مؤسساتنا الإسلامية.. أية أدوار؟!
بقلم أحمد التلاوي
تحفل الحركة الإسلامية بالعديد من الجماعات والكيانات التي تطرح تصوراتها حول الإسلام، وحول المشروع الإسلامي وسياقاته.
في هذا الإطار، وفي ظل غياب الكيان السياسي الجامع للأمة كما كان الحال قبل ما يقل قليلاً عن قرن من الزمان؛ فإن هناك نوعَيْن من المؤسسات الإسلامية قد ظهر إلى الوجود.
النوع الأول، هو المؤسسات التي أنشأتها الكيانات والجماعات الإسلامية، على اختلاف تلاوينها الفكرية ومنطلقاتها الفقهية، والنوع الثاني، هي المؤسسات الإسلامية التابعة للحكومات والدول القومية التي نشأت بعد تفكك الدولة العثمانية.
وفي حقيقة الأمر؛ فإن هناك الكثير من المراجعات التي تفرض على الحركة الإسلامية القيام بها في صدد ما لديها من مؤسسات، وخصوصًا فيما يتعلق بنقطة أدوار هذه المؤسسات؛ سواء تحديد طبيعة هذه الأدوار، والتي تشمل واجبات، أو كيفية قيامها بها.
هناك الكثير من المراجعات التي تفرض على الحركة الإسلامية القيام بها في صدد ما لديها من مؤسسات، وخصوصًا فيما يتعلق بنقطة أدوار هذه المؤسسات؛ سواء تحديد طبيعة هذه الأدوار، والتي تشمل واجبات، أو كيفية قيامها بها
وفي الواقع، فإن تجاوُزنا في هذا النقاش للمؤسسات الإسلامية التابعة للحكومات مقصود، وله ما يبرره؛ حيث إن هذه المؤسسات دخلت في تبعية السلطات الحاكمة بشكل لا يمكن الجدال فيه أو عليه.
الأمر الآخر، هو أن الدول التي نشأت من رحم تفكك الدولة الإسلامية الجامعة، لا تعمل في سياق الميدان الإسلامي، المهتم بهموم الأمة بالكامل، أي أنها لا تنطلق – حتى ولو قالت إنها بلد إسلامي لجهة النظام السياسي والتشريعي – على أرض الواقع من المنظور الإسلامي للسياسة العامة لها.
وبالتالي؛ فإن رسالة الإحياء والبعث الإسلامي، معنية بها أكثر، الحركات المشتَغِلَة في ميدان العمل الإسلامي، وتعمل عبر حدود الدول القومية، وبعضها منتشر في جميع أنحاء العالم في إطار تنسيقي يجعلها كُلاًّ تنظيميًّا واحدًا.
وخلال العقود الماضية بالفعل، تحملت الأطر التنظيمية التربوية والفقهية والعلمية التابعة للحركات الإسلامية، سواء أكانت هذه الأطر في صورة جمعيات أو اتحادات، مثل المجلس الاوروبي للإفتاء، أم أقسام داخلية في هذه الجماعات ذاتها، مثل قسم التربية، أو قسم نشر الدعوة في جماعة الإخوان المسلمين؛ تحمَّلت الكثير من الأعباء والمهام في مختلف الاتجاهات المتصلة بالاهتمامات التي لأجلها أُسِّسَت الحركات الإسلامية.
وبالنظر إلى تاريخ هذه المؤسسات، أيًّا كان الشكل الذي اتخذته؛ فإنه يمكن القول إنها كانت منذ البداية وحتى سنوات قريبة، قد وضعت لنفسها إطارًا شديد الاتساع والطموح، قبل أن تتحول إلى أداة تنظيمية أكثر منها إداة عمل إسلامي بالمفهوم الشامل للعمل الإسلامي.
وتضمن هذا النكوص أو التراجع، مظاهر وأمراض أخرى عديدة، مثل الميل إلى التنظير عن تقديم الحلول العملية.
ففي وقت تأسيس جماعة “الإخوان المسلمون” و”الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية”، وغيرها من الأطر؛ كانت الأهداف تصل إلى مرتبة إعادة توحيد الأمة المسلمة مجددًا، وكان هناك جهد في هذا الصدد، في مختلف الاتجاهات، بما في ذلك مسألة التقريب بين المذاهب الإسلامية المختلفة.
وفي هذا المجال، شارك الإخوان المسلمون وقت المرشد الأول والمؤسس، الإمام حسن البنا، وأبو الأعلى المودودي، مؤسس الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية، في جهود قادها الأزهر الشريف – وهي مؤسسة رسمية في الأخير – للتقريب بين السُّنَّة والشيعة في الأربعينيات الماضية.
ومن ضمن الأهداف الطموحة والكبيرة التي خرجت لأجلها المؤسسات الإسلامية الصحوية، داخل الحركات الإسلامية، الحفاظ على هوية الأمة في مواجهة تيارات التغريب والعلمنة التي رافقت الاستعمار ثم تكوين الدولة الحديثة في العالم العربي والإسلامي على أسس وطنية مدنية لا تمثل الهوية الدينية الإسلامية لها أهميةً أو أولوية، باستثناء بلاد قليلة، مثل باكستان في بداية نشأتها.
من ضمن الأهداف الطموحة والكبيرة التي خرجت لأجلها المؤسسات الإسلامية الصحوية، داخل الحركات الإسلامية، الحفاظ على هوية الأمة في مواجهة تيارات التغريب والعلمنة
وكانت مؤسسات حركة التبليغ والدعوة التي أسسها الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي، وكانت تعمل في شبه القارة الهندية قبل أن تنطلق إلى آفاق أوسع في العالم العربي والإسلامي، و”جماعة النور” التي تبنت أفكار وأدبيات الشيخ بديع الزمان النورسي، للحفاظ على هوية المجتمع التركي الإسلامية، من أبرز النماذج التي ظهرت في هذا المجال.
وفي حقبة الصدام الشهير بين الإخوان المسلمين ونظام الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، عندما انتشرت قيادات وأبناء الجماعة في أنحاء العالم، أسست الجماعة عددًا كبيرًا من الجمعيات والمراكز الإسلامية، التي عملت في مختلف الاتجاهات، الدعوية والثقافية والفقهية، وغير ذلك، في أنحاء أوروبا والأمريكيتَيْن، بجانب نشاطها على مستوى العالم العربي والإسلامي.
ثم جاء ما يُعرَف بمرحلة الصحوة الإسلامية الثانية، والتي يؤرِّخ لها البعض بمنتصف السبعينيات الماضية، عندما بدأت الحركات والجماعات الإسلامية في تأسيس كيانات اجتماعية، وأحزاب سياسية تمثلها في عدد من الدول العربية، وبدأت مؤسساتها التنظيمية في البزوغ، مثل – كما تقدم – قسم نشر الدعوة وقسم التربية في جماعة الإخوان المسلمين.
في هذه المرحلة، وبرغم الجهود التي بُذِلَتْ؛ إلا أن ثمَّة متغيِّرًا حصل أدى إلى حَرِف بل وجَرْف المؤسسات الحركية عن رسالتها وأدوارها، وهو تشتت الحركة الإسلامية وانقسامها، وظهور التيارات التكفيرية التي لم تقف عند مستوى تكفير الحاكم والمجتمع، وإنما “توسَّعت” إلى تكفير الإسلاميين الآخرين الذين يتبنون فقهًا مختلفًا، وأفكارًا وتصورات أخرى لصيرورات المشروع الإسلامي.
هذا بالإضافة إلى تبني بعض الأنظمة الاستبدادية في عالمنا العربي والإسلامي، الحكومات الغربية لإستراتيجية لكسر قدرة الحركة الإسلامية الصحوية التي تمتلك تصورًا شاملاً للمشروع الحضاري الإسلامي، تسعى من خلال مؤسساتها إلى نشره، وهو تبني أو تأسيس مجموعات تُنسَب للإسلام، ولا تفعل أي شيء سوى ما ينفِّر المجتمعات الإنسانية من الفكرة الإسلامية.
في هذا الإطار، وكإستراتيجية دفاعية بحتة، تحوَّلت المؤسسات الإسلامية الحركية إلى أخذ جانب دفاعي، من أجل الحفاظ على جسم الحركة أو الجماعة.
فكان أولاً؛ اللجوء إلى المزيد من التنظير، لأجل التأكيد على طبيعة الأفكار التي تتبناها الحركة أو الجماعة، وتمايزها عن أفكار تلك الأخرى، وبالذات النأي عن الأفكار التكفيرية والداعمة للعنف.
ثم قاد التطور الطبيعي للأمور، إلى تحويل المؤسسات الإسلامية إلى مؤسسات ذات صبغة تنظيمية أكثر منها نشاطًا في المجال الإسلامي العام، الذي صارت فضاءاته مليئة بالخصوم “الإسلاميين” الذين تدافعوا ضد هذه المؤسسات في محاولاتها إلى دخول مجالات جيوسياسية وديموجرافية جديدة!
ومن بين أبرز المشكلات التي يمكن التمثيل بها في نقطة التنظير بالذات، هو عجز المؤسسات الفكرية والتربوية الحركية عن وضع برامج “واقعية” و”قابلة للتطبيق” فيما يتعلق بماذا سوف تفعل إذا ما وصلت إلى الحكم، وهو ما بدا واضحًا للغاية في مرحلة ما بعد ما يُعرَف بـ”ثورات الربيع العربي”، أو ماذا يعني شعار “الإسلام هو الحل” في المجال التطبيقي.
من بين أبرز المشكلات التي يمكن التمثيل بها في نقطة التنظير بالذات، هو عجز المؤسسات الفكرية والتربوية الحركية عن وضع برامج “واقعية” و”قابلة للتطبيق” فيما يتعلق بماذا سوف تفعل إذا ما وصلت إلى الحكم، وهو ما بدا واضحًا للغاية في مرحلة ما بعد ما يُعرَف بـ”ثورات الربيع العربي”، أو ماذا يعني شعار “الإسلام هو الحل” في المجال التطبيقي
وفي هذا؛ فإن مِن اللافت للنظر، أنه في الفترة الأولى المشار إليها، وبرغم الطموح الكبير والسقف العالي الذي تحركت فيه المؤسسات الإسلامية والجماعات التي ترعاها، في مقابل استمرار وجود المستعمِر الأجنبي، وضعف وسائل الاتصال والإعلام المتاحة؛ فإن المؤسسات الإسلامية حققت الكثير من الإنجازات الكبيرة والحقيقية بالفعل.
ففي تركيا على سبيل لمقال؛ أدى نشاط “جماعة النور” إلى فوز عدنان مندريس الذي تحدى العلمانية الأتاتوركية ومؤسساتها، وصاحب التوجهات الإسلامية، في انتخابات 1950م العامة، وظل رئيسًا للحكومة حتى أطاح به انقلاب عسكري دموي، في العام 1960م، وأُعدِم على الإثر.
ولو وصلنا إلى المرحلة الراهنة؛ فإننا سوف نقف أمام بعض المشكلات التي تقول بأن هناك ضرورة لإعادة النظر بل وإعادة هيكلة كاملة في أدوار ونشاط المؤسسات الإسلامية العاملة في حقول العمل الإسلامي المختلفة.
فهناك التيارات الإلحادية المتعاظمة، والتي تأخذ أشكالاً عدة، من بين أهمها وأوسعها انتشارًا الانفلات من فكرة التديُّن، وهناك القصور الفادح في عملية مخاطبة الشباب بمفاهيم حقيقية واقعية تعالج مشكلاتهم، واكتفت في هذا الصدد بالحديث عن القيم الأخلاقية، في الوقت الذي تعاظمت فيه الخطوب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على الجيل الجديد.
هناك قصور فادح في عملية مخاطبة الشباب بمفاهيم حقيقية واقعية تعالج مشكلاتهم، بجيث اكتفت بالحديث عن القيم الأخلاقية، في الوقت الذي تعاظمت فيه الخطوب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على الجيل الجديد
كذلك هناك مسألة ترشيد الأدوار السياسية التي أخذتها بعض المؤسسات الدعوية، وتعيبها شريحة كبيرة من الجمهور المسلم، وقضية تنقية صفة “إسلامي” مما لاحقها من شوائب الإرهاب والتطرف، وشبهات تبني العنف، مع تحديد أكثر دقة لمفاهيم تم تشويهها عمدًا أو من خلال سوء الاستخدام والتوظيف، مثل “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” و”الجهاد”.
ومن ذلك، تبدو هناك حاجة شديدة الأهمية لتأسيس مجلس يجمع ممثلين عن المؤسسات الإسلامية كافة العامة في مختلف حقول العمل الإسلامي.
(المصدر: موقع بصائر)