مقالاتمقالات مختارة

ماذا بعد إحكام «طالبان» قبضتها على شمال أفغانستان؟

ماذا بعد إحكام «طالبان» قبضتها على شمال أفغانستان؟

بقلم د. محمود المنير

أحكم مقاتلو حركة «طالبان»، أمس (الثلاثاء)، قبضتهم على أراض استولوا عليها بشمال أفغانستان، في حين اختبأ المدنيون داخل منازلهم، وتعهد قائد موال للحكومة بالقتال حتى الموت دفاعاً عن مزار الشريف؛ كبرى مدن الشمال.

وبدأت «طالبان»، أمس، تشديد الخناق على مزار الشريف؛ كبرى مدن شمال أفغانستان الذي كان المدنيون يفرون منه بشكل جماعي قبل تقدم المسلحين المحتوم على ما يبدو.

ودعا الرئيس أشرف غني رجال المنطقة الأقوياء لدعم حكومته بعد مكاسب «طالبان» المذهلة مع انسحاب القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة.

وقال مساعدو غني: إنه يطلب المساعدة من مليشيات إقليمية كان قد تنازع معها على مر السنين للنهوض دفاعاً عن الحكومة.

وقال مساعدوه: إنه ناشد المدنيين كذلك الدفاع عن «النسيج الديمقراطي» للبلاد، فيما قالت مسؤولة في الأمم المتحدة: إن هناك مخاوف من محو المكتسبات التي تحققت في مجال حقوق الإنسان على مدى 20 عاماً.

نزوح 60 ألف أسرة

من جهته، قال غلام بهاء الدين جيلاني، رئيس «الهيئة الوطنية لمكافحة الكوارث» لـ«رويترز»: إن هناك قتالاً في 25 من أقاليم البلاد البالغ عددها 34 إقليماً، وإن نحو 60 ألف أسرة نزحت خلال الشهرين الماضيين واتجه أغلبها إلى كابل.

وفي هيرات (أفغانستان) سيطر مقاتلو «طالبان» على مدينة فراح في غرب أفغانستان أمس، وفق ما أفادت به نائبة محلية والمتمرّدون، لتصبح بذلك سابع عاصمة ولاية تسقط منذ الجمعة.

وقالت شهلا أبوبار، من مجلس ولاية فراح: «دخل عناصر “طالبان”، بعد ظهر أمس، مدينة فراح بعد قتال استمر لمدة وجيزة مع قوات الأمن، سيطروا على مكتب حاكم الولاية ومقر الشرطة».

وقال سكان: إن «طالبان» تحكم سيطرتها بالانتقال إلى المباني الحكومية في مدينة آيبك عاصمة إقليم سمنجان الواقعة على الطريق الرئيس بين مزار الشريف وكابل، وأضاف السكان أن أغلب أفراد قوات الأمن الحكومية انسحبوا فيما يبدو من المدينة.

حتى كابل لم تعد آمنة

وقال شير محمد عباس، وهو مسؤول ضرائب بالإقليم، رداً على سؤال عن الظروف المعيشية في المدينة: «السبيل الوحيد هو الإقامة الجبرية في المنزل طواعية أو إيجاد سبيل للسفر إلى كابل»، وأضاف عباس، وهو أب لأربعة أطفال والعائل الوحيد لأسرته المكونة من 9 أفراد: «لكن حتى كابل لم تعد خياراً آمناً الآن»، وقال عباس: إن مقاتلي «طالبان» وصلوا إلى مكتبه وطلبوا من الموظفين العودة لمنازلهم.

إستراتيجية “طالبان”

وظل شمال أفغانستان لسنوات الأكثر هدوءاً في البلاد؛ لأن «طالبان» تكاد تكون غير موجودة هناك، ويبدو أن إستراتيجية الحركة هي السيطرة على الشمال والمعابر الحدودية الرئيسة في الشمال والغرب والجنوب ثم تضييق الخناق على كابل، واجتاحت «طالبان»، التي تقاتل من أجل هزيمة الحكومة المدعومة من واشنطن وفرض تفسيرها المتشدد للشريعة، مدينة آيبك أول من أمس دون مقاومة تذكر.

وسحبت الحكومة قواتها من المناطق الريفية التي يصعب الدفاع عنها للتركيز على المراكز السكانية الكبيرة، في حين طالب مسؤولون بالضغط على باكستان المجاورة لوقف دعم مقاتلي «طالبان» وتدفق الإمدادات عبر الحدود غير المحكمة، وتنفي باكستان دعم «طالبان».

وشنت الولايات المتحدة ضربات جوية دعماً للقوات الحكومية، لكنها قالت: إن القوات الأفغانية هي المسؤولة عن حماية البلاد، وقال جون كيربي، المتحدث باسم «وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون)»، للصحفيين، أول من أمس: «إنها بلادهم الآن، فليدافعوا عنها، إنه صراعهم».

صفعة مدمرة للحكومة

إلى ذلك، قال مسؤول أمني: إن قوات الأمن في بل خمري عاصمة إقليم بغلان الواقعة إلى الجنوب الشرقي من آيبك محاصرة؛ حيث تقترب «طالبان» من المدينة عند مفترق طرق على الطريق المؤدية إلى كابل، وأصبح مقاتلو «طالبان»، الذين أطيح حكمهم بعد أسابيع من هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، في وضع يسمح لهم بالتقدم من اتجاهات عدة صوب مزار الشريف؛ كبرى مدن المنطقة التي سيوجه سقوطها صفعة مدمرة لحكومة غني في كابل.

وتعهد عطا محمد نور، وهو قائد مليشيا في الشمال والحاكم السابق لولاية بلخ والرجل القوي في مزار الشريف والشمال، بالقتال حتى النهاية، قائلاً: إنه ستكون هناك «مقاومة حتى آخر قطرة من دمي»، وكتب على «تويتر»: «أفضل الموت بكرامة على الموت يأساً».

وقال مسؤولون: إن الهند أرسلت طائرة إلى شمال أفغانستان لنقل رعاياها إلى أرض الوطن، وطلبت من الهنود المغادرة، ونصحت الولايات المتحدة وبريطانيا مواطنيها بالفعل بمغادرة أفغانستان.

وستستكمل الولايات المتحدة سحب قواتها بحلول نهاية الشهر بموجب اتفاق مع «طالبان» يشمل سحب القوات الأجنبية في مقابل تعهد الحركة بمنع استخدام أفغانستان قاعدة للإرهاب الدولي. وتعهدت «طالبان» بعدم مهاجمة القوات الأجنبية المنسحبة، لكنها لم توافق على وقف لإطلاق النار مع القوات الحكومية، ولم تسفر المفاوضات بين الطرفين عن شيء.

ومزار الشريف مدينة تاريخية ومفترق طرق تجاري. وهي من الدعائم التي استندت إليها الحكومة للسيطرة على شمال البلاد. وسيشكل سقوطها ضربة قاسية جداً للسلطات.

عجز السلطات في كابل

وقد يكون عجز السلطات في كابل عن السيطرة على شمال البلاد أمراً حاسماً لفرص الحكومة في البقاء. ولطالما عدّ شمال أفغانستان معقلاً للمعارضة في وجه «طالبان»، فهناك واجه عناصر الحركة أقوى مقاومة عندما وصلوا إلى السلطة في التسعينات، حكمت «طالبان» البلاد بين عامي 1996 و2001 وفرضت الشريعة بتفسيرها الصارم لها، قبل أن يطيحها تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة.

والسؤال الذي يطرح نفسه إزاء هذه التطورات المتسارعة في أفغانستان، هل يقف المجتمع الدولي صامتًا إزاء زحف طالبان لابتلاع كل أفغانستان على نحو غير متوقع؟ وما السيناريوهات القادمة إزاء إحكام طالبان قبضتها على شمال أفغانستان؟ وهل نشاهد تكرار لسيناريو داعش عندما ابتلعت معظم العراق وسورية، ثم اندحرت؟ الكثير من التساؤلات حول ما يجري لازالت بلا إجابات لسرعة التطورات في ظل عجز الحكومة الأفغانية عن مواجهة “طالبان”، وصمت المجتمع الدولي تجاه ما يجري ميدانيًا.

المصدر: مجلة المجتمع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى