مقالاتمقالات مختارة

مؤرخ المغرب (الناصري): دعاة الحرية يُسْقطون حقوق الله والوالدين والإنسانية

مؤرخ المغرب (الناصري): دعاة الحرية يُسْقطون حقوق الله والوالدين والإنسانية

بقلم نور الدين درواش

(الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى) كتاب مشهور لا يستغني عنه باحث ولا دارس ولا تخلو منه مكتبة، كيف لا يكون كذلك وقد وصفه عبد السلام بن سودة في إتحاف المطالع بأنه” أجمع كتاب لتاريخ هذا القطر السعيد” كما في إتحاف المطالع (1/336).

ومؤلفه هو العلامة المتفنن أحمد بن خالد الناصري الذي قال عنه الحجوي الثعالبي:” كان المترجم علامة عصره، مشاركا متفننا حافظا، دراكة، بعيد الغور، عالي الهمة، حسن الأخلاق، له مكارم جمة تنبئ عن شرف أصله، وكرم فضله” [الفكر السامي/الرجمة 815].

عايش الناصري رحمه الله حدث مطالبة اليهود بالحرية في المغرب على غرار مصر وفي إبان ما كان يعرف بالحمايات وقد كلموا في سبيل نيل مطلبهم يهوديا اسمه روشابيل وهو من كبار تجارهم باللوندرة (لندن قديما) فكتب كتابا للسلطان محمد بن عبد الرحمن (محمد الرابع) واستشفع بالدولة الأنجليزية التي كان له عندها حضوة ومكانة ووجاهة لما له عليها من الفضل حيث كان يسلفها الأموال الطائلة إذ كان قارون زمانه كما وصفه الناصري رحمه الله.

ولما أجابهم السلطان رحمه الله إلى ما أرادوا ظهر منهم طيش وفساد وتطاول فكتب السلطان ما يمنع الرعاع منهم من الطيش والفساد..

وعَقِبَ ذكر العلامة الناصري لهذه الواقعه استطرد معلقاً بكلام ماتع انتقد فيه دعاة الحرية وبين مفاسدها ونقائصها وهو كلام يصلح ردا على الحملة المنظمة التي ينادي بها اليوم أدعياء الحرية بإيعاز ودعم وتمويل من جهات خارجية استعمارية معادية للمغرب وثوابته وهويته.
قال رحمه الله:

“وَاعْلَم أَن هَذِه الْحُرِّيَّة الَّتِي أحدثها الفرنج فِي هَذِه السنين هِيَ من وضع الزَّنَادِقَة قطعا لِأَنَّهَا تَسْتَلْزِم إِسْقَاط حُقُوق الله وَحُقُوق الْوَالِدين وَحُقُوق الإنسانية رَأْسا.
أما إِسْقَاطهَا لحقوق الله فَإِن الله تَعَالَى أوجب على تَارِك الصَّلَاة وَالصَّوْم وعَلى شَارِب الْخمر وعَلى الزَّانِي طَائِعا حدودا مَعْلُومَة وَالْحريَّة تَقْتَضِي إِسْقَاط ذَلِك كَمَا لَا يخفى.

وَأما إِسْقَاطهَا لحقوق الْوَالِدين فلأنهم خذلهم الله يَقُولُونَ إِن الْوَلَد الْحَدث إِذا وصل إِلَى حد الْبلُوغ وَالْبِنْت الْبكر إِذا بلغت سنّ الْعشْرين مثلا يفْعَلَانِ بأنفسهما مَا شاءا وَلَا كَلَام للْوَالِدين فضلا عَن الْأَقَارِب فضلا عَن الْحَاكِم.
وَنحن نعلم أَن الْأَب يسخطه مَا يرى من وَلَده أَو بنته من الْأُمُور الَّتِي تهتك الْمُرُوءَة وتزري بِالْعرضِ سِيمَا إِذا كَانَ من ذَوي البيوتات فارتكاب ذَلِك على عينه مَعَ مَنعه من الْكَلَام فِيهِ مُوجب للعقوق ومسقط لحقه من البرور.

وَأما إِسْقَاطهَا لحقوق الإنسانية فَإِن الله تَعَالَى لما خلق الْإِنْسَان كرمه وشرفه بِالْعقلِ الَّذِي يعقله عَن الْوُقُوع فِي الرذائل ويبعثه على الاتصاف بالفضائل وَبِذَلِك تميز عَمَّا عداهُ من الْحَيَوَان وَضَابِط الْحُرِّيَّة عِنْدهم لَا يُوجب مُرَاعَاة هَذِه الْأُمُور بل يُبِيح للْإنْسَان أَن يتعاطى مَا ينفر عَنهُ الطَّبْع وتأباه الغريزة الإنسانية من التظاهر بالفحش والزنى وَغير ذَلِك إِن شَاءَ لِأَنَّهُ مَالك أَمر نَفسه فَلَا يلْزم أَن يتَقَيَّد بِقَيْد وَلَا فرق بَينه وَبَين الْبَهِيمَة الْمُرْسلَة إِلَّا فِي شَيْء وَاحِد هُوَ إِعْطَاء الْحق لإِنْسَان آخر مثله فَلَا يجوز لَهُ أَن يَظْلمه وَمَا عدا ذَلِك فَلَا سَبِيل لأحد على إِلْزَامه إِيَّاه وَهَذَا وَاضح الْبطلَان لِأَن الله تَعَالَى حَكِيم وَمَا ميز الْإِنْسَان بِالْعقلِ إِلَّا ليحمله هَذِه التكاليف الشَّرْعِيَّة من معرفَة خالقه وبارئه والخضوع لَهُ لتَكون لَهُ بهَا الْمنزلَة عِنْد الله فِي العقبى {إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَاوَات وَالْأَرْض} الْأَحْزَاب 72 الْآيَة.

وَاعْلَم أَن الْحُرِّيَّة الشَّرْعِيَّة هِيَ الَّتِي ذكرهَا الله فِي كِتَابه وَبَينهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأمته وحررها الْفُقَهَاء رَضِي الله عَنْهُم فِي بَاب الْحجر من كتبهمْ فراجع ذَلِك وتفهمه ترشد وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق” اهـ.

[الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى:(3/114-115)].

(المصدر: هوية بريس)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى