ماكرون… و الماكرون… والإسلاموفوبيا
بقلم د. محمد فتحي الشوك
“الإسلام ديانة تعيش اليوم أزمة في كلّ مكان في العالم و ليس في فرنسا فقط…نرى مشاريع دينية و سياسية تؤدّي الى التشدّد ، شاهدوا صديقتنا تونس حيث كانت الوضعية مختلفة منذ ثلاثين عاما فانتشرت نزعات التطرّف و لجهاد مبتدع موجّه لتدمير الآخر..”
كانت تلك مقتطفات من خطاب رئيس فرنسا موجّها للفرنسيين مستوحى من خطابات اليمين المتطرّف الفاشي العنصري في ظلّ الإسلاموفوبيا المتصاعدة في فرنسا و في أوربّا و في العالم.
لم يكن هذا هو الهجوم الأوّل من ماكرون على المسلمين لكنّه الأشرس و الأعمّ إذ لم تعد المشكلة في تطبيقات و اجتهادات و ممارسات خاطئة من المنتمين لديانة هي الثّانية في فرنسا و الأولى عالميا في سرعة الانتشار ، بل في خلل بنيوي متأصّل يجعل منها منتجة للتشدّد و التطرّف و خطرا يهدّد المجتمعات و يمزّقها .
تعميم و ارسال للأحكام في المطلق من طرف من يقول أنّه أغنوشتي في دولة تدّعي أنّها علمانية و تضمن حرّية المعتقد و الضّمير و تتبنّى شعارات “الحريّة و المساواة و الأخوّة”! فهل نسمع لأحدهم ردّا لهذه الاتّهامات الخطيرة الموجّهة لملايين المسلمين داخل فرنسا و مليار و نصف خارجها؟
سبق لماكرون أن تهجّم على الاسلام واصفا إيّاه بالتطرّف أمام السيسي فاكتفى الأخير بالابتسامة و تمادى في ذلك بل وجد تشجيعا من قبل اللّيكود العربي و محور الثورة المضادة خصوصا من المؤامرات العبرية، و لم يلجمه و يضعه عند حدّه إلّا أردوغان الّذي عرّفه بحجمه و كال له العلقات و تحوّل بالنسبة اليه الى عقدة مستعصية.
منذ ثلاثين عاما كان ماكرون صبيا مراهقا له من العمر أربعة عشر عاما ، و كانت مدرّسته بريجيت ترونيو زوجة أوزيير تدرّسه مادّة الفرنسية و أكيد أنّه لم يكن يعلم ما يجري في المستعمرات القديمة جنوب ضفّة المتوسّط من قمع للحرّيات و انتهاك لحقوق الإنسان و استباحة لقدسية الحياة و لكرامة الإنسان ، “كان الوضع أفضل” هو الاستنتاج الوحيد و البسيط الذي خرج به ملتقيا في ذلك مع الإقصائيين المتطرّفين و الشعبويين المتسلّقين من يرون أنّ العالم أفضل بدون وجود من يخالفهم الرّأي أو التوجّه.
ماكرون الّذي تزوّج مدرّسته فيما بعد ليجد نفسه في سدّة الحكم بعد هزمه للوبان كان أسوأ من الأخيرة ، استعلاء و هيمنة و عنصرية فكان الأمر كحال من يستجير بالرّمضاء من النّار، لم تعرف فرنسا خلال فترة حكمه إلّا أزمة تتبعها أخرى داخليا و خارجيا ، ففي الداخل ماتزال الازمات الاجتماعية في أوجها بينما تتدهور شعبيته إلى الحضيض ليخسر الانتخابات البلدية الأخيرة بشكل مهين، أمّا خارجيا فدور فرنسا ينحسر و يتضاءل و هي من يوم لآخر تخسر مزيدا من المواقع سواء في افريقيا أو شرق المتوسّط و أغلب اللّطمات التي تلقّتها كانت وراءها تركيا و أردوغان شخصيا ليتحوّل الأخير الى متلازمة تضاف إلى متلازمات ماكرون السابقة من اسلاموفوبيا و مغالومانيا و بارانويا و نكوص عاطفي.
عقد و أزمات يعيشها ماكرون حفيد آل روتشيلد و قطّة بريجيت المدلّلة حوّلها الى أزمة في عقيدة أكثر من مليار و نصف إنسان، فهل سنسمع ردّا مناسبا في مستوى خطورة اتّهاماته من قبل المؤسسات الدينية الرّسمية أو شبه الرّسمية أو أنّ الأمر يتماهى مع ما يبطنونه ؟
و هل سنسمع صوتا لصديقته تونس الّتي تكلّم باسمها مدّعيا بأنّ وضعها كان أفضل في عهد الطّاغية؟
من المستبعد ذلك فما أصاب ماكرون أصاب بعضنا بشكل أدهى و أمرّ.
هو ماكرون و هم ماكرون، لهم ماكرونهم و لنا ماكرينا و المكر واحد.