ما الذي يمنع الكيان الصهيوني من هدم الأقصى؟
“سنواجه تلك القوى التي تريد سلب حقوقنا في جبل الهيكل”
هذا ما صرح به رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتانياهو منذ يومين خلال المراسم الرسمية التي أقيمت في عين كارم “جبل هرتزل”، إحياء لذكرى اليهود الإثيوبيين الذين هلكوا في طريقهم إلى إسرائيل.
ويضيف نتانياهو إنه يدور حاليا صراع حول قلب القدس… إنه ليس بصراع جديد، وإنما هو عبارة عن صراع يدور ما بين عدم التسامح والتسامح، وبين العنف المعربد والنظام والقانون (كما يزعم) إن هذا الصراع ليس جديا كونه بل منذ مئات السنين، منذ صعود الديانات السماوية الثلاث.
وتابع أنه في بعض الأحيان كانت الهيمنة لطرف واحد بادر إلى استبعاد الطرفين الآخرين، وفي أحيان أخرى تبدلت الأدوار بين الأطراف، لكن الشيء نفسه تكرر. يمكن الجزم أنه وعلى مر تاريخ مدينة القدس الطويل، لم نشهد مثل هذه الفترة الطويلة من الاستقرار والأمان حيث يتم السعي لضمان حرية العبادة والتسامح لجميع، إلا تحت السيادة الإسرائيلية منذ عام 1967.
هذه مجموعة الأكاذيب التي يسردها نتانياهو ويخلط فيها بين الحق والباطل، هي استمرار للوهم الذي زرعه حاخامات اليهود، ويوهمون الآخرين بأنهم يعتقدون اعتقادا جازما بوجود هيكل سليمان الذي بناه النبي سليمان ليكون معبدا لليهود، والهيكل في اللغة العبرية يعني بيت الإله، ويدعي بعضهم أن الرب (في عقيدتهم) بعد أن سئم من السكن فوق الغيوم ورغب في السكن على الأرض اتخذه بيتا تعالى الله عما يقولون، وبالرغم من تعدد الاختلافات بين الطوائف اليهودية في المكان الذي بني فيه الهيكل، فاليهود السامريون يعتقدون انه بني على جبل جرزيم في مدينة نابلس، ويستدلون على ذلك بسفر التثنية أحد أسفار التوراة الخمسة، أما اليهود القادمون من بريطانيا وأمريكا والمتأثرون بالبروستانت، فهم يرون أن هيكل سليمان تحت المسجد الأقصى الحالي، ولكنهم يعودوا ليختلفوا في أي مكان من ساحة المسجد الأقصى، فمنهم من يزعم أنه تحت المسجد الأقصى نفسه، ومنهم من يزعم أنه تحت قبة الصخرة، ومنهم من يزعم أنه خارج منطقة الحرم، ومنهم من يزعم انه على قمة الألواح وهي في منطقة الحرم بعيدا عن المسجدين.
هكذا يحيا اليهود على الكذب والبهتان، فلا يوجد مصدر موثوق به يثبت بناء النبي سليمان عليه السلام لهذا الهيكل، فالقرآن الكريم قص علينا قصة داود وسليمان عليهما السلام في عدة مواضع، وذكر قصة سليمان مع بلقيس والهدهد والنملة ومع الجن، وبعض هذه الأحداث تبدو أقل أهمية من الهيكل، فلماذا لم يتكلم القرآن الكريم عن الهيكل إذا كان بهذه القدسية والجلالة التي يذكرها اليهود؟
فالحقيقة التي طالما ينكرونها أنه لا وجود لهذا الهيكل إلا في كتب اليهود، وهي كتب لا يوثق بما فيها، حتى كتابهم المقدس (التوراة) نفسه قد اعترف كثير من علماء اليهود والنصارى والمؤرخين أنه امتدت إليه أيدي التحريف والتلاعب والزيادة والنقصان.
لقد بنيت فكرة عودة اليهود إلى فلسطين، على هدف أساسي وهو إعادة بناء هيكل سليمان وإقامة مملكة إسرائيل وذلك تحت قيادة المسيح المنتظر.
وبالرغم من أن النظرة اليهودية الأرثوذكسية ترى أنه لا يجوز العودة إلى الأرض المقدسة دون انتظار المسيح، وهو ما يعد خروجاً على الإرادة الإلهية وتعاليم التوراة، فإنه نتيجة الضغوط المسيحية البروتستانتية والتي ترى عكس ذلك، أي أن قيام إسرائيل وتشييد الهيكل هو شرط لنزول المسيح، فقد حدث تحول جديد لليهود، عبر عنه التيار الصهيوني الديني الذي أنكر فكرة انتظار المسيح المخلص لقيادة جموع اليهود، والدعوة إلى العودة لفلسطين وإقامة مملكة إسرائيل ومن ثم هدم الأقصى وإقامة هيكل سليمان.
فإذا كان اليهود يتوقون بشدة لهدم الاقصى وبناء الهيكل …ما الذي يمنعهم اذن؟
يتحدث البيولوجي الأمريكي جيمس جاننغ عام 1994 عن المخطط اليهودي لعدم الأقصى، وقد سبق أن أجرى دراسات بيولوجية في الأردن ومصر وفلسطين فيقول: كثير من الصهاينة الإسرائيليين يفضلون المضي في المخطط خطوة.. خطوة. فإذا لم ينسفوا المسجد فإنهم يتمنون أن ينظر إليهم كمعتدلين… إن بعض قادة إسرائيل يختبرون الأجواء السياسية لبناء الهيكل إلى جانب المسجد. فإذا حققوا ذلك، فإنهم قد يعمدون لاحقاً إلى إزالة الحرم الشريف. إنها لعبة القوة السياسية.
وعندما أحتل اليهود مدينة القدس الشرقية في يونيو عام 1967 كان أول الداخلين الى المسجد الأقصى، الحاخام الاكبر للجيش الاسرائيلي الجنرال سولومون غورين وكان معه الجنرال عوزي نركيس قائد الجبهة الشرقية التي احتلت القدس والضفة الغربية، وتم رفع العلم الاسرائيلي على قبة الصخرة الذهبية وقال الجنرال غورين لقائد الجبهة الشرقية الجنرال عوزي نركيس: هذه هي اللحظة المواتية لتفجير قبة الصخرة.. افعلها وسيخلد اسمك في سجلات التاريخ. وعندما أوضح الجنرال نركيس، بأن مثل هذا العمل لا يمكن أن يتم إلا في المواجهات العسكرية زمن الحرب، علق غورين قائلاً: غدا سيكون قد فات الأوان على ذلك، وبعد ذلك عندما دخل موشه ديان المسجد الاقصى قال للجنرال غورين: ليس هذا وقت تدمير الاقصى وطلب إنزال العلم الاسرائيلي من على قبة الصخرة.
وبالرغم من أن اليهود يكادون يسيطرون على العالم بالتحكم في الاقتصاد العالمي والاعلام وتجارة السلاح وشركات الغذاء وشركات الإلكترونيات والبرمجيات وغيرها.
وبالرغم من سيطرتهم على السياسة العالمية، في توجيههم للسياسة في أمريكا والتي تتربع على رأس النظام الدولي.
وبالرغم من كل ذلك إلا ان مقاومة الشعب الفلسطيني تجعل تكلفة الهدم عالية لا يتحملها اليهود:
فهناك فلسطينيو ٤٨ ويبلغون ما يقرب من مليون ونصف فلسطيني، وقد فُرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية كأمر واقع في عام 1948 بعد أن أعلنت تل أبيب طرد كل مَن لا يحمل تلك الهوية، ولكنهم يقودون معركة البقاء والتصدي لسياسة التمييز والعنصرية، وتجريدهم من حقهم في السكن والمساواة. فهذه الشريحة الفلسطينية، التي رفضت التهجير على الرغم من النكبة، وصمدت في أرضها تحولت بمرور الوقت إلى قنبلة ديموغرافية إسرائيلية، فهم حاليا يشكلون ما يقرب من 25 % من سكان الكيان الصهيوني، وفي ظرف عدة سنوات سيبلغون نصف السكان، وهذا ما يقلق الاستراتيجيون اليهود، وقبل عامين أجملت دراسة صادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي مترتبات هذا الخطر، حين أشارت إلى أن اختلال الميزان الديموغرافي في الجليل والنقب (وهي المناطق التي يتركز فيها العرب) ينطوي على خطر جيوسياسي يتهدد إسرائيل.
ولكن الأخطر بالنسبة للكيان الغاصب، هو أن هؤلاء السكان بالرغم من محاولات تغريبهم العديدة وابعادهم عن الإسلام، فقد ظلوا محتفظين بل متمسكين بحبهم للأقصى ومناصرتهم لقضيته، وقد شارك الآلاف من أبناء مناطق 48 وخاصة الشباب في حماية الأقصى من الهجمات الإسرائيلية، كما تواجد المئات منهم في حي الشيخ جراح والذي يحاول المستوطنون اليهود اقتحامه، فشارك هؤلاء الفلسطينيون أبناء الحي في الاعتصام في بيوتهم وزودوهم بالمؤن من طعام وخلافه.
وبالإضافة إلى فلسطينيو 48 هناك أيضا فلسطينيو الضفة الغربية، وهؤلاء يقترب عددهم من ثلاثة ملايين وعانت اسرائيل كثيرا من انتفاضاتهم المتتالية.
واخيرا هناك فلسطينيو غزة وهم يبلغون ١.٧ مليون ولديهم صواريخ تصل اسرائيل.
نعم ما تحقق بالأمس ولا يزال يتحقق اليوم لهو انتصار متعدد المعاني:
فقد أجبر الفلسطينيون سلطات الكيان المحتل على تحويل مسيرة المتطرفين اليهود بعيدا عن الأقصى.
لقد حقق مئات الألوف من الشباب الفلسطيني في الخط الاخضر من القري العربية، في الضفة، في غزة …من أقصى الشمال الفلسطيني الي الجنوب…حققوا النصر.
مستقبل فلسطين له اتجاه آخر بهذا الشباب.
(المصدر: مجلة البيان)