أعلن وزير الدفاع الماليزي، هشام الدين حسين، أن جيش بلاده مستعد دائما لتولي «مهمة ما من أجل قضية القدس» محرجا بذلك دولا عربية أنفقت المليارات على بناء جيوشها وتسليحها ولم تجرؤ على قول مماثل او مجرد التلميح بذلك للاسف؛ قائد الدفاع الجوي الباكستاني قبل ذلك بأيام وبعيد زيارة وزير الدفاع الامريكي «ماتيس» التحذيرية والاستفزازية لبلاده، قال سيتم إسقاط أي طائرة عسكرية أمريكية «درون» تحلق في أجواء بلاده، وخصوصا تلك التي اعتادت قصف مواطنيه.
لم تعد أمريكا ذلك البعبع الذي تخشاه الدول الإسلامية؛ فالقدس أعطت زخما كبيرا للتعبر عن ذلك؛ فالدول الإسلامية عانت الأمرين على مدى السنوات الماضية من ازدراء أمريكا لها؛ كان آخرها منع وزير الدفاع الإندونيسي من دخول أمريكا بعد وصوله إلى المطار واحتجازه، رغم توجيه دعوة رسمية له لزيارة واشنطن. القدس فرصة للتمرد على أمريكا والتعبير عن الاستياء من السياسة الأمريكية التي طال أمدها، وامتد إلى جوانب تهديد أمن واستقرار الدول العربية والإسلامية؛ فالقدس عنوان لانتفاضة الكرامة في العالم العربي والإسلامي.
الأوراق اختلطت في الإقليم؛ فتركيا الدولة الإسلامية متزعمة لرئاسة منظمة التعاون الإسلامي بعيدا عن جوقة التطبيع البائسة، وتملك موقفا صلبا ومستقلا؛ إذ أعلنت عن عقد قمة لمنظمة التعاون الإسلامي؛ بل إن رئيسها صرح بالقول «لن نسمح ببقاء القدس بأيدي الإرهابيين الذين يقتلون الأطفال»؛ وفي خطوة تصعيدية أعلنت أنقرة أن قطع العلاقات مع دولة الكيان خطوة قادمة على الطريق، لتعطي مفعولا عكسيا لمراد أمريكا والكيان، من تهيئة الأجواء لصفقة القرن التطبيعية مع العالم الإسلامي؛ فالعالم الإسلامي لن يطبع ولن يساوم على مقدساته، والقيادة في العالم الإسلامي ليست بأيدي المطبعين والمتصهينين الذين فقدوا مكانتهم واحترامهم في العالم العربي ولم يعد لهم مكان في مقعد القيادة.
الأردن البلد العربي محدود الإمكانات اتخذ موقفا صلبا معززا موقف الدول الإسلامية، ومحركا المياه الراكدة، وبات محور التحرك العربي والإسلامي، فالملك عبد الله الثاني مدعو إلى أنقرة للمرة الثانية في أقل من أسبوع، عاكسا أهمية الأردن ودوره ورعايته الأماكن المقدسة؛ فمكانه الطبيعي في الصف الاول لقيادة المواجهة، مخيبا آمال المتصهينين في المنطقة.
كرة الثلج تتسارع في حركتها والعالم الإسلامي يزداد تناغما في موقفه الصلب من الإدارة الأمريكية موفرا دعما معنويا كبيرا للشعب الفلسطيني، وماديا ستظهر آثاره قريبا على الأرجح؛ فالعراق حاضر بموارده وإمكاناته في هذه المعركة، وكذلك تركيا وإندونيسيا وماليزيا وإيران التي لن تتأخر عن المواجهة أو تتخلف عنها؛ فالموجة باتت أكبر من أن يتم تحديها أو حرفها عن مسارها من إدارة مهزوزة مأزومة في واشنطن، والأهم أنها معزولة عن حلفائها ومحاصرة من أعدائها.
المنطقة على موعد مع نهاية بائسة للنفوذ الأمريكي الذي أثقل كاهل العالم بترهاته وحروبه الدونكيشوتية؛ فأمريكا فقدت موقع القيادة للنظام الدولي، وتخلت عن مسؤولياتها بانسحابها من اتفاقية المناخ، واتفاقية اليونسكو، واتفاقية اللاجئين والمهاجرين، والاتفاق النووي مع طهران، واتفاقية التجارة عبر الباسفيك، وخذلت حلفاءها في الناتو وابتزتهم، وهددت بالانسحاب من النافتا التي تضم المكسيك وكندا؛ فهي دولة معزولة بنزعة انعزالية يمينية متطرفة دفعت مندوبة الولايات المتحدة «نيكي هيلي» إلى ازدراء المؤسسة الأممية «الأمم المتحدة» بالقول إنها ستضرب بالحذاء كل من يعترض على عنصرية الكيان وإجرامه ومخالفاته للقانون الدولي، واضافت مؤخرا أنها لن تسمع محاضرات في مجلس الأمن؛ في إشارة إلى بوليفيا الدول الفقيرة التي اعلنت أن مجلس الأمن محتل.
هناك صحوة للضمير العالمي وللعالم الإسلامي والعربي، ومن يتخلف عنها خاسر ومنبوذ وبحكم المعزول في العالم العربي والإسلامي؛ ففي كل يوم سنشهد تصعيدا في العالم الاسلامي ضد الاجراءات الأمريكية، ولعل أحد ذرواتها الكبيرة ستكون عند بدء جولة «بنس» البائسة إلى المنطقة العربية؛ فالانتفاضة مستمرة ولها ديناميكية خاصة انطلقت ولن تتوقف.
(المصدر: عربي21)