مقالاتمقالات مختارة

ماذا تبقى اليوم من الثورة السورية؟

ماذا تبقى اليوم من الثورة السورية؟

بقلم أحمد عمرو

بعد سبعة أعوام من الثورة السورية أكثر الانتفاضات العربية بذلاً وتضحية، لم يتبقَ اليوم منها الكثير، فالمتابع لمجريات الأحداث الأخيرة في سوريا يقفز إلى عقله رغماً عنه هذا السؤال: ماذا تبقى من الثورة السورية؟ سؤال بدأ بالإجابة عنه عدد غير قليل من الباحثين والمختصين في الشأن السوري، والعجيب أن هذا السؤال طرح نفسه ليس من اليوم بل من أوائل العام 2016م إذ بدأ سلم الانهيار منذ سقوط حلب والغوطة الشرقية ووقوف العالم يتفرج على المجازر المروعة وسقوط الآلاف من النساء والأطفال تارة بالبراميل المتفجرة وتارة بالغازات السامة، واليوم جاء الدور على مدينة درعا لتشهد نفس المصير وبنفس الأدوات والوسائل، لكن درعا ليست كمثيلاتها.

لقد أفشلت الثورة السورية عدة مرات، مرة عندما اجتاحتها المليشيات الطائفية عام 2013م قادمة من إيران، وقد كان النظام الأسدي وقتها على وشك السقوط، مع ذلك صمد الشعب السوري واستطاع الإبقاء على جذوة الثورة برغم كيد العدو وتخلي الصديق. وأفشلت الثورة مرة أخرى عندما تدخل الروس عام 2015م، ليبقوا على نفوذ النظام ويعطوا له قبلة الحياة، ولقد تحدث وزير خارجية روسيا لافروف صراحة أنهم من أنقذ حكم بشار الأسد من السقوط. ومرة أخرى أفشلت الثورة في أوائل عام 2017م إذ تخلت معظم القوى الدولية والإقليمية عن الثورة السورية بشكل علني بالغ الوضوح، فقبل ببشار الأسد من كانوا بالأمس يرفضون وجوده.

درعا الدرع الأخير:

بدأت الحملة العسكرية على درعا في الأسابيع القليلة الماضية وهي المشمولة باتفاق خفض التصعيد، ومع هذا التصعيد العسكري الذي ينقض الاتفاق تلقت المعارضة السورية ضربة أمريكية، إذ أرسل المسؤولون الأمريكيون للمعارضة «ألا تبنوا قراراتكم على افتراض أو توقع قيام أمريكا بتدخل عسكري»، وتركت القرار لها بشأن «اتخاذ القرار السليم في شأن كيفية مواجهة الحملة العسكرية للنظام السوري»، وهو ما شكل إرباكاً كبيراً على الصعيد السياسي والعسكري. كما لم تبد واشنطن أي اعتراض جدي على خرق موسكو ودمشق اتفاق «خفض التصعيد»، ونددت باستحياء بالغارات الروسية التي أوقعت مدنيين وأدت لنزوح وتشريد عشرات الآلاف من المدنيين.

وترى أطراف في المعارضة أن هذا الصمت الأمريكي بشأن معركة تعتبر مفصلية في مسار الحرب والثورة السورية مرده تسليم بالنفوذ الروسي في سوريا واتفاق شامل مع موسكو يشمل حسم المعركة عسكرياً في الجنوب السوري، وموافقة صهيونية ففي تصريحات جديدة لنتنياهو قال: «لم تكن لدينا مشكلة مع عائلة الأسد [حافظ، وابنه بشار]، فعلى مدار أربعين عاماً لم تطلق رصاصة واحدة في هضبة الجولان»، مؤكداً على أنه لن تكون هناك مشكلة مع بشار لكن سيكون على إيران الرحيل.

وقد بدا واضحاً من لقاء هلسنكي (عاصمة فنلندا) بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترمب أن الولايات المتحدة سلمت روسيا الملف السوري تتحكم به كما تشاء، أو على أقل تقدير سلمت بدور محوري لها في تقرير مصير الأوضاع النهائية في سوريا، ففي تصريح للرئيس بوتين والذي جمعه بالرئيس ترمب في المؤتمر الصحفي على هامش قمة هلسنكي صرح بقوله: لقد أخبرني الرئيس ترمب بشأن الملف السوري أن الكرة أصبحت في ملعبنا ثم أهداه كرة قدم، وأكمل حديثه: لقد أصبحت الكرة الآن في معلبكم، خاصة أننا انتهينا من تنظيم كأس العالم!. وفي هذا خلط واضح بين اللعب والسياسة وفيه استهزاء وسخرية من الأزمة السورية.

