مقالاتمقالات مختارة

ما الذي يقدمه القرآن على المستوى المعرفي لمواجهة كورونا؟

ما الذي يقدمه القرآن على المستوى المعرفي لمواجهة كورونا؟

بقلم عبد المجيد الأحمدي

بدل أن يشحذ العلمانيون “علميتهم” و”عقلانيتهم” لمواجهة كورونا شحذوا ألسنتهم الحداد للطعن في الدين وفي القرآن الكريم بقصد إبعاده عن معالجة مثل هذه القضايا المجتمعية، أو بقصد إثارة الشبهات، ومن هذه الشبهات ما أثاره أحدهم بقوله (ما الذي يقدمه القرآن على المستوى المعرفي لمواجهة كورونا؟).

إن القرآن الكريم لا يشتغل بالقضايا العلمية التجريبية، فمجالها غير مجال القرآن، بل مجالها هو العقل البشري الذي ينبغي أن يشتغل ويجرب ويبحث ليصل إلى النتائج، ودور القرآن هنا هو بناء هذا العقل وتوجيهه للبحث والتأمل والتفكر في الكون باعتباره عبادة أولا، وباعتباره وسيلة لتفاعل الإنسان مع الكون قصد الاستفادة منه ومن خيراته وقصد فهم قوانينه ونواميسه، وذلك من مقتضيات الاستخلاف في التصور القرآني، والإسلام هنا يربي العقل على الاستقامة ويحرره من الوهم والخرافة والظلم والاستبداد باعتبارها أمور تطمر العقل وتمنعه من الإنتاج النافع، ومن هذا الإنتاج النظر في الأمراض وأسبابها وعلاجها والوقاية منها… وبذلك يصل للحقائق الجزئية عن طريق النظر والتجربة.

وبعد أن يحرر القرآن العقل من الجهل والخرافة ويربيه على الاستقامة التفكير والشعور، فإن يأمره بالبحث والنظر والتجريب ويسمح له بالخطأ بمقدار ما يشجعه على الصواب كل في ذلك في إطار موازين القرآن الكريم وتصوره السليم وبنائه المعرفي الواضح المستقيم، وهكذا يقدم القرآن الكريم للبشرية أكبر دور وأعلى وظيفة معرفية في مواجهة الأوبئة الاجتماعية والصحية…

وحين عمل المسلمون بهذا المنهج فقد حققوا – بفضل القرآن الكريم- ثورة معرفية وعلمية، كانت استفادة الغرب من نتائجها عاملا من عوامل نهضته المعاصرة.

إن السؤال – من اللادينين – عن وجود الحقائق الجزئية الواقعية في القرآن الكريم هو في غالب الأحوال سؤال تعجيز واستهزاء، ولكنه – قبل ذلك – يعبر عن جهلهم الكبير بطبيعة هذا الكتاب، وإن تلمس هذه الحقائق والبحث عنها في القرآن الكريم – من بعض المسلمين-  تعبير عن هزيمة داخلية بسبب الفتنة بالعلم  وإعطائه أكثر من حجمه، يقول ابن خلدون رحمه الله: (فإنه صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليعلمنا الشرائع، ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات) (المقدمة، الفصل الرابع والعشرون:الطبيعيات، ص 301).

والقرآن لم يجيء لهذه الجزئيات العلمية لأنها غير متناهية وغير محصورة، ولأن البشرية لا تكون في كل حين مهيأة لفهم ما لم يقع بَعدُ وتفصلها عن وقوعه قرون، وتحصيل هذه القضايا العلمية الطبية أو الكيماوية وغيرها يحتاج مقدمات طويلة قبل الوصول إليها واستيعابها، وهذا الاستيعاب موكول للعقل والجهد البشري، أما القرآن فجاء ليعلمنا الشرائع وليعالج النفس البشرية والحياة الإنسانية.

فكيف لو تكلم القرآن لأهل القرون السابقة عن الميكروبات والفيروسات مثل الكوليرا وكورونا…وذكر لقاحها وعلاجها؟ كيف تستوعبه تلك العقول وكيف تفهمه بمعلوماتها الضحلة القليلة؟؟ وقد قال علي رضي الله عنه –انطلاقا من منهجه المعرفي القرآني – (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) (صحيح البخاري)، ثم بعد ذلك، ماذا يبقى للعقل البشري أن يفعله سوى أن يحنط في تابوت الزمان أو متحف التاريخ.

ومن أظهر ما قدمه القرآن الكريم في محاربة هذا الوباء –وباء كورونا – هو أنه وقى منه قبل وقوعه وقبل محاربته، فمما بات معلوما أن الاحتكاك المباشر والكثيف بين الإنسان ومختلف الحيوانات (الكلاب، الصراصير،الأفاعي الخفافيش..) وتناولها وإدخالها في النظام الغذائي في بعض المناطق الآىسيوية والصين على رأسها،  كان سببا قويا في انتقال هذا الفيروس وفيروسات أخرى للإنسان، وإن تحريم الإسلام لتناول هذه الحيوانات ومصاحبتها، مما هو معلوم من الدين بالضرورة، وهو أكبر وقاية من هذا الأوبئة والحكمة الشهيرة تقول (الوقاية خير من العلاج).

(المصدر: هوية بريس)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى