مؤتمر وارسو التهريجي لتسويق التطبيع العربي الإسرائيلي
بقلم عبد الحميد عبدوس
اختتمت يوم الخميس 14 فيفري 2019 في وارسو فعاليات “السيرك السياسي” الذي دعت إليه ورعته الولايات المتحدة الأمريكية، وخططت له الصهيونية العالمية، واحتضنته حكومة بولندا الشعبوية اليمينية على مدار يومي 13 و14 من الشهر الجاري. وتمحور المؤتمر حول “شيطنة ” الرافضين للسيطرة الأمريكية على شؤون العالم، ومحاولة إيجاد وسائل وآليات تؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية. وجاءت الخيبة الأمريكية من إقدام الاتحاد الأوروبي على تخفيض حجم وقيمة مشاركته في المؤتمر من خلال غياب فيدريكا موغيريني مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد، ووزيري خارجية فرنسا وألمانيا، بينما قاطعت المؤتمر بالإضافة إلى دولة فلسطين، دول عربية وازنة هي الجزائر والعراق وسوريا ولبنان، وشاركت في المؤتمر حوالي 60 دولة، من بينها السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن والأردن والكويت والمغرب وسلطنةُ عمان وإسرائيل..وكانت من لقطات المؤتمر التي حظيت بمتابعة وترحيب اللوبي الصهيوني، تطوع وزير خارجية اليمن الذي تفتقد بلاده إلى ما يكفي من الغذاء والأمن والدواء، وكل شيء تقريبا صالح للحياة بإعطاء “ميكروفونه” لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الذي تعطل “ميكروفونه” في الاجتماع، كدليل على حرص الوزير اليمني إسماع صوت إسرائيل. واللافت للانتباه أن المفوضية الأوروبية أضافت المملكة العربية السعودية إلى القائمة السوداء للدول المتورطة في تمويل الإرهاب وغسل الأموال، في الوقت الذي كانت فيه السعودية تشارك في مؤتمر وارسو لمواجهة أنشطة إيران الداعمة للإرهاب.
في الجهة الأخرى وفي نفس اليوم، اجتمعت في مدينة سوتشي الروسية ثلاث دول تقوم بأدوار محورية في سياسة الشرق الأوسط وفي العالم، وهي روسيا وتركيا وإيران..وشتان بين الاجتماعين ففي الوقت الذي كان مؤتمر وارسو يقرع طبول الحرب ضد إيران كان اجتماع سوتشي يبحث عن سبل إعادة السلام إلى سوريا.
إذن بعد حوالي 28 سنة على انهيار حلف وارسو (1955/1991) الذي أسسته الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفياتي السابق لإدارة الحرب الباردة ضد الكتلة الغربية بزعامة أمريكا، لم تعد الولايات المتحدة تقنع ـ على ما يبدو ـ بحلف النيتو لفرض هيمنتها ومنطقها الأحادي على العالم، بل شرعت في بعث حلف وارسو من جديد لخدمة المصالح الأمريكية الصهيونية في منطقة الشرق الأوسط، وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن أمريكا:” تهدف من خلال مؤتمر وارسو إلى جمع الدول التي لها مصالح مشتركة في المنطقة” ولذلك طالب بالابتعاد عن التفكير التقليدي لتحديد التحديات، ويأتي هذا المؤتمر ضمن خطة الولايات المتحدة للضغط على العرب السنة من أجل تأسيس تحالف إقليمي عسكري يعرف باسم “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي”، أو حلف “الناتو العربي” المشكل من دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، لمواجهة إيران.
فالولايات المتحدة الأمريكية تقدم تصورا للشرق الأوسط يضع دولة إيران الإسلامية على رأس الأخطار التي تهدد المنطقة، لأنها حسب الادعاء الأمريكي الصهيوني، تزرع الفوضى والإرهاب وتسبب عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، بينما تصور حليفتها إسرائيل التي تحتل دولة عربية وترفض الخضوع للقوانين الدولية لإنهاء الصراع وتشن اعتداءات متكررة على أراضي جيرانها، أنها تسعى إلى تحقيق الاستقرار وحفظ الأمن في المنطقة.
ومن جهته وضع الحاخام الإنجيلي الصهيوني مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي “الإرهاب الإسلامي الراديكالي” على رأس الأخطار التي تهدد العالم وبشر بحقبة جديدة تقودها “قوة الخير” الأمريكية في ظل قيادة الرئيس ترامب، وضرب مثلا على بداية ملامح هذه الحقبة بكون رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ومسؤولون سعوديون وبحرينيون وإماراتيون تناولوا الطعام سوية وتبادلوا الحديث والنكات والضحكات، وهذا ما جعل نتنياهو يعبر في ختام المؤتمر عن تفاؤله بالمستقبل المشترك.
أما صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فقد اعتبر مؤتمر “وارسو”، حول الشرق الأوسط:” محاولة لجعل الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق الفلسطينية واقعا طبيعيا. ..وأن ما تقوم به الولايات المتحدة، بالتعاون مع الحكومة البولندية، يصب في خدمة تصفية المشروع الوطني الفلسطيني”. ومن جهته قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف:”في حين أن إيران أنقذت البولنديين في الحرب العالمية الثانية فإن بولندا تستضيف الآن عرضا هزليا يائسا مناوئا لإيران”.
ومن مفارقات هذا الزمن الصعب أن دونالد ترامب هذا الرئيس المعتوه الذي نزل كالهم على الأمة العربية والإسلامية لا يكتفي بدعم الدولة الصهيونية على المستوى العالمي، ولكنه يرتمي كلية تحت أقدام اللوبي الصهيوني داخل أمريكا، وبسبب ذلك طالب النائبة الأمريكية الديمقراطية إلهان عمر بالاستقالة من الكونغرس بسبب تغريدة كتبت فيها إن السياسيين الأمريكيين يدعمون إسرائيل بسبب الضغوط من لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية – الأمريكية “أيباك” وأن أثرياء اليهود يسيطرون على العالم.
ورغم اعتذار النائبة المسلمة عن محتوى التغريدة التي كتبتها، فقد طالبها الرئيس الأمريكي بالاستقالة من الكونغرس والانسحاب من لجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب. دونالد ترامب الذي بنى سياسته العنصرية على معاداة المسلمين وتشجيع الكراهية ضدهم اعتبر ما قالته “أمرا مريعا وأنه متجذر في قلبها”.
دافع الكاتب الأمريكي مهدي حسن في موقع “إنترسبت” عن النائبة إلهان عمر في وجه الحملة الواسعة التي شُنت عليها بسبب ما قالته عن مجموعة الضغط الإسرائيلية بأمريكا “أيباك”، وقال إن انتقاد “أيباك” من المحرمات في أمريكا لكن إلهان حطمت ذلك.
وقدم العديد من الأدلة على أن كثيرا من السياسيين والمحللين الأمريكيين والإسرائيليين تحدثوا دون مواربة في أوقات مختلفة عن التأثير الطاغي لـ”أيباك”.
ففي 2005 – قال المسؤول البارز في (أيباك) ستيفن روزين للصحفي جيفري غولدبيرغ الذي كان يعمل مع مجلة نيويوركر: “هل ترى هذا المنديل؟ أيباك تستطيع جمع تواقيع سبعين عضوا في مجلس الشيوخ عليه فورا”.
وقال يوري أفنيري:”إذا قدمت (أيباك) اقتراحا في الكونغرس لإلغاء الوصايا العشر، فسيحصل على الفور على ثمانين صوتا في مجلس الشيوخ وثلاثمائة في مجلس النواب”، كما أشار مهدي حسن إلى أن الكاتب بنيويورك تايمز توماس فريدمان -الداعم لإسرائيل- وصف التصفيق الطويل الذي حظي به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أعضاء الكونغرس في مرة من المرات بأنه قد تم شراؤه من قبل اللوبي الإسرائيلي.
وفي سنة 2007 صدر كتاب (اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية) وهو من أهم الدراسات العلمية الأكاديمية عن تأثير اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية من تأليف البروفيسور جون ميرشايمر أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، وستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية بكلية جون كنيدي للدراسات الحكومية بجامعة هارفار، وقد أُدرج هذا الكتاب في قائمة مجلة نيويورك تايمز ضمن أفضل المبيعات وتُرجم إلى 22 لغةً.
(المصدر: صحيفة بصائر الالكترونية)