّه أخصُّ أنَّ مُتطلَّباته أعلى، وهدفه فئة أقلّ من الفئة التي يستهدفها البناء الفكريّ. والموادّ التي تُدرَّس في برنامج البناء الفكريّ أوسع وأشمل ومن نقطة البدء، لا كتلك التي تُدرَّس في صناعة المُحاوِر. فضلًا عن أنَّ مُدَّة صناعة المُحاوِر عشرة أشهر فقط.

نصيحة من القلب للطلاب جميعًا

في حقيقة الأمر أودُّ أنْ أنهي بنصيحة لجميع الطُلَّاب في كلّ البرامج السابقة أو غيرها؛ أنَّ المَدْرَسَة لا تُعلِّم إلا أقلّ القليل. فلا تتوقَّع أنَّك ستخرج من هذه البرامج عالمًا مثلًا أو من أهل العلم أو أهل الفكر؛ ولعلِّي في حاجة أنْ أذكُرَ لك أنَّ مَن يدرس في كليَّة أصول الدين قسم العقيدة -مثلًا لأنَّنا نتناول برنامجًا عقديًّا فكريًّا-؛ وهو يدرس لمدة أربعة أعوام، مُتفرِّغًا للدراسة، ومناهجه لا تُقارن بما يُمكن أنْ يُدرَّس في البرامج -أقصد أنَّ الكفَّة لصالحه يقينًا- لا يخرج مُمتلكًا إلا أقلَّ القليل من العلم، بل قد يخرج غير مالِكٍ لشيء من العلم.

العلم قرار ذاتيّ، لا مَدرسة تدخلها أو برنامج تُقيِّد اسمك فيه. فمتى قرَّر الإنسانُ ونوى واستعان بالله في نيَّة خير وإفادة لنفسه ولغيره؛ أعانه الله. وهنا أذكِّر أنَّ الفَهم رزق من أرزاق الله، لا يتأتى من التكرار، بل من الاستعانة من صاحب الأرزاق.

هذا وأدعو الله بالتوفيق لجميع مَن نوى العلم بنيَّة خير، والله المُستعان على كُلِّ شأن.

المصدر: موقع تبيان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى