“مؤمنون بلا حدود” أهداف تنويرية معلنة وتوجسات من أخرى مضمرة
بقلم بسام ناصر
تقدم مؤسسة “مؤمنون بلا حدود” نفسها بوصفها مؤسسة فكرية بحثية “تُعنى بتنشيط البحث المعرفي الرصين في الحقول الثقافية والمعرفية عموما، والدينية خصوصا، تتكرس اهتماماتها على دراسة منظومة الأفكار المؤسسة للعقل الثقافي الكلي في المنطقة، وتسعى في الشق العملي إلى اختبار اجتهادات المفاعيل الثقافية والفكرية والمجتمعية في الفضاء العربي الإسلامي، نظريا وواقعيا.
وذكرت المؤسسة أن الأهداف التي تسعى لإنجازها تتمثل في “تهيئة الفرصة والبيئة الملائمة والدعم الذي يتيح لمختلف أنماط التعدد الفكري والثقافي ذي الطابع العقلاني والعملي أن تتفاعل فيما بينها وتتآلف جهودها، وتعزيز الدراسات والبحوث النقدية والتحليلية لموروثنا الديني، وتفكيك الأسس والقواعد الفكرية لظواهر الفكر والثقافة المغلقة والإقصائية..”.
ولتحقيق ذلك فإنها “تسلك سبيل النقد المنفتح والفعال في مراجعة كافة الأفكار دون انحيار إلا لما يبتغي مصلحة الإنسان في واقعه ومعاشه” موضحة أن مبدأها المركزي (إيمان بلا حدود) الذي تنطلق منه “يتعالى على التحيزات والفوارق العقائدية والعرقية والثقافية والدينية والمذهبية والطائفية، إيمان يتمثل قيم الخير والجمال والمحبة بأرقى معانيها، ويدفع بالإنسان للسعي نحو هذا التعالي في حركته وسلوكه، ويزرع فيه الثقة بقدرته على الانفتاح على مختلف الثقافات الإنسانية”.
تأسست المؤسسة في أيار (مايو) 2013، ومقرها الرئيسي في مدينة الرباط في المغرب ولها عدة فروع ومكاتب تنسيق في بعض الدول العربية، أصدرت منذ تأسيسها عشرات الكتب والأبحاث والدراسات، كما تقوم على إصدار أربع مجلات تعنى بقضايا الفكر والثقافة والدين، ونظمت عشرات المحاضرات والندوات والمؤتمرات في العديد من الدول العربية والإسلامية.
ومع أن رؤى المؤسسة المنشئة لمشروعها الفكري والثقافي تعلي من شأن البحث المعرفي الرصين، وتعطي مساحات واسعة للتفكير العقلي النقدي، وتنخرط بجهد فكري متميز في نقد الموروث الديني وتحليله، وتفكيك الأسس الفكرية لظواهر الثقافة المغلقة والإقصائية إلا أنها تُقابل في أوساط دينية وثقافية واسعة بكثير من الأسئلة المتوجسة من أهدافها المضمرة، كمهاجمة الإسلام من الداخل، والسعي لتفكيك ثوابته العقدية والتشريعية وأحكامه القطعية بعناوين جاذبة كالتجديد والنقد والتنوير وفقا لباحثين.
في مناقشته للأسئلة المثارة لاحظ الباحث الأردني، أستاذ اللغة العربية بجامعة طرابزون في تركيا، معتز أبو قاسم أن “انبساط رقعة إنجاز مؤسسة بحثية ـ كمؤسسة مؤمنون بلا حدود ـ على سائر منافذ تحصيل المعرفة بناء وعطاء كالمرئي والمكتوب، محاضرات ومناظرات ومحاورات وعرض وتعريف وتأليف وإعداد كتب وأبحاث ومقالات وأوارق عمل ومدارسات.. يُعد حالة استثنائية في الواقع البحثي العربي اليوم”.
وأضاف: “ومن المعلوم أن ثمة أسماء لامعة من مفكرين وأساتذة جامعيين ونُقاد كبار يشرفون على إصدارات المؤسسة، مع استكتاب عشراب بل مئات الأقلام”، متسائلا: “فمن يطيق هكذا تمويل مفتوح دون انتظار لأرباح مادية، إلا أن يكون المقصود هو تحقيق وعي جديد لمستقبل المعرفة ومستهلكها من القراء مُغاير لما هو سائد اليوم من يقظة الشباب العربي المسلم، وإدراكه للفواعل الاجتماعية الإسلامية في التحرر والنهوض واستعادة الحقوق المسلوبة”.
وواصل حديثه لـ“عربي21” بالقول: “وأول هذه الحقوق العزة والكرامة، وحرية أنماط العيش المباينة بونا شديدا لأنماط العيش الاستهلاكي وغير المسؤول أو يكون مُعززا للحالة الراهنة للشباب العربي المسلم ولكن الراجح هو الهدف الأول أي التغيير والتبديل والمسخ” على حد قوله.
ولفت قاسم إلى أن “النجاح السريع الذي حققته على خلاف الوضع الطبيعي لمؤسسة بحثية تدعي الموضوعية، تبنى رؤية من خلال الإنتاج لا من خلال توجيه الإنتاج، كله يرشح الأيديولوجيا المسبقة التي ذكرتها سابقا”.
وتابع: “ومما يؤكد ما قلته سابقا النظر في الأهداف المعلنة للمؤسسة نفسها حيث تصرح بأنها تريد تجاوز الديني رافضة أن يكون محققا أصيلا للخيرية الإنسانية واكتفائها وتركيزها فقط على مبدأ (حرية التفكير والتعبير والاعتقاد) المحقق الحقيقي برأيهم للخيرية، وهذا يستدعي عندهم أن الأديان هي سبب الأزمات والكوارث التي يمر بها العالم”.
وطبقا لقاسم فإن “أغلب القائمين على دراسات المؤسسة وأبحاثها هم من تخصصات الفلسفة وعلم الاجتماع، ومعلوم أن النظر الفلسفي المجرَّد يرى نفسه ـ زعما ـ في حالة تعقُّل شديد تصطدم مع حالة اللامعقول الديني الدائم وليس السائد، وتستخدم الفلسفة من هذا الوجه لتفكيك الديني وإدانته ثم تهميشه”.
وأردف: “كما أن علم الاجتماع ـ غالبا ـ ينظر إلى المضمون الديني باعتقاداته وعباداته وواجباته وأخلاقياته على أنها وقائع اجتماعية موضوعية أي كظاهرة متحيزة مرصودة رصدا تاما أو ممكنا مما ينزع عن الديني صفة الغيبي، أي ينزع عن الديني صفة الديني، فالدين عندهم باختصار ظاهرة تاريخية ممكنة على الصعيد الاجتماعي وخطوة للوراء على الصعيد الفلسفي”.
وبحسب قاسم فإن “أي متابع لمنشوراتهم يعلم علم اليقين أنها تستهدف الخطاب الإسلامي الواعي والمتزن والأصيل والتراث الإسلامي عموما، متوسلة باستهدافها نقدا وتشكيكا وتأويلا الإطاحة بأي رؤية إسلامية أصيلة تقوم على سوق من صلاحية التراث وصدق الهمة ومواتاة الواقع، أو على الأقل تقوم بدور تأخير وتأجيل المنجزات الممكنة للعمل الإسلامي”.
من جهته أرجع الباحث المصري، محمد فتوح أسباب التوجس من مشروع المؤسسة الفكري والثقافي، الذي أثير حوله العديد من علامات الاستفهام إلى “ظروف نشأتها، والأجندة العلمية التي تحملها، إضافة إلى الدعم الإماراتي الذي تناله المؤسسة”.
وذكر لـ“عربي21” أنه فصل الكلام حول هذه القضية في مقال سابق له، رصد فيه أن “أبو ظبي سعت بأسلحتها الثقافية لتأسيس قاعدة عريضة تحمل أنماطا مختلفة من الفكر (كالتصوف والحداثة) في مواجهة صعود الإسلام السياسي، عبر دعمها لعدد من المؤسسات الصوفية العالمية”.
ومثّل لذلك بمؤسسة (طابة) التي يرأسها الداعية اليمني الحبيب علي الجفري، ومجلس حكماء المسلمين الذي يرأسه شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ومنتدى تعزيز السلم الذي يتولاه الموريتاني عبد الله بن بيه، وكانت أبو ظبي هي المقر الدائم للمؤسسات الثلاث”.
ووفقا لفتوح فإن “الإمارات عملت بالتوازي مع تعزيز الحضور الصوفي، على تمويل مؤسسات حداثية، وقد اتجهت مشاريعها صوب تفكيك سرديات المخزون السياسي والثوري، وكذلك المقاوم في التراث الإسلامي، بتقديم صورة حداثية للإسلام مغايرة لما تستند عليه تصورات الإسلام السياسي، وكانت مؤسسة (مؤمنون بلا حدود) في مقدمة تلك المؤسسات”.
ورأى فتوح أن “الحاجة ما زالت قائمة لتسليط الضوء على الاشتغال الفكري الذي تقدمه المؤسسة، والقراءات الحداثية التي تقرأ وتعرض بها الوحي والتراث، ومعرفة تداعيات هذه القراءات على الحالة الثقافية والسياسية والفكرية في الوطن العربي، لا سيما مع توسع الاتهامات التي توجه إليها من خصومها والتي تمتد إلى أنسنة الدين وإعادة رسمه في صورة حداثية معلمنة، بالإضافة إلى التمويل الضخم الذي تتلقاه المؤسسة من الإمارات وعلاقته بمناوئة الإسلام السياسي”.
بدوره رأى الباحث الشرعي الأردني، عبد الرحمن شاهين أن “الأفكار والمضامين التي تبثها المؤسسة في إصداراتها وبحوثها ومقالاتها تتناول البنية الفكرية والعقدية ومسلمات الإسلام الأساسية بالتشكيك والنقض، والتركيز على المسائل التي فيها تعدد وجهات نظر داخل الدائرة الفقهية مما له أثر عقدي، والخروج بنتائج خطيرة حاصلها التشكيك بمصداقية المعرفة الإسلامية المستنبطة من الكتاب والسنة، وأن ما اتفقت عليه الأمة فيه إشكاليات كثيرة”.
وأضاف لـ“عربي21”: “تتضمن جملة إصدارات المؤسسة إضافة لبعض فعالياتها عناوين مثيرة للريبة، تكفي للتشكيك في الأهداف المعلنة للمؤسسة، إضافة لاستكتاب شخصيات معروفة بعدائها للإسلام”.
وختم حديثه بالإشارة إلى أننا “إذا اعتمدنا هذه المخرجات، فإن الأهداف المضمرة للمؤسسة تؤكد أنها امتداد للاستشراق المعادي للإسلام لكن من داخل المجتمع المسلم” لافتا إلى أن “الأمر يحتاج مزيد تقص من حيث التمويل والجهات القائمة عليها”.
(المصدر: عربي21)