ما هو الدور المطلوب من الدعاة وقت الملمّات وانتشار الأمراض؟
بقلم تسنيم الرنتيسي
كان تفشي فايروس #كورونا بمنزلة الصدمة للعالم أجمع -وخاصة المسلمين- وكان من أبرز الصدمات التي تلقّاها المسلمون بعد ازدياد عدد الإصابات وارتفاع معدل الوفيات هو إغلاق كافة المساجد حول العالم تقريباً، وتعليق إقامة صلوات الجمعة والجماعة حتى إشعارٍ آخر، ومن بينها الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
لكن برغم ذلك، ثمة واجبات مهمة وحساسة تقع على عاتق الدعاة في ظل انتشار القلق والخوف وبث الشائعات بين الناس؛ لأنّ الناس في وقت الأزمات والمُلمات يرقبون بأنظارهم أئمتهم ودعاتهم، فما هو الدور المطلوب منهم.
الدعاة ودورهم في بث الأمل والتفاؤل
من جهته، الدكتور وائل الزرد -أحد أكبر الدعاة والوعاظ في قطاع غزة وإمام المسجد العمري الكبير- يقول: “إنّ الدعاة بلا شك مُقدمين في الناس، فهم يستمعون لهم في الخير فيفعلونه، وعن الشر فينتهون عنه، وهذه وظيفة الدعاة الأولى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104].
وأضاف: أنّ الناس في وقت الأزمات والمُلمات يرقبون بأنظارهم أئمتهم؛ لأنّ الدعاة هم المقدمون في الناس، واليوم صار من الواجب عليهم أن يتحملوا أكثر مما يتحمّل الناس، فيأخذوا على عاتقهم أن يرفعوا من معنوياتهم وأن يبثوا فيهم أملاً بأن الغد القادم أجمل وأن الأزمة ستنتهي إن شاء الله.
وتابع الزرد: “الواجب على الدعاة ألاّ ييأسوا مثلما يمكن أن يصيب اليأس بعضاً من الناس، وألاّ يُحبَطوا أو يقنطوا، والواجب عليهم دائماً أن يكونوا متفائلين وأن يبشروا الناس برحمة الله القادمة وبغدٍ أجمل وبمستقبلٍ زاهرٍ قادم إن شاء الله”.
أخطاء يقع بها الدعاة في ظل انتشار الوباء
وأكد الزرد على أنّ: “الدعاة شريحة مثلها مثل بقية شرائح المجتمع، فلا يمكن أن نجد الدعاة كلهم في صفٍ أو مستوى واحد، فمنهم المُقدم والمؤخر، ومنهم المتوسط والمُغالِي”.
وعن الأخطاء التي يمكن أن يكون قد تَلَبّسَ بها بعض الدعاة، أوضح الزرد أنّ “المُبالغة الشديدة في أخذ الاحتياطات والحذر الذي دُعِيَ إليه الناس بقدر، فنجد بعض الدعاة -إمعاناً في أخذ الاحتياطات- لا يجلس مع الناس، ولا يخالطهم، ويأخذ منحى الجلوس في البيت والحجر الصحي التام فينقطع عن الناس بالكلية، وهذا ليس مطلوباً”.
وأردف: “هناك من الوسائل والأساليب التي يمكن من خلالها أن يتواصل الداعية مع الناس، منها مثلاً: وسائل التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر واليوتيوب، وغيرها من الوسائل كالقنوات التلفزيونية والإذاعية ، بهذا يمكن أن تصل رسالة الدعاة إلى كمٍ كبير من الناس، خاصة أن هناك إحصاءات تشير إلى أنّ أكثر من 90% من الناس في قطاع غزة لهم حسابات على الفيس بوك، وهذا معناه بأنّ الداعية يمكن أن يُخاطب ما يقارب 90% من شرائح المجتمع”.
وتابع: “من ضمن الأخطاء أيضاً، عدم قبول بعض الدعاة لإجماع أهل العلم على ضرورة إغلاق المساجد بشكلٍ مؤقت ، فنجد البعض قد يصرح على الملأ بأنه يعارض هذا الرأي القاضي بوجوب المحافظة على النفس”، مضيفاً: “يعلم الله كم ضاقت قلوبنا بتجديد قرار الإغلاق لمدة أسبوعين إضافيين في قطاع غزة، ولكن -في النهاية- الحفاظ على صحة الناس وحياتهم من أوجب الواجبات، والحفاظ على بقاء غزة ودول العالم نقية وآمنة من هذا الوباء الخطير هي مهمتنا جميعاً”.
الحجر المنزلي فرصة للدعاة والآباء
ونوه الزرد إلى أنه “في الفترات الماضية -أي قبل الحجر المنزلي- كان معظم الآباء مشغولين في جلب الرزق لبيوتهم، لكن اليوم قد جاءت الفرصة للآباء والدعاة بأن يعرفوا قيمة الزوجة وتعبها في الليل والنهار، وأن يجلسوا مع أبنائهم ويزاولوا مهنة التربية والتعليم في بيوتهم، وأن يصبروا على تعلم أبنائهم الخير والمعروف، وأن يُصلّوا معهم الصلوات الخمس، وأن يعوّدوهم على إتيان الصلاة في وقتها، وعلى قيام الليل ولو بجزءٍ يسير، وعلى قراءة الكتب المفيدة والنافعة”، مشيراً إلى أنّه بجانب المجالس الدينية والعلمية لا بد أن يفرزوا وقتاً كافياً لتعلم اللغة الإنجليزية والبرامج التي تفيد الأبناء بما هو آتٍ مستقبلا.
تعامل السلف الصالح مع الأزمات
وقال الزرد: “إنّ ما وصل إلينا في الأزمنة التي عبرت ووصلها الطاعون بأن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – تعامل مع هذا البلاء في منتهى الحذر فلم يدخل هو ومن معه إلى الشام، كما حاول إخراج المعافين من أرض الوباء، وتحمل المسؤولية كاملة بعد انجلاء هذا الوباء فرحل إلى الشام وأشرف على حل المشكلات وتصريف تبعات هذه الأزمة، كما كان مرجعه ودليله في كل ما فعله هو الشريعة الإسلامية وفقهها فاجتهد ونفذ، وأمر ووجه الولاة وفق ذلك، فأصبح بذلك مثالاً لكل الأمراء والحكام من بعده في كيفية مواجهة الأزمات وإدارتها”.
التوصيات الشرعية الواجب على الدعاة ترسيخها
وفيما يخص التوصيات الشرعية التي يجب على الدعاة ترسيخها في ظل انتشار الفايروس قال الزرد:
أولاً/ علينا جميعاً أن نوصي أنفسنا والناس بتقوى الله ولزوم ما أمر الله ورسوله، واجتناب ما نهى عنه، وأن نعلم بأنّ الله تعالى يرسل الآيات ليخوّف الناس: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59]، فهذه الأوبئة التي تجيء إلى الناس، ولم يفلت منها صغير أو كبير، مسلم أو كافر من أجل أن يُقلِع الناس عن الحرام، وأن تُرد المظالم إلى أهلها، وأن ترد الحقوق إلى أصحابها، وأن نعلم أن الله على كل شيء قدير.
ثانياً/ وجوب المحافظة على الصلاة عند وقتها، {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء:103]، لذلك أدعو الآباء بألاّ يتأخروا أبداً في أداء الصلاة، إذا ما أذن المؤذن فلتقف الدنيا كلها، والزوجة بإمكانها أن تؤخر طهي الطعام أو ترتيب المنزل لينتقل الناس جميعاً من كل أعمالهم إلى أداء الصلاة وإقامتها.
ثالثاً/ أوصي الجميع بأن يلتزموا بالأوامر الصحية الصادرة عن وزارتي الداخلية والصحة؛ لما في ذلك من الحفاظ على صحة الناس وأمنهم وأسأل الله أن يزيل الهم والغم عنا جميعاً.
الدعاة دورهم توجيه الناس بالاتجاه الأمثل
من ناحيته، قال الدكتور ماهر السوسي – أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة:” إنّ الدعاة هم جزء من المنظومة الإعلامية، والمفروض أن يكونوا جزءاً لا يتجزأ من هذه المنظومة أو هم جزء مُكمّل لها”.
وأوضح أنّ “الدعاة وظيفتهم بيان حقيقة الأمور أولاً من مجال تخصصهم، إذا كان مجال تخصصهم يُسعفهم في هذا الأمر، كما أنهم مُطالبون ببيان وتوجيه سلوك الناس وتصرفاتهم بالاتجاه الأمثل لحل الأزمة من ناحية وعدم تفاقمها من ناحيةٍ أخرى، والالتزام بالتعليمات والتوجيهات الصادرة من جهات الاختصاص”.
وتابع: “عندما نتكلم عن دور الدعاة فنحن نتكلم عن دورهم المحصور فقط في مجال تخصصهم وتراكمهم المعرفي في هذا المجال” منوهاً إلى أنه لا ينبغي تحميل الدعاة أكثر من طاقتهم، ولا ينبغي على الدعاة أن يبالغوا في نشاطهم الدعوي ويخوضوا في مجالات غير تخصصهم ، بل عليهم أن يتركوا كل جانب من جوانب الموضوع للمتخصصين في الأزمة الراهنة”
ولفت السوسي إلى أنه لا ينبغي أن يؤثر إغلاق المساجد على دور الدعاة ونشاطهم” ذلك أن هناك وسائل كثيرة للدعوة، بل قد تكون أقرب إلى الناس من المساجد وأشد التصاقاً بحياتهم، لذلك يمكن للدعاة إعداد برامج تربوية أسرية دعوية متنوعة لتصل دعوتهم برغم إغلاق المساجد”.
وأكد أنّه “يقع على القائمين على هذه الوسائل دور مهم وهو كيفية تعاطيهم مع الدعاة، والأصل أن القائمين على وسائل الاعلام محاولة استغلال الجانب المعرفي لدى الدعاة حتى يتمكنوا من إبراز دورهم في الخروج من الأزمة أو عدم تفاقمها”.
مسؤوليات تقع على عاتق الدعاة
وبين السوسي أنه في مثل هذه الأزمات يقع على عاتق الدعاة وغيرهم ممن لهم تأثير في الرأي العام مسؤوليات وهي:
1- لا يجوز للداعية أن يخوض في مجال لا يعرفه، وإن أراد أن يتحدث فيتحدث في حدود ومجال تخصصه فقط، ويترك المجالات الأخرى لأصحاب الشأن، وترك التنطّع والآراء الفرديّة والشخصيّة.
2- عدم التهويل أو تداول المعلومات غير الصحيحة، والبُعد عن القلق، فذكر الخسائر والأموات والأرقام لا تفيد الناس في شيء.
3- تذكير الناس بالله والإكثار من ذكره واستحضار عظمته وإعجازه وجبروته الذي قصم ظهر دول كانت تظن نفسها لا تقهر، وما يجري أكبر دليل على أن علم الإنسان مهما بدا عظيماً فإنه يبقى قاصراً إلى جانب علم الله الخالق والمسيّر لهذا الكون بكل تفاصيله ودقائقه.
4- المطلوب أن نرد الناس إلى مقتضيات العقيدة ومقرراتها وأن نوجه الناس إلى الأخذ بالأسباب الوقائية التي يقررها الأطباء من ناحية، وأن نذكرهم بأن أقدراهم وآجالهم مرهونة بيد الله سبحانه وتعالى ، ونذكرهم بقوله سبحانه: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة:51]، ونذكرهم بوصية النبي – صلى الله عليه وسلم – لابن العباس التي يوصي فيها الأمة كلها بشخص ابن عباس: “وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ} فتذكير الناس بعقيدتهم أمر يزرع الثقة والراحة في نفوسهم.
(المصدر: موقع بصائر)