على كل فإن العملية العسكرية الأخيرة جاءت بيد روسية وتواطؤ أمريكي وهدفها العسكري الوصول إلى الحدود الأردنية، ومعبر نصيب، والهدف السياسي إطفاء موطن شرارة الثورة الأولى ومهدها، فدرعا ليس كأي مدينة سورية، فهي مدينة الطفل حمزة الخطيب الذي أججت دماؤه الانتفاضة، كما أنها تعد البوابة الجنوبية لدمشق وكانت المعارضة المسلحة تراهن على هذا القرب للوصول إلى العاصمة، وهي نافذة حدودية مع الأردن ذات بعد اقتصادي مهم، كما أنها تحد محافظتي السويداء والقنيطرة وبالتالي فلسطين المحتلة،  وخلافاً للحل العسكري، تشترط روسيا على المعارضة تسليم سلاحها الثقيل والخفيف، ودخول شرطة عسكرية روسية مع عناصر الأمن العسكري للنظام في حواجز الشرطة الروسية، إضافة إلى دخول شرطة مدنية إلى مناطق المعارضة، وفتح معبر نصيب، وتسليم المؤسسات الحكومية للنظام، وعمل تسوية لجميع المقاتلين والضباط المنشقين عن النظام. واعتبرت المعارضة أن الاشتراطات الروسية في المفاوضات مذلة واستعبادية ولا يمكن قبولها، كما حملت هيئة التفاوض السورية روسيا وإيران مسؤولية خرق اتفاقات وقعت عليها، واستبعدت حلاً في سوريا يتضمن روسيا وإيران.

مصير سوريا

لقد أضحى السؤال الملح الآن لدى دول تقرير المصير في سوريا ليس هو من سيحكم سوريا بعد رحيل الأسد أو آليات رحليه، إلى سؤال أهم – بعد أن توافق الجميع على بقائه – ما الدول المحورية التي سترعى هذا النظام؟ بشكل آخر أصبح الحديث الآن على آلية تقسيم الغنائم في سوريا.

لا صراع اليوم إذا توافق الغرب (الولايات المتحدة وأوربا) وروسيا وإيران والأردن والكيان الصهيوني على إبقاء الأسد في سدة الحكم، لم يعد هناك توجه حقيقي للتغيير في سوريا، ومن لا يرغب في ذلك فقد اضطرته مصالحه القومية للقبول بالوصفة الدولية للحل.

بسقوط درعا وفشل الانتفاضة السورية نستطيع القول إن العالم العربي بكامله دخل في مرحلة جديدة في حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والدينية وهناك خريطة طريق جديدة ستشهد فيها كل الشعوب العربية عهداً هو أسوأ بكثير من مراحل الاستعمار المباشر الذي أعقب اتفاقية سايكس بيكو.

وأخيراً فإن سوريا الغد لكن تكون كسوريا الأمس، فلا النظام سيعود كما كان، وقد فقد الكثير من جنوده، وأجهزته أصبحت مهترئة، لكنه في الوقت نفسه سيتعامل على الأرض تعامل المنتصر، وما لهذا الأمر من تداعيات على الشعب السوري، فلن يعود النسيج الشعبي السوري كما كان وقد هُجر أهله وحل محلهم مليشيات وأشخاص أتوا من بعيد ليجنسوا بجنسية بلد سفكوا دماء أهله ليرثوا أرضهم وديارهم، فقد قام النظام السوري باستصدار قوانين تسمح بمصادرة أملاك من يعتبرهم مساندين للإرهاب، أي المعارضون الذين فروا من البلاد خوفاً من بطش القوى الأمنية ثم قام بتوطين عناصر من إيران وحزب الله فيها، عدا عن تلك التي يقوم بها ضباط أمن النظام ومسؤولوه من الطائفة العلوية بالاستيلاء عليها.

في حين أن أصحاب الأرض أصبحوا اليوم مهجرين ولاجئين على أبواب المدن الأوربية، فالمليشيات الإيرانية لن تخرج وقد بذلت كل تلك الأموال والأنفس كي تأتي في الأخير وتسلمها دون أن تقبض الثمن، والتعويل على موقف روسي يدفع الإيرانيين إلى الخروج من سوريا هو محض أمانٍ، فقد صرح وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف بأنه «ليس من الواقعي توقع انسحاب إيران من سوريا»، مشيراً إلى أن مناقشة الموضوع الإيراني في وسائل الإعلام الغربية تتم في سياق مبسط للغاية. والروس كذلك لم يأتوا من وراء البحار إلا ليستقروا وقد بنوا القواعد العسكرية في الداخل السوري وعلى شواطئ البحر المتوسط، مثل: قاعدة حميميم، وهي قاعدة عسكرية جوية تقع في بلدة حميميم على بعد أربعة كيلومترات من مدينة جبلة، و19 كيلومتراً من محافظة اللاذقية، وقريبة من مطار باسل الأسد الدولي. وقاعدة تدمر وهي أشبه بمعسكر للجنود والضباط الروس. وللأمريكان كذلك قواعدهم العسكرية مثل: قاعدة رميلان وتقع في مطار رميلان شرق مدينة القامشلي الحدودية مع العراق وتؤوي جنوداً وخبراء أمريكيين، وقاعدة المبروكة غرب مدينة القامشلي، وقاعدة خراب عشق غرب مدينة عين عيسى، وقاعدة عين عيسى وتعد كبرى قواعد الجيش الأمريكي مساحة، وتقع شمالي سوريا، وغيرها من القواعد العسكرية التي شيدت لتبقى.

ماذا تبقى اليوم من الثورة السورية إلا بقايا دولة، وبقايا شعب مزق نسيجه، وبقايا ثورة تآمر عليها الجميع، ولعنة دماء ستصيب يوماً ما سافكيه، وذكرى لمن كان له قلب أن  الظلم لن يدوم، وأن الثورات تخمد لكنها لا تموت، وإذا عادت كانت أكثر صلابة وأشد بأساً على جلاديها.

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى