ماشأنُ السادِرين تحت حكم الظلمَة الغادرين؟
بقلم عبدالله عيسى السلامة
نظر ملك قديم ، في أحوال رعيته ، فوجد الناس ، جميعاً ، يشكون ؛ كلّ منهم يشكو، من : همّ أصابه .. أومرض ألمّ به .. أو فقر نغّص عيشه .. أوجار يؤذيه ، أو قريب يقسوعليه ..!
فنظم بيتاً من الشعر، هو:
كلُّ مَن تَلقاه ، يَشكو دهرَه = ليت شعري؛ هذه الدنيا ، لمَن ؟
وسأل وزيره ، عن الجواب ، فلم يعرف ؛ بمَ يجيب ! وصار يسأل ، كلّ مَن يزور قصره ، فلا يجد جواباً ، لدى أحد !
فاصطحب وزيره ، معه ، وطفقا يجولان ، في البوادي والأرياف ، ويُسمعان مَن يَريانه ، بيت الشعر، فلا يجيبهما أحد!
وفي إحدى البوادي ، رأيا كهلاً ، رثّ الثياب ، تبدو على محيّاه ، سيماء الفقر والتشرّد ، يجلس على قارعة الطريق ، ويغنّي لنفسه ، غير عابئ بأحد ، ممّن يمرّ به ، أو يسمعه ! فوقفا ، عنده، وأسمعه الملك ، البيتَ ، فأجاب الكهل ، على الفور:
هذه الدنيا لمَرءٍ سادرٍ = لا يُبالي ، كيفما دارَ الزمَنْ !
أعجبت الإجابة ، الملك ، فاصطحب وزيره ، عائدين إلى القصر، وهو يردّد بيت المتشرّد، ويظهر التعجّب ، من معناه !
وظلّ المتشرّد ، في الطريق ، يغنّي لنفسه ، غير عابئ بأحد !
إلاّ أنّ الزمن ، دار عليه ، دورة ، لا تسرّه ؛ فقد فوجئ ، بشخص آخر، غريب ، لا يشبه ملوك زمانه ، يقف فوق رأسه، وحوله مجموعة من العسكر، وهم يسألونه ، عمّا يفعل، في الطريق.. ثمّ يتّهمونه ، بأنه يقطع الطريق ، على الناس ، وأنّه ؛ بناء على ذلك ، مخرّب ، فهو ؛ بالتالي : عميل للاستعمار، والصهيونية ، والإمبريالية ! فهو؛ بالضرورة ، ضدّ الممانعة والمقاومة ، والصمود والتصدّي ! ولا بدّ ، من اعتقاله ، واستجوابه ؛ لمعرفة مَن يحرّكه ، ومَن يدعمه ، ومَن يتآمر معه ، ضدّ الدولة ، وأمنها ، ورئيسها !
وحين سألهم ، عن شأنهم ، ومن هذا الذي يقودهم .. جاءته ضربة قويّة ، أفقدته تماسكه ، وكادت تفقده صوابه ! وقال مَن ضربه : ألا تعرف السيّد الرئيس ، ياحقير، ياخائن ، ياعميل، يامجرم !؟
ثمّ سأله الرئيس : أنت مع مّن : مع الدولة والوطن ، أم ، مع الخونة العملاء الإرهابيين !؟
قال المتشرّد : ياسيّدي ، أنا متشرّد سادر، لا أهتمّ بشيء ، ولا أعارض أحداً ، ولا أناصر أحداً!
فصفعه رجل آخر، صفعة قويّة ، وهو يقول : ياحقير، كيف لاتعارض أحداً ، ولا تناصر أحداً!؟ ألم تسمع كلمة السيّد الرئيس : مَن ليس معنا ، فهو ضدّنا !؟
قال المتشرّد ، يخاطب الرئيس : ياسيّدي ، أنا رجل متشرّد ، لا بيت لي ، ولا أهل ، ولا أصدقاء ، ولا أعداء .. فكيف أكون معكم ، أوضدّكم ، وأنا لا أعرفكم !؟
قال الرئيس ، بحزم واضح : إنّ هذا الحقير ضدّنا ، ولا بدّ ، من تعليمه : مَن نحن ! خذوه ، إلى الزنزانة ، وعلّموه ، مَن نحن .. كي يكون معنا !
وانطلق الرئيس ، مع عناصره ، باتجاه قصره ، وهو يردّد ، مستغرباً : قال لايبالي ، كيفما دار الزمن ، قال ! نحن نعلّمك ، ياحقير، كيف يدور الزمن !
(المصدر: رابطة العلماء السوريين)