مؤتمر المنامة.. وما نام الفلسطيني عن حقه
بقلم هنادي نصر الله
لن ينام الفلسطينيون عن استعادةِ حقوقهم المسلوبة والمغتصبة منذ قرار تقسيم فلسطين بل منذ وعد بلفور المشئوم الذي أعطى فيه من لا يملك من لا يستحق وتكفل بإنشاء وطنٍ قوميٍ لليهود، على حسابِ الفلسطينيين المكلومين من لاجئين ومشردين ونازحين، وُجدوا قسرًا في دول الشتات والمنافي ومخيمات اللجوء في الضفة المحتلة وغزة والقدس.
فمؤتمر المنامة الذي ترعاه أمريكا عبر صهرِ رئيسها المتغطرس دونالد ترمب والمنعقد في البحرين بمشاركةٍ عربيةٍ ومقاطعةٍ فلسطينية كاملة، لن يصمدَ ـ كما يقول مراقبون ـ أمام الحق الفلسطيني في الحريةِ والسيادة والوحدة الوطنية، بل في تخليصِ الأرض الفلسطينية من دنسِ الاحتلال وقيوده المذلة والمتمثلة في التطبيعِ الإعلامي والتنازلات المجحفة التي تسعى الدول التي تُسمي نفسها (بالعظمى) أن تسوق الفلسطينيين إليها، من خلالِ تنفيذِ سيناريوهاتٍ يقولُ الناسُ هنا بأنها ـ قبيحة ـ ولا تنحصرُ فقط في ملفِ الأمن مقابل الغذاء، أو الغذاء مقابل السلام تلك النظرية التي نفذها وكلاء أمريكا وأعوانها ممن يصفون أنفسهم بممثلي عملية السلام، ذلك السلام الذي لا يثقُ فيه الفلسطينيون بعد أن أثبتَ فشله على مدار أكثر من عشرين عامًا من التفاوض.
فخطة دايتون التي اكتوى الفلسطينيون بنارها، والتي نُفذتْ بموافقة السلطة الفلسطينية في رام الله، عبر إجبار آلاف الموظفين في غزة بمغادرةِ وظائفهم؛ متكفلةً بصرفِ رواتبهم دون أن يبرحوا منازلهم، أثبتتْ فشلها مع تصاعد الخطط المناهضةِ لها، وهو ما يتطلبُ وعيًا فلسطينيًا في التعاطي مع مشروع دايتون وما تبعه ويتبعه من خطط اقتصادية تستهدفُ سلخَ الفلسطينيين عن مبادئهم ومقاومتهم، كصفقة القرن التي حاول ترمب عبرها تغيير ملامح الخارطة الفلسطينية، وشطب غزة عن عمقها العربي والاستراتيجي، عبر إنشاء دولة تنحصر في قطاع غزة وأجزاء من سيناء شمالي شرق سيناء، صفقةٌ لم ولن تُحقق أهدافها مع نشاطِ حملات التصدي والمقاطعة لها تلك الحملات التي تتبناها وتقودها الفصائل الفلسطينية مجتمعة.
ويبقى التحدي الأبرز هل يبقى الفلسطينيون موحدون في مواجهةِ مشاريع التصفية للقضية الفلسطينية، بحيثُ ينجحوا في إفشالِ أي مؤتمراتٍ مناهضةٍ لحقهم في تحريرِ أرضهم المغتصبة من رأس الناقورةِ إلى رفح، أم أن حالة الفقر المدقع والحصار الإسرائيلي الجائر المفروض على القطاع منذ أكثر من ثلاثة عشر عامًا، ستُجبرهم على التعاطي مع هذه المؤتمرات، مع محاصرةِ أيِ محاولاتٍ فلسطينيةٍ للالتفاف على الحصار والتمرد عليه بكلِ السبل.
إن الحلَ برأي كثيرين من المراقبين والساسة أن يتم استقطابِ الجماهير والعامةِ عبر التحامهم مع قادتهم السياسيين والعسكريين والمثقفين والمؤثرين، بالعودةِ إلى تسخين الحدود عبر النقاطِ الثمانية على الخط الفاصل بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة عام ثمانية وأربعين، وإفساح المجال مجددًا أمام البالونات الحارقة وإطارات السيارات وكل وسائل المقاومةِ الشعبية والسلمية، فهذا المشهد يُربكُ حساباتِ الاحتلال ومن يستخدمهم لتحقيقِ أهدافه في حمايةِ أمنه، وهو ما يُعيد قطاع غزة من جديد إلى الواجهة، ليتصدرَ اهتمامَ العالم أجمع، بشكلٍ يُرغم الدولَ كافة لعرضِ عروضها الاقتصادية لمساعدةِ سكانهِ المحاصرين على تخطي أزماتهم دون أن يمسَ ذلكَ ماء وجوههم ودون أن يخدش كرامتهم أو مقاومتهم.
إن شجاعةَ الفلسطينيين تكمنُ في رفضِ كل الأموال التي تأتي من أجل صناعتهم على الطريقةِ الأمريكية والإسرائيلية، فما خُلقوا ليأكلوا دون أن يُنتجوا، وهو ما يستدعي تنمية الحس الثقافي لدى الأجيالِ كافة، عبر تخصيصِ مساحةٍ في المساجدِ وفي خطط الدعاةِ والوعاظ، مساحةٌ لا تُحذرُ فقط من مخاطر مؤتمر المنامةِ وأضراره على القضية الفلسطينية، بل تضعُ كل فلسطيني كبيرٍ كان أم صغير رضيعٍ أم كهل أمام واجبه الوطني والثقافي والأخلاقي والاقتصادي في مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأمريكية بل ومقاطعة منتجات كل الدول المؤيدة لخططِ الاحتلال في إغراقِ الأراضي الفلسطينية عبر تنفيذ مخطط (الاقتصاد مقابل السلام).
فلمؤتمر المنامةِ أهدافٌ ثقافيةٌ وأخرى فكرية تسعى إلى تسطيحِ فكرِ الفلسطينيين وطمسه، وإلغاء حقه في الأمنِ والأمان، عبر اقتيادهم إلى مستقبلٍ مجهول المعالمِ، بيدّ أن الوعي والذكاء الفلسطيني أقوى من كلِ الخطط الرامية إلى إفشاله ليبقى واقعُ التمردِ على الاستيطان وجدار الفصل العنصريِ وحملات التهويد المستمرة للأرض الفلسطينية أشد سطوة من تلك المؤامرات التي ما توقفتْ يومًا، والتي ما نجحتْ أبدًا في محاصرةِ إرادةِ المقاومة، إرادةٌ ستنجحُ في احكام القبضةِ على المحتلِ الإسرائيلي ومحاصرته في عُقر داره، إذ يطمئنُ المراقبون بأن مثل هذه المؤتمرات ومخرجاتها لن تتعدى حدود الحبر الذي كُتبتْ فيه، مع يقين المقاومةِ وتشبثها بحقوقِها في فلسطين التاريخية، فلسطين التي يفديها أهلها وأبناؤها بدمائهم الطاهرة، وإن قلّ زادهم أو حاربهم فيه أعداؤهم.
(المصدر: مدونات الجزيرة)