مالكوم أكس .. الخطيب الثائر وشهيد دعوة التصحيح
إعداد زينب الخنيسي
مالكوم إكس، وُلد في عشرينيات القرن المنصرم في الولايات المتحدة الأمريكية في جو مضطرب مشحون بممارسات العنصرية والتفرقة العرقية ضد السود، مناخ أفرز ظواهر وسرع في أحداث وتقلبات انعكست على شخصية الرجل وأثرت في مسيرته النضالية.
نشأ مالكوم في عائلة فقيرة ذهب استقرارها بسبب أعمال عنف سلطت عليها لدواعي عنصرية، حيث قُتل والده على يد مجموعة من البيض، وأعدِم عمه من دون محاكمة، وأدخِلت أمه مشفى الأمراض العقلية بعد أن عجزت عن تأمين لقمة العيش لأبنائها الثمانية، وهو في سن الثالثة عشرة.
فقد السند والعدل، فتهيأت أمامه سبل الغضب والانحراف والذي قاده بدوره إلى السرقة وتعاطي المخدرات كملاذ وهروب من واقع قاتم، فوجد نفسه في السجن، هنالك كانت النقلة النوعية الأولى في حياته، حيث شكل السجن زاوية تأمل ومراجعات، أقبل من خلالها على كتب مكتبة السجن يطالعها ويقضي ساعات الليل والنهار بينها أملاً في الوصول لأجوبة عن أسئلة عديدة تسكنه عقله وتفكيره، عن أصل السود، جينات الإنسان، والفلسفة والحضارة، الأمر الذي ساعده في بناء رصيد معرفي مهم، أسهم في تشكيل معالم شخصيته، وهيأته للخوض في مسائل فكرية، كما جعلت منه خطيباً مفوهاً يحسن الحجاج والإقناع.
وفي السجن أيضاً تعرف على الإسلام من خلال جماعة أمة الإسلام لمؤسسها أليجا محمد “وهي منظمة دينية سياسية اجتماعية، تأسست في أمريكا، تعتقد في تفوق العرق الأسود وسيادته على العرق الأبيض، امتازت المنظمة بالفاعلية والتنظيم في الدفاع عن حقوق السود، غير أنها تحمل أفكاراً منحرفة عن الإسلام بدأ بتفوق السود مروراً بكون الإسلام أرسل إليهم دون غيرهم من الأجناس، انتهاء باعتقاد مؤسسها كونه رسولاً من عند الله.
خرج مالكوم من السجن بأفكار تتوافق مع أطروحات منظمة أمة الإسلام، وبكون البيض عاملوا غيرهم من الشعوب معاملة الشيطان، وعليه وجب المعاملة بالمثل، يقول في مذكراته أنه عندما خرج من السجن ذهب إلى هارليم نزولاً عند رغبة أسرته، كي يصبح عضواً في منظمة أمة الإسلام ولكي يعمق معرفته بتعاليمها.
بفضل قدرته العالية على الخطابة تدرج داخل صفوف المنظمة، حتى بات الناطق باسمها لما يزيد عن 10 سنوات، كما يُعزَى إليه الدور في زيادة عدد أفراد المنظمة من بضع مئات إلى ثلاثين ألفاً. دعا إلى الأممية السوداء وهي فكرة تقوم على التفرقة والانفصال عن المجتمع الأبيض من خلال استقلال السود بكيان خاص بهم، إذ كان يرى أن لا انعتاق للسود في أمريكا إلا من خلال خيارين لا غير، إما بهلاك البيض، وإما بإنشاء السود موطناً خاصاً بهم.
وبحلول سنة 1964 انقضى ربيع مالكوم إكس مع منظمة أمة الإسلام لعدة أسباب لعل أبرزها خلافه مع مؤسسها حول عدة نقاط كان أبرزها تعليق مالكوم على مقتل جون كينيدي، وتأثره مسبقاً بمؤتمر باندونغ سنة 1955 والذي حضرته وفود من 29 دولة إفريقية وآسيوية، تواصت بإنهاء الاستعمار الأوروبي، أعجب في تلك الفترة بفكرة التنظيم التشاركي بين الأجناس للدفاع عن حقها في تقرير مصيرها، لكنه كان مقيداً بمنظمة قائمة على الفصل مما دفعه إلى تركها.
كانت أفكار مالكوم عرضة للنقد من قبل المسلمين البيض في أمريكا، فعلى أثر محاضراته في الجامعات كان يأتيه أناس من أصول عربية ويقولون إن إدانته للرجل الأبيض تتنافى مع حسن إسلامه، لكنه كان ينفر من كلامهم بسبب تعاليم الجماعة التي كان ينتمي إليها، إلى أن حثه أحد منتقديه من المسلمين أن يقابل الدكتور محمود يوسف شواربي، وهو مستشار في الأمم المتحدة والذي كان في تلك الفترة يشغل منصب مدير الجمعيات الإسلامية في أمريكا وكندا، وبالفعل تحقق له ذلك، يقول مالكوم عن لقائه بيوسف شواربي ” قال لي شيئاً لم يبرح منطقة ذهني: إن المؤمن لا يؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”. وبعدها بمدة قصيرة سلم شواربي مالكوم رسالة تزكية لاستخراج تأشيرة للذهاب إلى الحج.
بعد السجن، كانت رحلة الحج محطته الثانية التي غيرت أفكاره بطريقة كلية وجذرية، حيث تعرف على الإسلام من خلال منابعه الأصلية فحاور العلماء والمفكرين العرب، كما غيّر اسمه كأصدق تعبير عن هذا التحول، فأصبح الحاج مالك الشباز، يقول واصفاً تلك التجربة: “رأيت في الحج ما لم أره طيلة 39 سنة، لم أشهد أصدق من هذا الإخاء بين أناس من جميع الألوان والأجناس، إن أمريكا في حاجة إلى فهم الإسلام لأنه الدين الوحيد الذي يملك حل مشكلة العنصرية فيها” كما أضاف واصفاً تعامل الناس معه في الحج: “لقد عاملوني كما لو كنت أخاهم” وعلى ضوء ذلك صرح: “إنني أعيد النظر في تقييمي للرجل الأبيض”.
كما كتب إلى زوجته “إن الله هداني في أرض محمد وإبراهيم إلى الإسلام الحقيقي”.
انعكست رحلة الحج على أفكار مالكوم وخطاباته، فما إن عاد إلى أمريكا حتى تبرأ من أفكار منظمة أمة الإسلام ودعا أعضاءها إلى الانتساب للإسلام الصحيح من خلال ترك التفرقة، والعمل في كنف المجموعة
البشرية الواحدة، فلم يقبل جل أعضائها بذلك بل كانت دعوته تلك سبباً لتنامى الخلاف بينه وبين المنظمة.
وبفضل تحرر خطابه من عقدة التفرقة والتميز انصبت جهوده في الدعوة إلى تفعيل القوانين وأصبح أكثر نضجاً في المطالبة بالحقوق السياسية للسود، تبلورت تلك المساعي في نيته الذهاب بقضيته أشواطاً بعيدة، أي إدانة بلده أمام الأمم المتحدة، متهماً الحكومة الأمريكية بالمراوغة وعدم إبداء الجدية في حل مشكلة السود وحماية أرواحهم.
لم يكن مسار التصحيح الذي أخذ مالكوم بزمامه محل رضا من قبل خصومه السود والبيض معاً، وهو ما جعله عرضة للاستهداف وتيقن مستمر من كون طريقه محفوفاً بالموت، ففي تصريح لأحد الصحفيين قبل أسابيع من اغتياله قال إن ثمن الحرية هو الموت”.
وفي 21 فبراير/شباط، سنة 1965، وخلال إلقائه محاضرةً يدعو فيها إلى الإسلام، وُجهت إليه ستة عشرة رصاصة كانت كفيلة بأن تضع نهاية لجسده النحيل، أما أفكاره الثائرة فظلت محلقة في سماء المستضعفين، تلهمهم النصر واليقين.
(المصدر: تي آر تي TRT العربية)